مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي أحكم الدين، وهدى إلى التمسك بحبله المتين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، جعل مقصد الدين حماية الإنسان.
وأشهد أن نبيه محمدا عبده ورسوله؛ أرشد إلى الحق والعدل والإحسان، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم إلى يوم الدين.
الخطبة الأولى
أما بعد، فيا أيها المؤمنون: اتقوا الله وراقبوه، وامتثلوا أوامره ولا تعصوه، واذكروه ولا تنسوه، واعلموا –أيها المسلمون– أن مقصد الدين صلاح أمر الدنيا، واستقامة أهداف الناس فيها، وتقويم سلوكهم على الفطرة السوية، ففي الدين الخير والبشرى، وفيه الصلاح في المعاش والمعاد، والعدل والرحمة بين العباد؛ قال المولى ﷻ: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾. جاء الدين لتحقيق مراد الله في الأرض، وتحقيق مصالح الفرد والمجتمع من حوله، وحفظ الدين وسياسة الدنيا، وتدبير أحوال المعاش والعلاقات الإنسانية، وإقامة ذلك كله وفق معيار متوازن، واعتدال وانتظام، يقول الحق ﷻ: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.
ومقصود الدين من الناس خمسة مقاصد؛ وهي أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعه مصلحة. تلك حكمة منه ﷻ: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾، والمبتغى في ذلك كله تحقيق الحياة الطيبة للبشرية؛ قال سبحانه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾، فينعمون في هذه الأرض بالأمن والسلم والاستقرار، والمبتغى من الدين أيضا رفع الحرج عن الإنسانية وقد علم الله ضعفها: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾، ويقول: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾.
عباد الله: وإذ يستمر العدوان على الأقصى وأهله، وتتعاظم الجرائم في حقهم، فإن الواجب تجاههم وفق مقاصد الدين حمايتهم في الجوانب الخمسة كلها: وأولها: حماية الدين من التعدي والتدنيس والتشويه، وحفظه من الامتهان والتحريف؛ وثانيها: حماية النفس من الظلم والقتل والعدوان، وعصمة النفس البشرية وصون الحياة والأمان والاطمئنان، وثالثها: حماية العقل من المؤثرات الضارة بكل أنواعها، أو ما يعطل طاقات العقل ويؤثر في عمله وإدراكه، ورابعها: حماية النسل من الانقطاع والأمراض والأوبئة، والحفاظ على الأسرة والحياة الزوجية الصحيحة واستقرارها واستمرارها، وخامسها: حماية المال من الاعتداء والإهلاك والتدمير، والحفاظ على الكسب والعمل وحق الملك والتداول.
فهذه حقوق كلية خمسة لا يجوز المساس بها؛ وخطوط في كرامة الإنسان لا يمكن تخطيها، ويعني هذا عدم جواز الانتقاص منها في أي وقت أو الاعتداء عليها بأي طريقة، ويجب احترامها والدفاع عنها بشكل كامل، ويؤكد ذلك كله قول الحق ﷻ: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
وبهذه المقاصد الكلية يتجلى واجب الأمة الإنسانية كلها تجاه الأقصى وأهله، وواجب المسلمين خاصة في إخوانهم من الضعفاء، في أوقات الأزمات والشدائد؛ بالعمل معا في سبيل الحفاظ على تلك الأساسيات العامة، كأسرة إنسانية واحدة، ومجتمع بشري ينشد الخير والعدل والسلام، فضلا عن واجب الأمة الإسلامية في حق المسلم على أخيه المسلم؛ قال رسول الله : «ما من مسلم يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته».
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
⇐ وهنا خطبة: فضل الشهداء عند ربهم – مكتوبة & بالعناصر
الخطبة الثانية
الحمد لله حق الحمد، والثناء عليه بما هو له أهل من الحمد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، وأشهد أن نبيه محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المؤمنون:
لنصرة الأقصى وأهله؛ على ضوء مقاصد الدين، استمعوا وأنصتوا لأجمع آية في بيان مقصد الدين لحماية الإنسان، يقول الحق تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، ففي هذه الآية الجامعة أمر الله تعالى عباده بالاتصاف بصفاته، والتخلق بها في أحوالهم؛ وتدخل فيها أخلاق العدل والإحسان والشفقة والرحمة، وكذا الطهارة عما لا يليق من الفواحش والمنكرات.
فهو ﷻ العادل والمحسن، والرحمن الرحيم، غير ظالم ولا جائر، وهو منزه عن جميع العلل، فمن كسي أنوار هذه الصفات من العباد، وتخلق بها في سلوكه، وربى نفسه عليها، فإنه يخرج عادلا محسنا، رؤوفا رحيما، طاهرا مطهرا، صادقا مصدقا، حبيبا محبوبا، يعدل مع نفسه ومع غيره من الناس، ويأخذ منها الإنصاف بينها وبين عباد الله، ويحسن إلى من أساء إليه، ويراعي ذوي القرابة، ويرحم الضعفاء، وينهى نفسه عن الأنانية والهوى، ويدفعها عن الظلم والغشم.
فتخلقوا –عباد الله– بهذه الصفات؛ وتمسكوا بها ليحصل الخير لأنفسكم وأهليكم .
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.
⇐ لدينا كذلك خطبة: يقظة الضمير الإنساني.. صرخة في وجه الظلم والظالم
الدعاء
- اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.
- اللهم أعز الإسلام واهد المسلمين إلى الحق، واجمع كلمتهم على الخير، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.
- اللهم كن عونا لإخواننا في أرض الأقصى المبارك، وكن معهم وثبـتهم واربط على قلوبهم وصبرهم، واخذل عدوك وعدوهم، واجعل الدائرة عليه يا ذا الجلال والإكرام.
- اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.
- اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام.
- ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
- اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾