عناصر الخطبة
- تحضير النفس لاستقبال شهر رمضان الكريم
- رمضان: شهر القرآن والصيام
- أحكام الصيام والتزاماته
- أهمية تلاوة القرآن وتدبره في شهر رمضان
- أداء الفرائض وصلاة التراويح
- فضل صلة الأرحام والعمل الخيري في شهر رمضان
- التوجه بالدعاء والتضرع إلى الله في شهر رمضان
مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إله الوجود، وخالق العباد، نحمده على ما أنعم به علينا من نعم ظاهرة وباطنة، ونشكره على ما أسبغ علينا من فضلٍ وكرم.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، ﷺ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الخطبة الأولى
رمضان شهر القرآن وشهر الصيام. يقول الله ﷻ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ سورة البقرة 185؛ ويقول الله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ سورة البقرة: 183.
لذا كان النبي ﷺ يٌبشر أصحابه بقدوم هذا الشهر الكريم قائلاً لهم: «أظلكم شهرُ رمضانَ هذا، بمحلوف رسول الله ﷺ ما مرَّ على المسلمين شهر هو خيرٌ لهم منه، ولا يأتي على المنافقين شهرٌ هو شهرٌّ لهم منه، إن الله يكتبُ أجره وثوابه من قبل أن يدخلَ، ويكتب وزره وشقاءه قبل أن يدخل» رواه أحمد والبيهقي. ومعنى “بمحلوف رسول الله ﷺ” أي: بما يحلف به رسول الله ﷺ، أي يقسم به، كقوله: والذي نفسي بيده”.
قال المحدث ابن حجر الهيتمي رحمه الله ﷻ “وذلك أن المؤمن يُعِدُّ فيه النفقة للقوة في العبادة، ويعدُّ فيه المنافق اغتياب المؤمنين واتباع عوراتهم، فهو غُنم للمؤمن، ونقمة على الفاجر”. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ: «أتاكم شهر رمضان، شهرٌ مباركٌ، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلُّ فيه مردة الشياطين، وفيه ليلةُ القدر خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم» رواه أحمد والنسائي والبيهقي.
ولعِظم هذا الشهر الكريم كان صحابة رسول الله ﷺ يعدون العدة لاستقباله قبل مجيئه بستة أشهر. ويدعون الله ﷻ بعد رحيله أن يتقبل صيامهم وقيامهم وسائر أعمالهم بستة أشهر أخرى. فصار العام كله ما بين استقبال رمضان وتوديعه. وعلينا ونحنُ مقبلون على هذا الشهر الفضيل أن نحسن استقباله.
وعلى المسلم أن يتعلم فيه أحكام الصيام فيتجنب المفطرات الحسية: كالأكل، والشرب، والجماع. والمعنوية: كالغيبة، والنميمة، والكذب، وشهادة الزور. قال ﷺ: «من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ» أخرجه البخاري . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال ﷺ: «ربَّ صائمٍ ليسَ لَه من صيامِه إلَّا الجوعُ وربَّ قائمٍ ليسَ لَه من قيامِه إلَّا السَّهرُ» أخرجه النسائي.
وعلى المسلم أن يعزم على الإكثار من تلاوة القران الكريم وتدارسه. عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «كانَ يَعْرِضُ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ عليه مَرَّتَيْنِ في العَامِ الذي قُبِضَ فِيهِ، وكانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا، فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ في العَامِ الذي قُبِضَ فِيهِ» أخرجه البخاري.
فقد كان سيدنا الشافعي رحمه الله ﷻ يختم القرآن مرتين في اليوم والليلة. قال ﷺ: «اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ» صحيح مسلم. ومن لم يستطع ذلك فليقرأ ما تيسر منه. يقول الله ﷻ: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ المزمل: 20.
ولنحرص في هذا الشهر الكريم على صلاة الجماعة وأداء الفرائض وصلاة التراويح عشرين ركعة مع الإمام. خاصة أن الأجور تتضاعف في رمضان. كما نحرص على حضور مجالس العلم والذكر. يقول الله ﷻ: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ البقرة: 152. ويقول ﷺ: «مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ» أخرجه البخاري ومسلم.
كما يحرص المسلم على الزيادة في صلة الارحام وتلمس احتياجاتهم. يقول الله ﷻ: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ النساء: 1. والرحم سبب من أسباب البركة في الرزق والعمر. يقول ﷺ: «مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» أخرجه البخاري ومسلم. ولنبتعد عن الشحناء والبغضاء، والخصام والشقاق، وقطع صلة الأرحام. فكل ذلك من مضيعات الاجور ومحبطات الاعمال. ويلزم المسلم نفسه الطريق المستقيم الذي ينتهي به إلى إرضاء الله عز وجل ليكون جزاؤه عند الله ﷻ قبول صيامه والحصول على ثوابه.
ولا ينسى الصائم إخوانه وجيرانه المعوزين في هذا الشهر الكريم. عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: «مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ». أخرجه البخاري. وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ». أخرجه مسلم
ومن الواجب على المسلمين أن يستقبلوا شهر رمضان وهم يعقدون العزم على صيامه وقيامه، فمن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.، ولا بد من تبييت النية بصيام كل يوم من أيام هذا الشهر المبارك، عن حفصة أن النبي ﷺ قال: (مَن لم يُجمعِ الصِّيامَ قبلَ الفجرِ فلا صيامَ لَهُ) رواه أبو داود، أي يبيت النية قبل الفجر.
قال الشيخ العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله ﷻ: “هذا التبييت الواجب لا يتم إلاّ بالتعيين بأن يقول: نويت صوم غد عن رمضان.. هذا أقل النية”.
وأما أكملها الذي ينبغي الاعتداد به بأن يقول: نويت صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله ﷻ. أي بإضافة رمضان لما بعده.. وأن يتلفظ بذلك كله.
والصحيح أن النية في القلب تكفي، ولكن يستحسن التلفظ للجمع بين اللسان والقلب.
عباد الله: رمضان فرصة طيبة لندعو الله ﷻ ونحن موقنون بالإجابة. أن يرحمنا ويرحم أمتنا، وأن يكشف عنها الغمة التي ألمت بها، فقد ختم الله عز وجل الصيام بقوله ﷻ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ البقرة: 186. فلنكثر من الدعاء خاصة قبيل الإفطار ووقت السَّحَر الذي يبدأ في آخر الليل والثلث الأخير من الليل، فهذه الأوقات لا يردُّ فيها الدعاء. ففي الحديث «ثلاثة لا تردُّ دعوتُهم… والصَّائمُ حتَّى يفطرَ» أخرجه الترمذي.
اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافي الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة.
⇐ وهنا تجد أيضًا خطبة: كيف نستقبل شهر رمضان – مكتوبة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.
واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.
وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم» رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله ﷻ في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله ﷻ يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173، 174
والحمد لله ربّ العالمين..
⇐ كما نوصيكم أيضًا بـ: خطبة «وقفات قبل رمضان» كيف نستقبل الشهر الكريم!