عناصر الخطبة
- العبادات شعائر تعظيم لخالق الأرض والسموات نحقق فيها العبودية الخالصة.
- العبادة بمعناها العام هي النيات والأقوال والأفعال والأعمال بما يرضي الله ﷻ.
- العبادات تعلم المسلمين الجد والاجتهاد والمحافظة على الوقت لأنها مرتبطة بالمواقيت الشرعية ولا تؤدى حسب شهوات النفس الإنسانية.
- العبادات في الإسلام ليست حركات ظاهرية لا إرادية تؤديها الجوارح وإنما هي عبادة ربانية.
- لتحقيق أثر العبادة في سلوك المسلم عليه أولاً بإصلاح النية وإخلاصها لله ﷻ وأن يكون عمله طيباً فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
الخطبة الأولى
لقد خلق الله ﷻ الإنسان لمقصد عظيم وغاية شريفة، هي عبادته ﷻ كما جاء في قوله سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56].
ومن ميزات الشريعة الإسلامية أنها شريعة ربانية تتصف بالشمول، أي أن الله ﷻ أراد للمسلم أن يرتبط به سبحانه في جميع شؤون حياته برباط عقائدي يكون مرجعاً له وأساساً صلباً لتهذيب سلوكه في الحياة، وتنظيم حياته مع خالقه أولاً، ثم مع نفسه وبيئته والناس أجمعين، وما كان ذاك إلا لتحقيق المقاصد الإسلامية العظمى، لتأخذ هذه الأمة مكانها الصحيح بين الأمم وتصبح عنصراً فاعلاً في عمارة الأرض ونهضة الحضارة، وهذه هي مهمة الأمة الإسلامية التي تعزز قيمة الصلاح والإصلاح بين أبنائها وقد قال الله ﷻ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ، إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ فاطر: 39.
فالعبادة بهذا المعنى العامّ تشمل الفرائض التي أوجبها الله ﷻ على عباده، والمتمثلة في أركان الإسلام كالصلاة والصوم والحجّ والزكاة وسائر العبادات، وصولاً إلى التخلق بالأخلاق الحسنة في التعامل مع الآخرين وقد قال ﷺ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» ← رواه الإمام أحمد.
وبهذا المعنى الشامل تصير العبادة مهيمنة على حياة المسلم وتعاملاته وتصرفاته كلها وفقاً لمنهج الله ﷻ، كما جاء في قوله ﷻ: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162].
وإنّ المتأمل في هذه العبادات والدلالات والمعاني التربوية يظهر له عمق العلاقة الإيجابية في الإسلام بين الفرائض والواجبات والمعاملة والسلوك والأخلاق وحياة الناس في الدنيا، فالآيات الكريمة في كتاب الله ﷻ تؤكد هذه العلاقة كما في قوله ﷻ: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177].
فالعبادات تعلم المسلم وتدربه بداية على الجد والاجتهاد، والمثابرة والالتزام، فجميع العبادات مرتبطة بمواقيت محددة دقيقة ينبغي على المسلم التقيد بها، ففي الصلاة يقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ النساء: 103، وفي الصيام يقول ﷻ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ البقرة: 187، وفي الحج يقول الله ﷻ: ﴿سْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ البقرة: 189، فيتبين لنا أهمية الوقت والمحافظة عليه في ديننا الحنيف كما يعلمنا تعظيم قيمة الوقت واحترام المواعيد.
ومن الآثار الإيجابية التي تتركها العبادات على سلوك المسلم، تزكية النفس ورقيها، وسمو الأخلاق وارتقائها، فالمسلم الذي يدرك معنى العبادة وحقيقتها ينعكس أثرها في سلوكه وحياته، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما قال الله ﷻ: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ العنكبوت: 45.
فإقامة الصلاة هي العبادة والابتعاد عن الفحشاء والمنكر؛ فهو الجانب الأخلاقي المؤثر في سلوك المسلم، وقد قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إِلَّا بُعْدًا» ← المعجم لكبير للطبراني.
وفي فريضة الصيام، ينزه المسلم نفسه عن الوقوع في المحرمات والتفكير في الشهوات حتى يصل إلى الغاية العظمى من صيامه، وهي التقوى كما قال الله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ البقرة: 183، وذلك لأنّ التقوى هي التي تضبط سلوك المسلم، وتنمي القيم الحسنة في حياته، وتجنبه قول الزور والعمل به، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» ← رواه البخاري.
ومن مقتضيات التقوى حسن الخلق مع الناس، لهذا جمع النبيّ ﷺ بين الوصية بالتقوى والوصية بحسن الخلق حين قال: «اتَّقِ اللهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» ← رواه الترمذي.
ومما يؤكد الأثر الإيجابي للعبادات، وأن العبادة في الإسلام شاملة للنواحي السلوكية، أن النبيّ ﷺ الصائم قد أرشد إلى ضرورة التحلي بالحلم وحسن الخلق، فقال مخاطباً الصائمين: «فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» ← متفق عليه.
وعبادة الصلاة والصيام التي يرجو المسلم أن يقبلها الله ﷻ منه كاملة دون نقصان هي التي تكون منزهة عن النقائص والرذائل وسوء المعاملة مع الناس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجلٌ يا رسولَ اللهِ إنَّ فلانةَ فذَكَرَ من كثرةِ صلاتِها وصدقتِها وصيامِها غيرَ أنَّها تُؤْذِي جيرانَها بلسانِها قال هيَ في النارِ قال يا رسولَ اللهِ فإنَّ فلانَةَ فذَكَرَ من قلَّةِ صيامِها وصلاتِها وأنَّها تصَّدَّقُ بالأثْوارِ من الأقِطِ ولا تُؤْذِي بلسانِها جيرانَها قال هي في الجنةِ» ← رواه أحمد.
كما إن الزكاة من العبادات التي تمثل وسيلة من أعظم وسائل تطهير النفس من البخل والشح والأنانية، وزرع معاني الفضيلة والألفة والرحمة والشفقة، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾التوبة: 103.
وقد بين الله ﷻ في كتابه العزيز الصلة بين الزكاة والصدقة وحسن التعامل مع الفقراء والمحتاجين الذين تخرج لهم الزكاة لكي لا تجرح مشاعرهم بالمنّ عليهم، وعدّ المنّ من الأذى الذي يبطل ثواب الزكاة والصدقة، فقال ﷻ: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ والأذى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَّا يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ البقرة: 261-264.
وفريضة الحجّ التي يؤدّيها المسلم متحمّلاً عناء ما تحتاجه من السفر والمشقة راجياً أن يتقبل الله ﷻ منه حجاً مبروراً؛ يتطلب من المسلم حسن معاملة الناس بطيب الكلام وعدم الفسوق والجدال، كما في قوله ﷻ: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ البقرة: 197.
وعن جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “الحَجٌّ مَبْرُورٌ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةَ”، قَالَوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَا بِرُّ الْحَجُّ؟ قَالَ: “إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلاَمِ» ← رواه الإمام أحمد.
كما إن العبادات في الإسلام تحمل بجملتها معاني الوحدة والاجتماع والمساواة والتقارب والتآلف والتوادّ والمحبة، كما أنها تزيل الفوارق الاجتماعية والطبقية، وذلك يتحقق في صلاة الجمعة والجماعة، وفي اجتماع المسلمين في الحج، والتكافل الاجتماعي في الزكاة.
عباد الله: إنّ العبادة بمفهومها الشامل تدخل في سلوك المسلم، فتجعله محباً للخير، دالاً ومعيناً عليه، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، مبتسماً في وجوه الناس، كما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ» ← رواه الترمذي.
ومن عبادة الله ﷻ احترام الجار وعدم الإساءة إليه وصلة الرحم وإكرام الضيف، فعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرمْ ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقلْ خيراً أو ليسكت» ← متفق عليه.
وقد توسّع القرآن الكريم في وصف عباد الله وأضافهم إلى اسمه الرحمن، فهم عباد الرحمن لشدّة رحمتهم بالخلق وإشفاقهم عليهم، فوصفهم بأوصاف تتمثل معاني حسن الخلق والتعامل مع الناس، كما في قوله ﷻ: ﴿وَعِبَادُ الرحمن الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ الفرقان 63-76.
⬛️ وهنا: خطبة عن تقوى الله – قصيرة & مكتوبة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران:102.
عباد الله: من أراد أن يرى أثر عبادته على سلوكه في الحياة، فعليه أولاً بإصلاح النية وإخلاصها لله ﷻ، قال ﷻ: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ البينة: 5، فلا بدّ للمسلم أن يقدم عمله طيباً لوجه الله ﷻ ليجني ثمار العبادة في نفسه وماله وولده.
وقد قال نبينا ﷺ: «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ المؤمنون: 51، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ البقرة: 172، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟» ← صحيح مسلم.
فالمسلم يستشعر عظمة الخالق جلّ وعلا، ويوقن في قلبه أن لهذه العبادات وظيفة جليلة عظيمة وهي صلاح النفس وإصلاح الكون، لقد حذرنا الرسول ﷺ من تضييع ثواب العبادة نتيجة سوء الخلق أو الإساءة إلى الآخرين أو الاعتداء على حقوقهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «أتدرون ما المفلس؟” قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: “إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار» ← رواه مسلم.
وهذا التوجيه النبوي يدلّ على أن العبادة في الإسلام ينبغي أن تتصل بواقع حياة المسلم، وليست العبادة مجرد عادات يقوم بها الإنسان أو طقوس يمارسها حركات ظاهرية تؤدى بالجوارح، بل لا بدّ أن يكون أثرها الإيماني حاصلاً في القلب، فائضاً على الجوارح، متصلاً بالمسلمين، شفقة على الكبير، ورحمة بالصغير، ومعونة للضعيف، وإجلالاً للعلماء، وتواضعاً للخلق، وجهراً بالحقّ، وستراً لأهل الفاقة من المسلمين، ليكون المسلم بذلك مسلماً حقاً ومنقاداً لأمر الله ﷻ ورسوله ﷺ، فيستحق وصف العبودية الذي هو أشرف الأوصاف والأسماء.
والحمد لله ربّ العالمين..
⬛️ ونترككم مع: خطبة «ومن يتوكل على الله فهو حسبه» ← مكتوبة كاملة