عناصر الخطبة
- المؤمن يجد الحماية مع الله ﷻ في الأوقات الصعبة.
- اللجوء إلى الله أمر مأمورون به في كل الأوقات.
- الله ﷻ هو المسيطر على كل شيء.
- اللجوء الفوري إلى الله يعكس الاعتماد الكامل.
- التنافس في السباق نحو الخيرات.
- اللجوء يحسن الظن بالله ويجلب السرور.
الخطبة الأولى
الحمد لله..
عندما يخاف الإنسان من شيء يفرُّ منه، بينما المؤمن عندما يحزبه أمر يفرُّ إلى الله ﷻ، فقد كان النبي ﷺ: (إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة) أخرجه أبو داود.
وقد أمرنا الله ﷻ بالفرار إليه في كل وقت وحين، ولا سيّما في أوقات الشدة والضيق قال ﷻ: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) سورة الذاريات: ٥۰
فالله ﷻ هو مقدر الأمور، وهو النافع والضار، وبيده ﷻ مقاليد السموات والأرض، وعلى العبد أن يكون فراره الى الله ﷻ، وقد قيل: من صح فراره إلى الله ﷻ صح قراره.
والفرار إلى الله ﷻ هو الالتجاء إليه سبحانه. بالخضوع والإخبات والتضرع والاتكال والاعتماد عليه، والانقطاع عن غيره، والتفكر بعظمته والرجاء إليه. وهذا هو الاعتصام بحبله المتين، الذي مَنْ تعلق به نجى، وفاز في الدنيا والآخرة.
قال ﷺ: (ألا إن الدنيا مَلعُونة، مَلعُونٌ ما فيها، إلا ذكرَ الله ﷻ، وما وَالاهُ، وعالماً ومُتَعَلِّمَاً) رواه الترمذي
والفرار إلى الله ﷻ فيه عجل وسرعة. فقال موسى عليه السلام: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) سورة طه: ۸٤، وقال ﷻ: (وَسَارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران: ۱۳۳، بل أكثر من السرعة فيه تسابق بين المؤمنين، قال ﷻ: (سابِقُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) سورة الحديد: ۲۱.
و(سابقوا): يعني أن لا نترك شيئاً أو جهداً إلا ونقوم به، فنتوجه إلى الله ﷻ، ونتفكر بآلائه وبذكره، ونقرأ كتابه. ونصلي النوافل ونأتمر بما أمرنا الله به. ونكف عمّا منعنا منه. وأن لا نضيع وقتنا في القيل والقال. وفيما لا فائدة منه. قال رسول الله ﷺ: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه). رواه الترمذي.
وثمرة اللجوء إلى الله ﷻ تجعلنا نُحسن الظن بالله ﷻ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)رواه البخاري،
ففروا إلى الله كلما تعاظمت المشكلات والصعوبات. فروا إلى الله كلما ضاقت الصدور وقست القلوب. فروا إلى الله كلما جمدت الأعين وقحطت الدموع. فروا إلى الله كلما لغت الألسن وأكثرت من الباطل. فروا إلى الله تجدوا عنده كل ما يملأ قلوبكم ونفوسكم أنساً وسعادة وسروراً، فيونس عليه السلام في الظلمات الثلاث الذي ما وجد ملتجأً من الله إلا إليه، فرّ إلى الله، من داخل بطن الحوت في أعماق المحيط بظلماء الليل.، قال ﷻ: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} سورة الأنبياء: ۸۸،۸۷.
وسئل النبي ﷺ هل هذا ليونس عليه السلام. فقال: لا. بل لكل المسلمين في كل زمان ومكان.
اللهم إنا نفر اليك. فتقبل منا.. اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل الشفاء على الجرحى والمصابين والمكلومين. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب.
⇐ وهنا أيضًا خطبة دقيقة ومتقنة بعنوان: حفظ ماء الوجه كرامة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: ۱۰۲.
عباد الله: اعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.
وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله ﷻ في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله ﷻ قال: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: ۱۷۳،۱۷٤
ولا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ﷺ، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ الأحزاب: ٤۳، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ. ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
والحمد لله ربّ العالمين..