نعيش في رِحاب قول الله ﷻ في سورة الذاريات ﴿ففروا إلى الله﴾ بعض دقائِق مُبارَكة مع خطبة جمعة مكتوبة؛ نسوقها إلى كل الأئمة والخطباء في كل أرجاء الدنيا؛ ليحثّوا الناس عامة، والمؤمنون خاصَّة على الفرار إلى الله ﷻ. فهو الخلاص الوحيد.
مقدمة الخطبة
إنَّ الحمد لله ذي الرَّحموت والملكوت، والقوة والجبروت، أحمده سبحانه وهو للحمد أهل، وأشكره تعالى وعزَّ وجلَّ، وأشهد ألَّا إله الله؛ فلا معبود حقٌّ واه، وأشهد أنَّ محمَّدا عبده ورسوله ومصطفاه، ورحمته إلينا المهداة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واقتدى بهداه.
أما بعد: أيها المؤمنون! اتقوا ربكم، وأطيعوا رسولكم ﷺ، وتمسكوا بدينكم، وارضوا بالإسلام دينًا.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ~ [سورة آل عمران].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ~ [سورة الحشر].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} ~ [سورة الأحزاب].
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون! إذا تكاثرت المقلقات، وتعاطفت المزعجات، واضطربت نفوس الخلق، وضاقت صدورهم، والتمسوا أمنةً في أموالهم أو أعراضهم أو دمائهم = رأيت لهم طرائق مختلفةً فيمن إليه يفزعون، وعلى من يعولون.
فمنهم من يتعلق بالأموات من الأنبياء والصالحين؛ فيلوذ بقبورهم، ويأتي مشاهدهم!
ومنهم من يلوذ بالمعظمين من البشر ولو كانوا كفارًا؛ فيعولُ على قوةٍ سياسيةٍ أو قوةٍ اقتصاديةٍ! وكل ذلك.. بل يغني عنهم شيئًا.
فصلاح أحوالنا فيما يعترينا من الهموم والغموم، الخاصة والعامة، الدقيقة والجليلة، الظاهرة والباطنة = هو الفرار إلى الله ﷻ.
قال الله ﷻ: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِين} ~ [سورة الذاريات].
فإن الفرار إلى الله ﷻ سكينة الأرواح، وطمأنينة القلوب، وانشراح الصدور.
فكل قوي فالله أقوى منه، وكل كبيرٍ فالله أكبر منه، وكل غني فالله أغنى منه، وكل عزيزٍ فالله أعز منه.
فإنَّ الله ﷻ حيٌّ لا يموت، وهو ﷻ بكل شيءٍ عليمٌ، وعلى كل شيءٍ قديرٌ، إليه يرجع الأمر كله، وله الحكم كله، ولا يخرج شيءٌ عن أمره.
وكذلك كان الأنبياء؛ إذا حدقت بهم المهمات، وتراكمت عليهم المزعجات، يفرون إلى الله ﷻ؛ لجوءًا وفزعًا، واستكانة وخضوعًا.
فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أراد به قومه ما أرادوا من إهلاكه وإلقائه في النار، ودبروا له المكائد؛ فزع إلى ربه ﷻ، {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} ~ [سورة الصافات].
ولما جمع فرعون حشده، ونظم وراء موسى جنده، حتى تراءت الطائفتان قال أصحاب موسى: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ | قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} ~ [سورة الشعراء].
ولما ابتلع الحوت يونس عليه الصلاة والسلام فزع إلى ربه ﷻ وقال: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} ~ [سورة الأنبياء]، وقال الله عنه: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ | لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ~ [سورة الصافات].
ولما جمعت قريش خيلها ورجلها، ونادت في العرب كلها أنَّ من قتل محمدًا ﷺ فله مائة ناقةٍ، وأنَّ من قتل أبا بكرٍ صاحبه رضي الله عنه فله مائة ناقةٍ، فخرج الفرسان والراجلة يطلبونهما في كل طريقٍ؛ حتى بصر بهما سراقة بن مالكٍ، فلما قرب منهما فزع محمدٌ ﷺ إلى ربه، وأخبر الله عن قصته مع صاحبه؛ إذ قال: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ~ [سورة التوبة].
فهؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان ملتجأهم في تلك المدلهمات، وفزعهم في تلك المصاعب المزعجات: الفرار إلى الله ﷻ.
{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ | وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} ~ [سورة الذاريات].
فلما كان إلى الله فرارهم، كانت الغلبة لهم؛ فأعلى الله الحق، وأزهق الباطل، ورفع كلمته، ونصر عباده.
فمن فر إلى الله أعزه الله، وكان أمنةً له في كل أحواله.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
وهنا كذلك، نوصيكم بهذه الخطبة الهامة جدًا؛ وهي خطبة: أخلاقيات البيع والشراء وآدابه
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا حمدًا، والشكر تواليًا وتترًا، وأشهد أنَّ الله وحده معبودٌ حق، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله المبعوث بالصدق.
اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ.
أما بعد؛ أيها المنافقون! ما من أحدٍ منا إلا ويجد مخمصةً في صحته أو رزقه، أو حاله أو ماله، أو يتخوف شيئًا في مستقبله أو مآله، ولا ملجأ له ولا ملتجأ إلَّا بفراره إلى الله ﷻ؛ عملًا بأمر الله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} ~ [سورة الذاريات]، واقتداءً بأنبيائه عليهم الصلاة والسلام الذين فروا إلى ربهم ﷻ، فأنجاهم الله، وأظهرهم على عدوهم، وآمنهم من كل مخوفٍ خوفهم.
واعلموا رحمكم الله أنَّ جماع الفرار إلى الله: ترك ما يكرهه الله ويأباه إلى ما يحبه الله ويرضاه.
فالفارون إلى الله يفرون من الشرك إلى التوحيد، ومن البدعة إلى السنة، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الجهل إلى العلم، ومن الفرقة إلى الجماعة.
ففروا إلى ربكم ﷻ بالتزام ما أمركم به من محبه ومراضيه، واتركوا ما يكرهه الله ويبغضه؛ فبذلك يتحقق فراركم إلى الله.
فإذا فررتم إلى الله كنتم من الآمنين؛ فإن كل أحدٍ خاف شيئًا فر منه، إلا الله ﷻ؛ فإن من خافه فر إليه؛ لأنه إذا فر إلى ربه ﷻ ألبسه الله ﷻ لباس الأمن والطمأنينة، وأورده على كل خيرٍ في العاجل والآجل.
ففروا إلى الله أيها المؤمنون، إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} ~ [سورة الذاريات].
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد؛ فقد قدمنا لكم -أيها الخطباء الأفاضل- لفضيلة الشيخ صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي -غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين-. وله -أيضًا- عندنا خطبة مكتوبة بعنوان: شؤم صفر؛ نسأل الله ﷻ أن ينفعنا وإياكم بكل الدروس والخطب والمحاضرات التي نوفرها لكم.
حفظ الشيخ صالح بن حمدالعصيمي حقانتابعه من بعيد لكنه قريب في قلوبنا فجزاه عنا خير الجزاء