تحت عنوان «فضيلة اغتنام شهر رمضان» أتيناكم اليوم بخطبة رائِعة للشيخ صالح بن عبد الله العصيمي –جزاه الله خيرًا– والتي تقَع تحت قائمة كبيرة من الخُطَب المكتوبة التي أعددناها لكم لتكون في جدول تحضيراتكم لخُطب الجمعة ودروس العِلم في شهر رمضان المبارَك.
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي أكمل شرعة الإسلام، وفرض على عباده فيها الصّيام، أحمده سبحانه حمدا حمدا، وأشكره تواليا، وتترى، وأشهد أنه سبحانه هو الحق المبين، وأنَّ محمَّدًا عبده ورسوله الرّحمة المهداة إلى العالمين.
اللهم صل على محمّد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
الخطبة الأولى
أما بعد.. أيها المؤمنون؛ إن الله ﷻ فرض عليكم فرائض بها تتحقق له عبادتكم، ويظهر خضوعكم ومحبتكم، ومن أفراد تلك الفرائض وجواهر عقدها ما كتبه الله ﷻ على المؤمنين من الصيام؛ قال الله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة]. فأعلن في هذه الكلمة أنّ الصّيام مكتوب فرضًا على عباد الله المؤمنين، وليس فيها تعيينه، ثم قال بعدها بآي: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾، ثم قال معينًا توقيت الزّمان الذي فُرض فيه الصِّيامُ على المؤمنين: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة]؛ فكانت هذه الآية حُجّةً في إيجاب صيام رمضان على المؤمنين في كل سنة، وجعل صيامه من أركان الإسلام.
ففي الصحيحين من حديث حنظلة بن أبي سفيان، عن عكرمة بن خارج، عن عبد الله بن عمر —رضي الله عنهما— أن النبي ﷺ قال: «بني الإسلام على خمس: شهادةِ أَلَّا إله إلا الله وأَنَّ محمَّدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان..» فعُدَّ من أركان الإسلام العظام ومبانيه الجسام صيام رمضان في كلّ سنة وعام، وما هي إلَّا أيام وليال حتى يُطل علينا شهر رمضان الذي كتب علينا ربنا صيامه وسن لنا رسولنا ﷺ قيامه.
وإن إطلالة هذا الشهر إطلالة مباركة تتجارى بحار المغفرة بأمواجها؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة —رضي الله عنه— أن النبي ﷺ قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه». وفيهما أيضًا من حديث أبي هريرة —رضي الله عنه— أن النبي ﷺ قال: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه».
وفيهما أيضًا من حديث أبي هريرة —رضي الله عنه— أن النبي الله الله قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه».
وإنَّ مغفرة الذنوب إخراج لنفس العبد من آصارها وأغلالها إلى مغفرة الله بك ورحمته التي يتبوا بها الحياة الطيبة في الدُّنيا والآخرة.
ولو أنَّ أحدنا وعد بموعود تعاظم في نفسه يحوزه ويناله قريبا لصارت نفسه متعلقة به تائقة إليه، فكيف إذا كان الوعد هو مغفرة ما تقدم من الذُّنوب، وكيف إذا كان المتكفل بالوعد هو الحي القيوم، وكيف إذا كانت الأعمال المرادة من العبد لأجله هي أعمال مقدورة لآحاد المسلمين. فما هي إلا صيام وقيام، وما هي إلا ليال وأيَّام، فما هي إلا هنيهةً ثم ينقضي شهر رمضان، وإنَّ من الغبن المستبين أن يَفْرُطَ هَذا الشَّهرُ بين يدي العبد بانقضاء أيامه ولياليه ثم لا يكون فائزا بالمغفرة رابحا في غنائمها.
وقد ذكرت في الأحاديث المتقدمة أعمال ثلاثة فاضلة هي صيام رمضان، وقيامه، وقيام ليلة القدر، وجعل الجزاء لها جميعًا مغفرة ما تقدم من الذُّنوب، ومن أصاب واحدا من الثلاثة غفر له ما تقدم من ذنبه، ولم يُجعل ليُصاب في ذلك قيد ثقيل ولا شرط، وبيل، وإنَّما جُعل أن يكون هذا العمل مقرونا بالإيمان والاحتساب، فهو إيمان بأمر الله وامتثال له باحتسابه للأجر والثواب على الله ﷻ.
فأحدنا يصوم رمضان إيمانا بأمر الله وامتثالاً له، ويرجو أجره عند ربه ﷻ.
وكذلك يقوم رمضان إيمانًا بأمر الله وامتثالا له، ويرجو حسابه وجزاءه وأجره عند الله ﷻ.
وهو أيضًا يقوم ليلة القدر إيمانًا بأمر الله وامتثالا لطاعته ويرجو جزاءه وثوابه وأجره عند الله ﷻ.
فإذا تحققت هذه المعاني في قلبه وعمله كان الجزاء أن يغفر الله له ما تقدم من الذنوب والخطايا، فتقال العثرات وتُكفّر السيئات وتُمحى الخطيئات، ويرجعُ أحدنا من ذنبه كيوم ولدته أمه، فأي وعد أكرم من هذا الوعد؟ وأي عطاء أجزل من هذا العطاء؟! وأي هبة أعظم وأجل من هذه الهبة والمنحة الربانية؟!
إن رقاب الخلق تشرئب إذا وعدهم ملك من ملوكهم بعطية من عطايا الدنيا تزول وتفنى وتحول ولا تبقى؛ فكيف إذا كان الوعد من ملك الملوك ﷻ، وكيف إذا كان الجزاء لا يزول ولا يفنى؛ ويجد العبد غنيمته في الأولى والأخرى.
فاغتنموا رحمكم الله أبواب الرّحمات، وما فتح الله ﷻ لكم في شرعه من موائد مغفرة الخطيئات، واستقبلوا شهركم كما أمرَكُم رَبُّكم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
ولديّ أيضًا: خطبة «وقفات قبل رمضان» كيف نستقبل الشهر الكريم!
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ربِّ السموات ورب الأرض، رب العرش العظيم.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيُّها المؤمنون؛ إنَّ هذه الأيَّام والليالي التي نستقبلها مَورِدُ مغفرة ومنبع رحمة، والموفّق من وفقه الله، والمخذول من خذلته قواه؛ فاستكينوا إلى ربكم وأنيبوا إليه، وأعدوا العدة للتوبة بين يديه، والإقبال على الأعمال الصالحات في رمضان.
أيُّها المؤمنون؛ إنَّ الاستقبال الأعظم والاستعداد الأكبر في رمضان يكون بعقد عزائم القُلوب على نية التوبة إلى الله ﷻ ومباعدة المعاصي والسيئات والاستكثار من الطاعات والحسنات، فاعقدوا قلوبكم على استقبال شهركم بالتوبة إلى الله ﷻ والمسارعة إلى الأعمال الصالحات فإن ذلك هو نعم الاستعداد.
واحذروا —رحمكم الله— من الاستعداد للشَّهر بما دأب عليه بعض المسلمين من استقباله بما يخالف أمر الله عز وأمر رسوله الا الله من الأفلام الهابطة والتمثيليات الماجنة وغيرها من الأمور الفاسدة التي تتهادى في وسائل الإعلام شرقا وغربا.
فاستعدوا —رحمهم الله— كما أحب لكم ربكم استقبال شهركم بالتوبة إليه والاستكانة والخضوع بين يديه، وعقد النية على التوبة إليه ﷻ وجمع القلوب على إرادة التقرب إليه ﷻ بمحابَّه ومراضيه، فإنَّ نية العمل الصالح عمل صالح أيضا، قال الإمام أحمد لابنه عبد الله: يا بني انو الخير ولو لم تعمله؛ فإِنَّ نيتك له خير. فإذا نوى العبد خيرا أُجر عليه خيرًا، وكم من امرئ رفعت نيته عمله، وكم من امرئ خفضت نيته عمله.
وهنا: خطبة ماذا بعد رمضان مكتوبة ومؤثرة
الدُّعـاء
- اللهم بلغنا شهر رمضان، اللهم بلغنا شهر رمضان اللهم بلغنا شهر رمضان، ووفقنا فيه للصيام والقيام، ووفقنا فيه للصيام والقيام، ووفقنا فيه للصيام والقيام.
- اللهم أعنا على فعل الخيرات والاستكثار من الحسنات، وإتيان الطاعات، ومجانبة المعاصي، والسيئات.
- اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين.
- اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، وَزَكَّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهُدَى، وَالتَّقَى، وَالْعَفَافَ، وَالْغِنَى.
- اللهم فرج كُرب المكروبين، ونفس هموم المهمومين، واقض الدين عن المدينين، وأطلق أسرى المسلمين، واشفِ مَرَضنا ومرضى المسلمين.
- اللَّهُمَّ آمِنِ المُسْلِمِينَ فِي دُورِهِمْ، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَهُمْ وَوُلَاةَ أُمُورِهِمْ.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْأَشْرَارِ، وَكَيْدَ الْفُجَّار، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ، وَنَدْرَأُ بِكَ فِي نُحُورِهِمْ.
﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت:].