عناصر الخطبة
- خاطب نبي الرحمة ﷺ الناسَ في حجة الوداع، وهو واقف على جبل الرحمة بأسلوب النداء (أيها الناس) فبلغهم منهج الحياة السعيدة وحذرهم من سفك الدماء بغير حق، وأشهد الله ﷻ على خطابه (ألا هل بلغت، اللهم فاشهد).
- الحجاج يأتون من كل فج عميق على صعيد عرفات متوجهين إلى الله ﷻ بالذكر والدعاء ويشاركهم المسلمون بصيام يوم عرفة لشرفه وفضله.
- الأضحية رمز للتضحية والعطاء ونيل تقوى الله ﷻ، وفِي هذه الشعيرة توزع لحوم الأضاحي فيتحقق التعاون بين المسلمين على البر والتقوى في يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة.
- القلب يطمئن بذكر الله ﷻ، فلنجعل قلوبنا ذاكرة في هذه الأيام المباركة، ولا ننسى دعاء سيدنا يونس عليه السلام (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فهو دعاء مجرب لتفريج الكروب ورفع البلاء.
الخطبة الأولى
يوم عرفة يستذكر المسلمون سيد الخلق أجمعين سيدنا محمداً ﷺ، نبي الرحمة ﷺ حينما خاطب الناسَ في حجة الوداع، وهو واقف على جبل الرحمة بأسلوب النداء (أيها الناس) فبلغهم منهج الحياة السعيدة وحذرهم من سفك الدماء بغير حق، وأشهد الله ﷻ على خطابه (ألا هل بلغت، اللهم فاشهد).
وقد لخص رسول الله ﷺ في خطبته العظيمة أحكام الدين، وبيَّن مقاصده الأساسية، فخاطب الناس كل الناس: الصحابة الحاضرين رضي الله عنهم أجمعين، وخاطب الأجيال التي ستأتي بعدهم من التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم، ودلَّ البشرية على الطريق القويم ليستقيم الجميع بعيداً عن سفك الدماء، وهتك الأعراض فقال ﷺ: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا»، فأعادها مرارا، ثم رفع رأسه فقال: «اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت».
قال ابن عباس رضي الله عنهما: فو الذي نفسي بيده، إنها لوصيته إلى أمته، فليبلغ الشاهد الغائب.
لقد اختار النبي ﷺ هذا اليوم العظيم، يوم الحج الأكبر وباجتماع ما يزيد عن مئة ألف صحابي، ليعلنها ﷺ صراحة وعلى مسمع من جميع الناس، وليبلغ الشاهد الغائب، أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم مصونة يحرم الاعتداء عليها، وهذه كانت من آخر وصايا النبي ﷺ. إنها رسالة نبوية عظيمة يجب أن يستوعب معناها المسلمون الذين يسفكون دماء المسلمين من أجل لعاعة الدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة إذا ملكها فكيف بمن لا يملكها؟!
إنَّ يوم عرفة هو يوم تنزل الرحمات على المسلمين والمسلمات الواقفين على صعيد جبل عرفات، يرفعون أكف الضراعة إلى ربهم سبحانه أن يغفر الذنوب والسيئات للأحياء والأموات. ويستذكرون معاني الآية الكريمة (الْيَوْم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) التي يعدُّ نزولها يوم الجمعة عيداً لهذه الأمة المباركة. ولذلك ينبغي للمسلم أن يملأ هذا اليوم بالطّاعات من صيام وصدقة ودعاء وغيرها من العبادات، ونشغل أنفسنا بالذِّكر والفكر، والتوبة عن الذنوب وما حصل من التقصير.
ومن فضائل يوم عرفة أن الله ﷻ أكمل فيه الدين، وأتم نعمته على المسلمين ورضي الإسلام لنا ديناً،: قَالَ ﷻ: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ ِنعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3]، قَالَ عُمَرُ بن الخطاب رضي الله عنه: «قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ» ← رواه البخاري.
إنه اليوم الذي يتجلى الله ﷻ فيه بالمغفرة والتوبة على العباد، وهو يوم العتق من النيران، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنّ رسول الله ﷺ قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار، من يوم عرفة» ← رواه الترمذي.
فعلى كل المسلمين في الآفاق الذين لم يتيسر لهم الحج هذا العام أن يستثمروا هذا اليوم بالإكثار من الأعمال الصالحة المتنوعة التي أمر بها الإسلام ورغب فيها، وهي بمقدور المسلم واستطاعته، فيسنّ للمسلم أنْ يتقرّب إلى الله ﷻ بصيام يوم عرفة لفضله، قال ﷺ: «صيام يوم عرفة، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» ← رواه الترمذي.
وسر تكفير السنتين، أن الحج يُكفر الصغائر في سنة، والعمرة التي يؤديها الحجاج تكفر سنة، وأما الكبائر فتكفرها التوبة النصوح بشروطها.
فعلينا الرجوع إلى الله ﷻ، والإكثار من الاستغفار، والدعاء مع اليقين بالاستجابة، قال ﷺ: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» ← رواه الترمذي.
وكذلك فليداوم المسلم على ذكر الله ﷻ، قال الله ﷻ: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200]، وليحفظ المسلم الجوارح عن جميع المحرمات، فلا غيبة ولا نميمة ولا كذب ولا زور، ولا جدال بالباطل، ومن ابتلي بمعصيةٍ فليبادر إلى العزم على تركها، فإنّ له من الله معيناً على ذلك ببركة هذه الأيام الفضيلة، قال ﷺ: «هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غُفر له» ← رواه أحمد.
⬛️ وهنا أيضًا خطبة: فضل يوم عرفة وسنة الأضحية – مكتوبة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
قال الله ﷻ: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الكوثر:2، قال بعض أهل التفسير معنى الآية : التضحية بنحر الإبل بعد صلاة عيد الأضحى، وقد صحَّ عن النبيّ ﷺ «أنه ضحّى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمّى وكبّر، ووضع رجله على صفاحهما» ← رواه مسلم. فنحن عندما نضحي بالأنعام من إبل وبقر وغنم وماعز نتذكر فضل الله ﷻ علينا على ما رزقنا من النِعم العظيمة، فيكون شكرنا له سبحانه بإطعام الفقراء والمساكين، فتسود في المجتمع روح الألفة والمحبة والتعاون.
فمن ذبح أضحيته نال الأجر والثّواب من الله ﷻ الذي يناله التقوى ممن يضحّي طاعة لربه، قال ﷻ، {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 37].
ومما ينبغي مراعاته عند إرادة الأضحية أن يختار المضحي أحسنها؛ لأن الأضحية هدي لله ﷻ، فلا تجزئ المريضة ولا العرجاء ولا العجفاء ولا المعيبة بأي عيب ينقص من لحمها لأنها تقدم هدياً لله ﷻ، والله ﷻ لا يقبل إلا طيباً.
وأفضل وقت لذبح الأضحية هو أوّل يوم من أيام العيد من بعد صلاة العيد إلى غروب الشمس، ويمتدّ وقتها إلى ما قبل غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، رابع أيام العيد، لأن يوم العيد ليس من أيام التشريق.
ويجب على المضحي أن يعطي الفقراء والمساكين شيئاً من هذه الأضحية وإن قلّ وله أن يتصرف بالباقي أكلاً أو إهداءً ولو على الأغنياء، لقوله ﷻ: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج: 36].
وفي حديث مسلم أنه ﷺ «ضحّى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمّى وكبّر، ووضع رجله على صفاحهما» ← رواه مسلم، وأخرج الترمذي في سننه أن رسول الله ﷺ قال «ما عمل آدميّ من عمل يوم النحر أحبّ إلى الله من إهراق الدم».
ومما لا ريب أنَّ القلب يطمئن بذكر الله ﷻ، فلنجعل قلوبنا ذاكرة في هذه الأيام المباركة، ولا ننسى دعاء سيدنا يونس عليه السلام (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فهو دعاء مجرب لتفريج الكروب ورفع البلاء.
والحمد لله ربّ العالمين..