خطبة عن فضل قراءة القرآن الكريم – مكتوبة ومنسَّقة بالكامِل

خطبة عن فضل قراءة القرآن الكريم - مكتوبة ومنسَّقة بالكامِل

مقدمة الخطبة

الحمد لله العلي الأعلى (الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا). نحمده حمدا كثيرا، ونشكره شكرا مزيدا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عز جاره، وجل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، سبحانه وبحمده.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ إمام المرسلين، وخاتم النبيين، وسيد ولد آدم أجمعين، والشافع المشفع يوم الدين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

الخطبة الأولى

القرآن الكريم كلام الله ﷻ وحبله المتين، يهدي به الله ﷻ سبل السلام، يقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ الإسراء: 9، وقد طبّق رسول الله ﷺ أحكام القرآن الكريم في حياته عملياً حتى وصفته السيدة عائشة رضي الله ﷻ عنها بأنه كان خلقه القرآن، سُئِلَتْ عائِشةُ عن خُلُقِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقالَتْ: (كان خُلُقُه القُرآنَ) أخرجه أحمد.

وقد حثّنا النبي ﷺ على تعلم القرآن وتعليمه فقال ﷺ: «خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ» أخرجه البخاري، لما في تلاوة القرآن الكريم من فضل عظيم، يرفع درجات الذين يتلونه آناء الليل وأطراف النهار.

أخرج ابن أبي شيبة والدارمي والترمذي ومحمد بن نصر، وابن الانباري في المصاحف عن الحارث الأعور قال: دَخَلْتُ المَسْجِدَ فَإذا النّاسُ قَدْ وقَعُوا في الأحادِيثِ فَأتَيْتُ عَلِيًّا فَأخْبَرْتُهُ فَقالَ: أوَقَدْ فَعَلُوها سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّها سَتَكُونُ فِتْنَةً» قُلْتُ: فَما المَخْرَجُ مِنها يا رَسُولَ اللهِ قالَ: «كِتابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَّأ مَن قَبْلَكم وخَبرَ مَن بَعْدَكم وحَكَمَ ما بَيْنَكم هو الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ مَن تَرَكَهُ مِن جَبّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ومَنِ ابْتَغى الهُدى في غَيْرِهِ أضَلَّهُ اللَّهُ وهو حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ وهو الذِّكْرُ الحَكِيمُ وهو الصِّراطُ المُسْتَقِيمُ هو الَّذِي لا تَزِيغُ بِهِ الأهْواءُ ولا تَشْبَعُ مِنهُ العُلَماءُ ولا تَلْتَبِسُ مِنهُ الألْسُنُ ولا يَخْلُقُ عِنَ الرَّدِّ ولا تَنْقَضِي عَجائِبُهُ هو الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الجِنُّ إذْ سَمِعْتَهُ أنْ قالُوا: ﴿إنّا سَمِعْنا قُرْآنًا عَجَبًا﴾. ﴿يَهْدِي إلى الرُّشْدِ﴾. مَن قالَ بِهِ صَدَقَ ومَن حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ومَن عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ومَن دَعا إلَيْهِ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ».

ولنا في حديث النبي ﷺ أعظم عبرةٍ. إذ يقول ﷺ: «مَثَل الذي يقرأ القرآن كالأترجّة طعمها طيب، وريحها طيب، والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومَثَل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب، وطعمها مُرّ، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، طعمها مُرّ، ولا ريح لها» متفق عليه.

ومن فضائل قراءة القرآن أن في قراءته وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار السكينة والطمأنينة وراحة البال. يقول الله ﷻ: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ الإسراء: 79. وقال النبيّ ﷺ: (ما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ يتلونَ كتابَ اللَّهِ، ويتدارسونَهُ فيما بينَهم إلَّا نزلَت عليهِم السَّكينةُ، وغشِيَتهُمُ الرَّحمةُ، وحفَّتهُمُ الملائكَةُ، وذكرَهُمُ اللَّهُ فيمَن عندَهُ) أخرجه البخاري

ومن فضائل قراءة القرآن أن الله ﷻ يرفع به اقواماً ويضع به آخرين. ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ) أخرجه مسلم.

ومن فضائل قراءة القرآن أن فيه مضاعفة للأجور، فكلّما قرأ المؤمن آيات الله تضاعفت حسناته، وامتلأت صحائف أعماله، فهي التجارة الحقيقيّة مع الله عز وجل . يقول الله ﷻ: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور} فاطر: 29. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ، قال: «من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: {آلم} حرف، ولكن ألفٌ حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حرف». رواه الترمذي.

ومن فضائل قراءة القرآن أنها ترفع صاحبها في الدرجات عند الله ﷻ. جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي ﷺ. قال: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارْقَ، ورتّل كما كنت ترتّل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» رواه أحمد.

ومن فضائل من يقرؤون القرآن أنهم هم أهل الله وخاصته. قال ﷺ: «إنَّ للَّهِ أَهْلينَ منَ النَّاسِ» قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، من هُم؟ قالَ: «هم أَهْلُ القرآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وخاصَّتُهُ» اخرجه بن ماجة

ومن فضائل قارئ القرآن الماهر به أنه مع السفرة الكرام البررة، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ. قال: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له أجران» متفق عليه.

أما الفضائل الأخروية لقراءة القرآن الكريم فإنها تشفع لصاحبها يوم القيامة. فقد روى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ، قال: «اقْرَؤُوا القُرآنَ؛ فإنَّه يأتي شافِعًا لأصحابِه، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البَقَرةَ وآلَ عِمرانَ؛ فإنَّهما يأتيانِ يَومَ القيامةِ كأنَّهما غَمامَتانِ أو غَيايَتانِ أو فِرقانِ من طَيرٍ صَوافَّ تُحاجَّانِ عن صاحِبِهما، اقْرَؤُوا البَقَرةَ؛ فإنَّ أخذَها بَرَكةٌ، وتَرْكَها حَسرَةٌ، ولا تَستطيعُها البَطَلَةُ». رواه مسلم. و(البَطَلَة): هم السحرة.

والحديث عن قراءة القرآن يقودنا إلى مسألة تدبّر آياته، وقد ورد الأمر بذلك. يقول الله ﷻ: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} ص: 29. ويقول الله ﷻ: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} محمد: 24.

فعلينا المحافظة على قراءة القرآن وتدبّر آياته لننال فضائله، فإن قراءة القرآن الكريم تقودنا إلى العمل الصالح، وهذه هي الثمرة الطيبة لكل العبادات.

ومن مِننِ الله ﷻ علينا في هذا البلد الطيب المبارك أن الله ﷻ أكرمنا بِخَتمة شهرية لقراءة الكتاب العزيز في دُور القرآن في مساجدنا، بواقع قراءة جزء في اليوم والليلة.

فعلينا المواظبة على قراءة الحزب الراتب في المساجد صباحاً ومساءً، قياماً منّا بهذا الفرض الكفائي. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي ﷺ: «أي العمل أحب إلى الله؟ فقال: الحال المرتحل، قال: وما الحال المرتحل؟ قال: الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره، كلما حل ارتحل» سنن الترمذي. فحريٌّ بنا أن نحافظ على حضور حلقات القرآن الكريم وتلاوته حق التلاوة، فهي تنير دوربنا في الدنيا وتفرج الهموم عنّا، وترفع عن الأمة الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. اللهم ارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول إليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافِ الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونسألك اللهم أن تحفظ أهلنا في اليمن ولبنان وسائر بلاد المسلمين.

ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة.

أيضًا.. هذه ⇐ خطبة عن القرآن الكريم مكتوبة «قصيرة & مشكولة»

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.

واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.

واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.

وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ.

فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله ﷻ في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله ﷻ يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173،174

والحمد لله ربّ العالمين…

أضف تعليق

error: