وفي ملتقى الخطباء عبر صفحات موقع المزيد نلتقي مُجدّّدًا لنطرح عليكُم خطبة الجمعة مكتوبة عن فضل ذكر الله -تعالى-. معززة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية؛ فضلا عن القصص والآثار من الصحابة والتابعين والسَّلَف.
لخطيب لطالما أراد التميّز على المنبر بإلقاء متميّز وسهل للمُتلَقّي.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جَلَّ عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغُر الميامين، ما اتصلت عين بنظر ووعت أُذنٌ بخبر، وسلم تسليمًا كثيرا.
الخطبة الأولى
أما بعد؛ أيها الإخوة الكرام، نقِف اليوم على عملٍ كان -صلى الله عليه وسلم- وهو وأصحابه يكثرون منه على كل أحوالهم. قال عليه الصلاة والسلام. إنها عِبادة الذكر؛ فكيف كان حال النبي -صلى الله عليه وسلم- مع تلك العبادة؟ وما الذي ورد فيها من الفضائل في الكتاب والسنة؟ وكيف كانت أحوال السلف الصالح -رحمهم الله تعالى- مع هذه العبادة العظيمة؟
رواه الإمام أحمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى. قال: ذكر الله تعالى).
وروى الإمام الترمذي أن رجلا أقبل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأنبئني منها بشيء أتشبث به قال (لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل).
وقال عليه الصلاة والسلام (لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال : يا محمد ! أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر).
فكل من قال ذِكرًا من هذه الأذكار جعل الله -تعالى- له غرسًا في الجنة.
أيها المسلمون؛ إن ربنا -جل في علاه- إذا ذكر صفات المؤمنين المتقين ذكر الله -تعالى- معهم حِرصهم على الإكثار من ذكره. قال الله -جل وعلا- (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب)؛ وهم طائفة خفت من المؤمنين، ثم ذكر الله -تعالى- أول صفات أولو الألباب؛ فقال (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم)؛ فلم يقدم قيام الليل عليها ولا الصدقة ولا الحج ولا العمرة؛ وإنما قدَّم الذكر.
إن الذكر أيها المسلمون هو عادةُ النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل أحواله، وهو يحصل معه مزيد مزيةٌ وحِرص في الأيام الفاضلات المباركات.
وكان السلف -رحمهم الله تعالى- من عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدَه كانوا يحرصون على ذلك. ذكر ابن رجب في كتابه (لطائف المعارف)؛ أن – إن أبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- كان يسبح كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة. فقيل له في ذلك: لِم تُكثِر بهذا الإكثار؟ لِم تُشغِل لسانك بهذا الإشغال؟ فقال أبو هريرة: يقول أسبح بقدر ذنبي – أو قال: إنما أقي بها نفسي من النار. يعني أجعل هذا الذكر حِرزًا وحجابًا وحصنًا بيني وبين النار.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحواله، كما قال بعض الصحابة كنا نعد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة يقول أستغفر الله، أستغفر الله. وقال عليه الصلاة والسلام (إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله، في اليوم مائة مرة).
فدل هذا أيها المسلمون على أن العبد كلما امتلأ قلبه تعظيمَا لله وشوقًا إليه ومحبة له ورغبة فيما عنده أدى ذلك إلى انشغال لسانه بالإكثار من الذكر.
ولقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- ففضائِله وحَثَّ عليه أصحابه، ومدح الله -تعالى- المؤمنين الذاكرين.
ولقد بيَّن ربنا -جل وعلا- أيضًا في كتابه أن المديحة للمؤمنين الذاكرين لا تكون بمجرد الذكر، وإنما المدح لما كانوا يكثرون من الذكر. قال الله -جل وعلا- (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا). فلم يقُل اذكروا الله فقط وإنما طالبهم أن يكون ذكرهم كثيرا.
أما المنافقون؛ فقد بيَّن الله -تعالى- حالهم، وبيَّن أنهم يذكرون، لكن وصف ذكرهم بشيءٍ ذمَّهُم به؛ فقال -جل وعلا- (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا).
فلو امتلأت قلوبهم بحب ربهم واشتغلت أفئدتهم بالشوقِ إليه، لأصبح اللسان مستجيبا لهذا بكثرة الذكر. لكن لما غفل القلب أدى ذلك إلى غفلة اللسان.
فوجَّه الله المؤمنين (اذكروا الله ذكرا كثيرا | وسبحوه بكرة وأصيلا).
وإذا ذكر الله الذكر في كتابه، فرَّق بينه وبين بقيَّة الطاعات بالأمر بالإكثار منه.
قال -تعالى- (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات) كل هذه أيها المسلمون فضائِل وقربات؛ لم يقل الله -تعالى- فيها كلمة -كثيرًا- لا في الصوم، ولا في الصدقة، ولا في غيرها؛ لكن لما ختمها بالذكر قال -جل وعلا- (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما).
فأي فضيلة أعظم مِمّن كان لسانه يشتغل كثيرًا بهذا الذكر؟
والذكر له فضائل في الدنيا قبل الآخرة، ولذلك حَثَّ الله -تعالى- عليه في كتابه وحَثَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه.
أقبل رجلٌ إلى أبي سعيد -الحسن البصري- -رحمه الله- قال له: يا أبا سعيد إني رجل فقير ليس عندي مال؛ قال: أكثر من الاستغفار؛ فمضى. فأقبل إليه آخر -وهو في مجلسه- قال: يا أبا سعيد إن لي زرع، وهذا الزرع لا نبت فيه ولا مطر، القحط قد أحاط به. قال: عليك بالاستغفار؛ فمضى. فأقبل إليه الثالث، قال يا أبا سعيد إني تزوجت ولم أُرزق بولد. قال: أكثر من الاستغفار. فسأله بعض من عنده، قالوا ما شأن الاستغفار مع هذا كله؟ قال: أما سمعتم الله يقول (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ; يرسل السماء عليكم مدرارا; ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) ؟
كل هذا إذا كان العبد دائِم الاستغفار.
ما معنى استغفر الله؟ معناها يا ربي أنا مخطئ، يا رب سامحني، يا رب أنا ارتكبت من الذنوب والمعاصي ما تعلمه أنت أكثر مما ما أعلمه أنا، يا رب سامحني، يا رب تُب عليَّ.
والذي يُكثِر الاستغفار مهما وقع منه من معصية من نظرة محرمة أو كلمةٍ محرمة أو سماع محرم، أو غير ذلك؛ مهما وقع منه من هذه الأمور إذا كان يملأ صحيفته بالاستغفار فإن الحسنات يُذهِبن السيئات.
قال عليه الصلاة والسلام (من أحب أن تسره صحيفته، فليكثر فيها من الاستغفار).
وقال عليه الصلاة والسلام (طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا).
نسأل الله تعالى أن يتقبَّل مِنا صالح الأعمال، وأن يُعيننا على الذِّكر والطاعة ويجعلنا وإياكم من المقبولين؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كُلّ ذنب؛ أستغفره وأتوب إليه أنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلِه وإخوانه وخِلَّانِه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين.
وبَعْد أن بيَّنَّا ما جاء من فضل ذكر الله -تعالى- فيما جاء في الكتاب والسُّنَّة؛ ينبغي علينا ألا نُفرِّط في وقتٍ قد نجني منه آلاف الحسنات بفضل الله -سبحانه- علينا.
الدعاء
- أسأل الله -تعالى- أن ينصر دينه وأن يُعليَ كلمته، وأن يعز شريعته، وأن يجمع الله تعالى كلمة الأُمَّةِ على الخير والهدى.
- اللهم إنا نسألك فعل الخير وترك المنكرات، وحُب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين.
- اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، اللهم من كان منهم حيا فمَتِّعه بالصحة على طاعتك، واختم لنا وله بخير؛ ومن كان منهم ميتا فوسع له في قبره، وضاعِف له حسناته، وتجاوز عن سيئاته، واجمعنا به في جنتك يا رب العالمين.
- اللهم اجمع كلمه الهدى والخير على الأُمَّةِ كلها يا رب العالمين.
- اللهم وإننا نسألك أن تصلح أحوال إخواننا المسلمين في كل مكان، وأن تصلِح ذات بينهم في كل موضعٍ ومكان يا رب العالمين، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
كانت هذه خطبة الجمعة مكتوبة عن فضل ذكر الله -تعالى- للشيخ محمد العريفي؛ فجزاهُ الله عنَّا كل خير.
إليك هنا أيضًا: خطبة ماذا بعد عيد الأضحى؟ مادة قوية للخطباء