ولازال الحديث مستمرًا عن بيوت الله ﷻ. وهنا نزيدكم من الخير الكثير، متمثلا في خطبة عن فضل المساجد ومكانتها. تأتيكم بعنوان: أحب البقاع إلى الله. فاستنهضوا الهمم وأيقظوا القلوب والعقول لتلقي هذه المادة العلمية الفقهية الوعظية، وأنتم على أتم استعداد.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه ومبلغ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دل أمته عليه، ولا شرًا إلا حذرها منه. فصلوات الله وسلامه عليه وعلي وصحبه أجمعين.
الخطبة الأولى
أما بعد؛ أيها المؤمنون عباد الله اتقوا الله فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
وفي تقوى الله ﷻ خَلفٌ من كل شيء، وليس من تقوى الله خلف. وهي عمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله، وتركٌُ لمعصية الله على نور من الله خيفة عذاب الله.
المساجد أحب البقاع إلى الله
أيها المؤمنون؛ المساجد بيوت الله وأحب بقاع الأرض إليه ﷻ، فيها أُنس المؤمنين، وراحة قلوبهم، وطمأنينة نفوسهم، وقرة أعينهم، وفيها رِفعة الدرجات، وعلو المنازل، وغفران الذنوب، وتكفير السيئات والخطيئات، ونيل رضوان رب الأرض والسماوات.
جاء في الحديث في صحيح مسلم عن نبينا ﷺ أنه قال «أحب البلاد إلى الله مساجدها».
وثبت في المسند عن النبي ﷺ أنه قال «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟»، قلنا: بلى يا رسول الله، قال «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط».
المساجد بيوت الله
أيها المؤمنون؛ المساجد بيوت أذن الله ﷻ أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
دعا ﷻ عباده، إلى بنائها وتشييدها، ودعاهم ﷻ إلى عمارتها بطاعة الله؛ صلاة وذكرًا لله، وقراءة للقرآن، وتعلمًا للعلم، ودعوة إلى الهدى والخير.
روى مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده».
أيها المؤمنون عُمّار المساجد هم أهل الخير ورواده، وأهل الفضل والنبلاء في كل مقام لأن المساجد هي إشعاع الخير ومنارة الهدى، والداعية إلى كل فضيلة ورضوان.
قال الله ﷻ ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾؛ أولئك أي؛ أهل هذه الأوصاف، عُمّار بيوت الله.
نعم عباد الله؛ إن الهداية ونيلها لا بد من أن يكون فيه صلة من المرء ببيوت الله ﷻ يقصدها ويؤمها، وإذا سمع النداء إليها “حي على الصلاة” “حي على الفلاح” ابتهج قلبه وسُرت نفسه وتخلص من علائق الدنيا مهما كانت إقبالا على بيوت الله ﷻ وطمعا في نيل الهدى والفلاح الذي بيوت الله ﷻ هي أعظم منازله وأجل أبوابه.
ولهذا يا معاشر المسلمين شُرع لكل مسلم يدخل بيت الله أن يقول عند باب المسجد “بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله اللهم افتح لي أبواب رحمتك”.
في بيوت الله ﷻ تفتح أبواب الرحمة، ويُنال الرضوان، ويحصل الغفران، وتقال العثرات وتكفر السيئات والخطيئات.
المساجد دور صلاح وإصلاح
أيها المؤمنون المساجد دور صلاح وإصلاح، وهِداية وإرشاد، وتعليم ودعوة، ومحبة وإخوة، وألف وتناصح، فلا مجال فيها.
لا مجال في بيوت الله ﷻ إلى مؤامرات آثمة، أو تخطيطات مؤذية ومسفة، ولا مجال فيها عباد الله أن تُتخذ منابرها بابًا لإشاعة الفوضى، وتفكيكِ أواصر المجتمع، وتقطيع علاقة المحبة بين المؤمنين.
فإن هذا عباد الله من أعظم الإثم وأشنعه بل إن هذا العمل فيه شبه بعمل المنافقين الذين اتخذوا مسجدًا ضرارا لمثل هذه الأغراض.
قال الله ﷻ ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ | لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ | أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
وتأمل رعاك الله قول الله ﷻ ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ﴾ لتدرك من خلال ذلك أن عمارة المسجد تقوم على هذين الركنين العظيمين؛ تقوى الله ﷻ وهو يعني إخلاص العمل لله وإفراده وحده بالذل والخضوع والانكسار.
فالمساجد لله وحده فلا يعبد إلا الله، ولا يدعى إلا الله، ولا يسأل إلا الله، ولا يُستغاث إلا بالله، ولا يذبح إلا لله، ولا يُصرب شيء من العبادة إلا لله ﷻ ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ | اَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾.
وقول الله ﷻ ﴿وَرِضْوَانٍ﴾ فيه اتباع النبي ﷺ، إذ لا طريق إلى نيل رضوان الله إلا باتباع ﷺ مع الحذر الشديد من البدع المحدثات والأهواء التي ما أنزل الله ﷻ بها من سلطان.
أيها المؤمنون عباد الله؛ جاء في المسند بسند ثابت عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: أمر رسول الله ﷺ ببناء المساجد في الدور، والدور عباد الله هي “الأحياء السكنية”.
فأقول عباد الله يا أهيل هذا الحي هنيئا لكم، ثم هنيئا هذا البيت من بيوت الله ﷻ والمسجد المبارك وما يتبعه من مرافق نافعة مفيدة.
هنيئا لكم بذلك، وأذكركم قول النبي ﷺ «لا يشكر الله من لا يشكر الناس».
فالدعاء الدعاء لمن قام وبذل في بناء هذا المسجد فإن النبي ﷺ يقول «فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه».
فأسأل الله ﷻ بأسمائهِ الحسنى وصفاته العليا أن يجزي من بنى مسجداً خير الجزاء وأعظمه وأوفاه، وأن يخلفه خيرا في نفسه وأهله وولده وماله، وأن يضاعف له المثوبة بمنه وكرمه إنه ﷻ سميع الدعاء.
وهذا العمل عباد الله؛ امتدادٌ لما تقدمه بلاد الحرمين وقلب الإسلام من أعمال عظيمة وجهود كبيرة خدمة للإسلام والمسلمين، فجزاهم الله ﷻ خير الجزاء وأعظمه وأوفاه.
عظموا بيوت الله
أيها المؤمنون عباد الله؛ عظموا بيوت الله ﷻ واعرفوا لها قدرها ومكانتها، وارعوا لها حقها ومنزلتها حفاظا على حق الله الذي أوجبه الله على عباده في بيوته المساجد، كما قال الله ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ | رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة﴾.
نسأل الله ﷻ أن يمدنا أجمعين بالعون والتوفيق، وأن يجعلنا وذرياتنا من المقيمين الصلاة المعظمين لبيوت الله.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، أنه الغفور الرحيم.
ولا تفوتكم هنا: خطبة: المسجد.. مكانته وآدابه ودوره في المجتمع
الخطبة الثانية
الحمد لله كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله -صلى الله وسلم عليه- وعلى آله وصحبه أجمعين.
فيا عباد الله؛ هنيئًا لمن عرف قدر المساجد وفضلها، وأدى حقوقها والتزم آدابها.
نسأله ﷻ أن يعيننا أجمعين على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أيها المؤمنون صلوا وسلموا على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
وقال ﷺ «من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا».
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين، وأبي الحسنين علي.
وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الدعاء
- اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك، وسنة نبيك محمد ﷺ.
- اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
- اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
- اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.
- اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك يا حي يا يا ذا الجلال والإكرام.
- اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا أخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
- اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، دقه وجله، أوله وآخره، علانية وسرا.
- اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
- اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
- اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا.
- اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
- اللهم أغثنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا.
- اللهم إنا نسألك غيثا مغيثا، هنيئا مريئا، سحا طبقا، نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل.
- اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وديارنا بالمطر يا حي يا قيوم.
- اللهم طمئن قلوبنا يوم القيامة يا ذا الجلال والإكرام.
- ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
خطبة: فضل المساجد ومكانتها
- ألقاها: الشيخ عبد الرزاق البدر؛ فجزاه الله خيرا.
- فحواها: الشيخ “البدر”؛ سلَّط الضوء عن كثب على مكانة المسجد في الإسلام، ومكانتها، وفضلضها وفضل عمارتها. وغيرها الكثير من الجوانب حول هذا الموضوع.
- مُقترح: خطبة: الآيات الكونية في القرآن الكريم