عناصر الخطبة
- شأن الدعاء: بوابة التقرب إلى الله ﷻ وسبيل لرفع البلاء عند الشدائد
- فضل الدعاء: عبادة تنبعث من قلب مؤمن يوقن بقدرة الله
- الدعاء والقضاء: تلاقيان بين السماء والأرض لرفع البلاء والتدبير الإلهي
- علامات استجابة الدعاء: كيف نعرف أن دعائنا مستجاب؟
- الدعاء في الأوقات المستجابة: استغلال الفرص الزمنية للتضرع إلى الله ﷻ
- دعاء النبي ﷺ في بدر: درس في التوسل والثقة بالله في الصعاب
- أثر الدعاء في تحويل البلاء والاستجابة لمساعدة الأمة
مقدمة الخطبة
إنَّ الحمدَ لله، نحمدك ربنا ونستعينك ونستغفرك ونتوب إليك، ونثني عليك الخير كله، نحمده -سبحانه- وهو المبدئ المعيد، الفعَّال لما يريد، له الشكر المزيد والحمد المديد، وعد أولياء بالنصر والتأييد، متى أخذوا بالأسباب وحققوا الوحدة والتوحيد.
وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ذو العرش المجيد، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، أشرف الأنبياء وأكرم العبيد، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم المزيد.
الخطبة الأولى
عباد الله… للدعاء شأن عظيم عند الله ﷻ. وقد أمرنا ربنا ﷻ أن نتقرب إليه عز وجل بالدعاء، لأن الدعاء عبادة: يقول ﷺ: «الدُّعاءُ هو العبادةُ ثمَّ قرأ: ﴿وَقال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ﴾». رواه أبو داود والترمذي. والله ﷻ قريب من عباده في كل حال: يقول الله ﷻ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ سورة البقرة: 186، فمن دعا الله ﷻ في كل حال استجاب الله له على أي حال.
ومما لا ريب فيه أن الدعاء سبب من أسباب رفع البلاء. قال رسول الله ﷺ: «إن القضاء والدعاء يلتقيان بين السماء والأرض، فيعتلجان فيغلب الدعاء القضاء» رواه الحاكم في المستدرك. وفضل الدعاء أنه يرد البلاء ما دام العبد يوقن بما قضى الله ﷻ له في اللوح المحفوظ.
قال الإمام الغزالي رحمه الله ﷻ: “اعلم أن من القضاء ردَّ البلاء بالدعاء” واستجلاب الرحمة من الله الرحمن الرحيم، كالترس الذي يحمله الفارس يدفع به السهم فيتدافعان، فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان”.
فالعبد إذا دعا ربه استجاب الله ﷻ دعوته وأعطاه سؤله إذا توافرت في الداعي الشروط الشرعية منها أكل الحلال، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لسيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه: «يا سعدُ، أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُستَجابَ الدَّعوةِ» رواه الطبراني، والسؤال بما يرضي الله ﷻ، فخير الدعاء ما وافق القرآن الكريم والحديث الشريف من أدعية، وكذلك ما وافقها من كلام العلماء والأولياء.
والحق أن الدعاء سبب في جلب كل نفع للإنسان في الدنيا والآخرة ؛ وذلك لأن في الدعاء حضوراً للقلب وتذللاً إلى الله ﷻ، وهما نهاية العبادة والمعرفة والتضرع والخضوع لله ﷻ، فيكون العبد عبداً والربُّ سبحانه رباً: يقول الله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ فاطر: 15. وفي بعض الأحيان قد يعتري الإنسان ضيق وشدة فيلجأ الى ربه ﷻ طالباً النجاة والخلاص مما اعتراه لأنه يوقن في قرارة نفسه أن له رباً يكشف عنه السوء إذا دعاه ولجأ إليه. يقول الله ﷻ: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ النمل: 62. بل إن الله هو الذي يسمع الدعاء ويتقبله جلّ وعلا. جاء على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ﴾ سورة إبراهيم: 39، 40.
ولاستجابة الدعاء المقبول علامات، قال ابن الجزري رحمه الله ﷻ: علامة استجابة الدعاء: “الخشية، والبكاء… ويكون عقيبه سكون القلب، وبرد الجأش، وظهور النشاط باطناً، والخفة ظاهراً، حتى يظن الداعي أنه كان على كتفيه حملة ثقيلة فوضعها عنه”.
ولا بد أن يكون العبد موقناً باختيار الله له مهما كانت النتيجة، وأن يوقن بذلك. يقول ﷺ: «يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي». أخرجه البخاري. فيقين العبد المخبت أن يحسن الظنَّ بالله عند دعوته وأنه سبحانه يعلم الغيب، وهو سبحانه يختار للعبد ما هو أفضل. يقول ﷺ: «ما من مسلِمٍ يَدعو، ليسَ بإثمٍ و لا بِقطيعةِ رَحِمٍ إلَّا أَعطَاه إِحدَى ثلاثٍ: إمَّا أن يُعَجِّلَ لهُ دَعوَتَهُ، و إمَّا أن يَدَّخِرَها لهُ في الآخرةِ، و إمَّا أن يَدْفَعَ عنهُ من السُّوءِ مِثْلَها قال: إذًا نُكثِرَ، قالَ: اللهُ أَكثَرُ» أخرجه البخاري.
والغالب على الخلق أن لا تنصرف قلوبهم إلى ذكر الله عز وجل إلا عند إلمام حاجة وإرهاق ملمة فإن الإنسان إذا مسه الشر فذو دعاء عريض. فالحاجة تحوج إلى الدعاء. والدعاء يرد القلب إلى الله عز وجل بالتضرع والاستكانة، فيحصل به الذكر الذي هو أشرف العبادات ولذلك صار البلاء موكلاً بالأنبياء عليهم السلام ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل لأنه يرد القلب بالافتقار والتضرع إلى الله عز وجل ويمنع من نسيانه.
ومن دلائل استجابة الدعاء وأثره دعاء النبي ﷺ في بدر على صناديد قريش بأسمائهم فقال ﷺ: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بأَبِي جَهْلٍ، وعَلَيْكَ بعُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وشيبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، والوَلِيدِ بنِ عُتْبَةَ، وأُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وعُقْبَةَ بنِ أبِي مُعَيْطٍ»… قالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسولُ اللَّهِ ﷺ صَرْعَى، في القَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ. رواه البخاري ومسلم.
فعلى المسلم في هذه الأيام أن يكثر من الدعاء في ساعات الاستجابة في سجوده وفي وقت السحر وساعة الجمعة… وغيرها من الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء. لعلى الله عز وجل أن يكشف الغمّة عن هذه الأمة ويرفع البلاء عنها وينصرها على أعدائها.
اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافي الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونؤكد على قيامنا بواجب أداء صلاة الغائب على شهدائنا في غزة و الضفة. ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة. سائلين المولى عز وجل أن يتقبلهم في الشهداء ويتغمدهم بالرحمة والمغفرة.
⇐ وهذه: خطبة عن الدعاء مؤثرة مكتوبة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.
واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: «أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه»، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: «سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر».
وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم» رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله ﷻ في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله ﷻ يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173، 174
والحمد لله ربّ العالمين…
⇐ ويمكنك الاطلاع هنا على خطبة عن فضل الدعاء والاستغفار