عناصر الخطبة:
- فضل قراءة القرآن وأثره العظيم في حياة المسلم
- سورة البقرة وآل عمران: الزهروان المنيران
- فضائل سورة الملك للنجاة من عذاب القبر
- سورتي يس والواقعة: مغفرة ووقاية من الفاقة
- فضل سورة الكهف: نور بين الجمعتين وحماية من الدجال
- قراءة سورة الدخان: مغفرة واستغفار الملائكة
- فضل سورة (ق) في صلاة الفجر
- قراءة سورة الجمعة والمنافقون في صلاة الجمعة
- فضل سورة الرحمن: تفاعل الجن وإقرارهم بآلاء الله
- فضل وتأثير سورة الفتح
- سورة الأعلى في الركوع والسجود
- المسبحات «سور تبدأ بالتسبيح» وأهميتها
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي أكرَمَنا بِدِينِهِ القوِيم وخصّنا بكتابِهِ المُبين، سبحانه سبحانه من إلهٍ كريمٍ عظيم، يرفعُ بهذا القُرآن أقوامًا ويضعُ به أخرين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، شهادة صِدْقٍ نرجوا بها النّجاة يوم الدّين، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدا عبده ورسولُه المبعوثُ رحمةٌ للعاملين، صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطّاهرين، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد: فاتّقوا الله -عباد الله- حقّ التّقوى، وراقبوه في السّرّ والنّجوى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون: أفضل الأذكار قراءة القرآن، وكلَّ سور القرآن لها أسرار وفضائل، بل في سور القرآن وآياته شفاءٌ لما في الصدور، وإن من السُنة أن يقرأ المسلم بعض السور يومياً أو أسبوعيا، فضلاً عن قراءة القرآن الكريم بشكلٍ متسلسلٍ من سورة الفاتحة إلى سورة الناس، فعلى المسلم أن يأخذ بتلاوة هذه السور ويستفيد من أثرها وفوائدها في حياته.
ومعظم هذه السور جاءت بفضائلها أحاديث نبوية شريفة لترغيبنا بقراءتها، وأول هذه السور سورة البقرة وسورة آل عمران الزهروان المنيران. يقول ﷺ: (اقْرَؤُوا القُرآنَ؛ فإنَّه يأتي شافِعًا لأصحابِه، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البَقَرةَ وآلَ عِمرانَ؛ فإنَّهما يأتيانِ يَومَ القيامةِ كأنَّهما غَمامَتانِ أو غَيايَتانِ أو فِرقانِ من طَيرٍ صَوافَّ تُحاجَّانِ عن صاحِبِهما، اقْرَؤُوا البَقَرةَ؛ فإنَّ أخذَها بَرَكةٌ، وتَرْكَها حَسرَةٌ، ولا تَستطيعُها البَطَلَةُ) أي تحصن قارئها من الشيطان والسحرة يقول ﷺ لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ) رواه مسلم.
وفي فضل سورة الملك ورد جمعٌ من الأحاديث، منها أنها تشفع لصاحبها وتنجيه من عذاب القبر، وقيل إنها تمنع من المعاصي التي توجب عذاب القبر: ففي الحديث أنه ﷺ قال: (سورةُ تبارك هي المانعةُ من عذابِ القبرِ). رواه الحاكم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (سورةٌ تشفعُ لقائلِها، وهي ثلاثونَ آيةً ألا وهي تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ). رواه أبو داود والترمذي. وتقرأ كل ليلة.
ثم نقرأ سورتي “يس والواقعة” كل يوم. عن مَعْقِل بِن يسار رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال:(… ياسين قَلْبُ القرآن، لا يقرؤها رَجُلٌ يريدُ اللهَ والدارَ الآخرةَ إلا غُفِرَ له، واقرؤُوها على موتاكم) رواه أحمد. روى أبو عبيد في فضائل القرآن والبغوي في التفسير عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (منْ قرأ كل ليلة سورة الواقعة، لم تصبه فاقة أبداً)
أما سورة الكهف التي نقرؤها في كل جمعة فقد ورد في فضلها. عن البراء بن عازب رضي الله عنه: (كان رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الكَهْفِ، وإلَى جانِبِهِ حِصانٌ مَرْبُوطٌ بشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وتَدْنُو وجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أصْبَحَ أتَى النبيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذلكَ له فقالَ: تِلكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بالقُرْآنِ) أخرجه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال: (من قرأ سورةَ (الكهفِ) في يومِ الجمعةِ أضاء له من النورِ ما بين الجمُعَتَين) أخرجه البيهقي. وقال ﷺ: (مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ).أخرجه مسلم.
واعلموا عباد الله أن النجاة بقراءة سورة الدخان، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: (منْ قرأ حم الدخان، أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك) رواه الترمذي، وفي رواية للترمذي أيضا: (منْ قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة، غُفر له)
ومن فضائل سورة (ق) ما رواه النسائي عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنها قالت: (ما أخذتُ {ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ} إلَّا من وراءِ رسولِ اللهِ ﷺ كان يصلِّي بها في الصُّبحِ)
ومن فضائل سورتي “الجمعة والمنافقون” ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي ﷺ: (كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين). وقراءة سورة السجدة والاسراء والزمر كل ليلة. عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه: (أنَّ رسولَ الله ﷺ كان لا ينام حتى يقرأ: الم تَنْزِيلُ [السجدة]، وتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) رواه الترمذي واحمد. وعن السيدة عائشة رضي الله عنه: (انَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لا ينامُ علَى فِراشِه حتَّى يقرأ بَني إسرائيلَ، والزُّمَرِ). اخرجه الترمذي. “بَني إسرائيلَ”، أي: سُورةَ الإسراءِ.
واعلموا أيها المؤمنون أنه جاء في فضل سورة الرحمن أنَّ رسول اللَّه ﷺ: (قرأَ سورةَ الرَّحمنِ على أصحابِهِ فسَكتوا، فقال: ما لي أسمعُ الجنَّ أحسنَ جوابًا لربِّها منكُم ما أتيتُ على قولِه اللَّهِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ إلا قالوا: لا شيءَ من آلائِكَ ربَّنا نُكذِّبُ فلَكَ الحمدُ) رواه البزار.
واعلموا عباد الله أن الرسول ﷺ كان يحب سورة الفتح، عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه. قال: (رَأَيْتُ النبيَّ ﷺ يَقْرَأُ وهو علَى نَاقَتِهِ أوْ جَمَلِهِ، وهي تَسِيرُ به، وهو يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ – أوْ مِن سُورَةِ الفَتْحِ – قِرَاءَةً لَيِّنَةً يَقْرَأُ وهو يُرَجِّعُ) أخرجه البخاري. وكذلك سورة الاعلى روي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنّه قال: (لما نزلت (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) ، قال رسول اللهِ ﷺ: اجعلوها في ركوعِكم، فلما نزلت (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال: اجعلوها في سجودِكم). رواه ابو داود. وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ لا يَنامُ حتَّى يقرأَ المسبِّحاتِ، ويقولُ: فيها آيةٌ خيرٌ من ألفِ آيةٍ) رواه الترمذي.والمسبحات هي التي السور التي تبدأ بالتسبيح وهي الإسراء والحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن والأعلى.
وهذا الفضل العظيم الذي ذكرنا في السور المتوسطة (المئين والمثاني) ، فعليكم بحفظ هذه السور حسب الاستطاعة فقليلٌ دائمٌ خير من كثير منقطع وما التوفيق الا من عند الله تعالى، وليحرص كل واحد منا على قراءة هذه السور لما فيها من نور وهداية ينعكس على سلوك الإنسان ووجدانه فتصبح معاني وحِكم وأحكام هذه السور حاضرة مع المؤمن في حركاته وسكناته وعباداته ومعاملاته مهدياً بها محصناً من مكائد الشيطان ووساوسه، وليستحضر القارئ أن هذه التلاوة كنوز يدخرها المسلم عند الله سبحانه وتعالى كما يدّخر الإنسان ماله في الدنيا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
عباد الله، لقد أكرم الله هذه الأمة بالقرآن العظيم الذي فيه نبأ ما قبلها وخبر ما بعدها وحُكْمُ ما بينها وهو الفصل ليس بالهزل من تركَهُ من جبارٍ قصمَهُ الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين والذكر الحكيم، لا تنتهي عجائبه من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم.
فلتحرصوا -يا عباد الله- أحرصوا على الاستفادة من أوقاتكم وألزموا أنفسكم الجد والمثابرة بذكر الله ﷻ، وعليك أخي المسلم أن تحث نفسَكَ وأهلَكَ على قراءة القرآن وتشجعهم على حفظه وتعينهم على ذلك ولك نفس أجرهم لا ينقص من أجرك شيء.
هذا، وصلوا وسلموا على نبينا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، والحمد لله ربّ العالمين.