عناصر الخطبة
- خصَّ الله ﷻ الليالي العشر بالفضل العميم لما لهذه الليالي من مكانة عند الله ﷻ من حيث الزمان والمكان. أما الزمان فإنها تأتي في مواقيت الحج الزمانية، ومن حيث المكان فكل لياليها وأيامها هي وقت المناسك المشرفة في الأرض المباركة.
- ذكر الله ﷻ باللسان يثبت الجَنان؛ ليصبح القلب مطمئناً، فإذا اطمأن القلب أضحى الذاكر ربانياً، فعلى جميع المسلمين الإكثار من الذكر؛ لأن حجاج الآفاق لم يحجوا هذه السنة ولا التي قبلها، فلنكن جميعاً من الذاكرين الله كثيراً.
- من بركات هذه الأيام أن منها يوم عرفة، ومنها كذلك ذبح الأضاحي يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة،ويستحب لمن أراد ان يضحي ان لا يزيل شيئاً من شعره واظفاره في العشر من ذي الحجة حتى يذبح اضحيته.
- على جميع المسلمين أن يتدبروا دعاء يونس عليه السلام بقلوب مؤمنة حق الإيمان في هذه الليالي لما فيه من تحلية بالتوحيد الخالص، وتخلية عن الذنوب لعل الله ﷻ يكشف الغُمة عن هذه الأمة، فلتكن ألسنتنا رطبة بـ (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين).
الخطبة الأولى
يستقبل المسلمون في هذه الأيام المباركات نسمات إيمانية، فبعد أن ودع المسلمون أياماً معدودات في شهر رمضان المبارك، ها هم يستقبلون أيام العشر من ذي الحجة التي سمّاها الله ﷻ بالأيام المعلومات، قال ﷻ: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: 28].
وقد خصَّ الله ﷻ الليالي العشر بالفضل العميم لما لهذه الليالي من مكانة عند الله ﷻ من حيث الزمان والمكان. أما الزمان فإنها تأتي في مواقيت الحج الزمانية التي تبدأ بيوم الفطر وتنتهي بدخول فجر يوم النحر يوم الحج الأكبر بعد الوقوف بعرفة.
ومن حيث المكان فكل لياليها وأيامها هي وقت المناسك المشرفة في الأرض المباركة: مكة المكرمة وعرفة والمزدلفة ومنى، وأنعم بها من أماكن مقدسة.
فالأيام العشر من شهر ذي الحجة من أعظم هذه المواسم لفعل الطاعات والتزود من الأجور والحسنات، وبلوغ كمال الرتب والدرجات، فهي الأيام التي أقسم الله بها في كتابه العزيز، والعظيم سبحانه لا يقسم إلا بعظيم، فقال الله ﷻ: ﴿وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر: 1-2].
ومن أعظم فضائل هذه الأيام العشر أنها جمعت أمّهات العبادات المرغوبة، ففيها عبادة الصلاة التي هي ركن الدين وعموده، ويشرع في هذه الأيام عبادة الصوم، فروي عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن: «كان النبي ﷺ يصوم العشر، وثلاثة أيام من كل شهر الاثنين والخميس» ← رواه النسائي.
ومن بركات هذه الأيام أن منها يوم عرفة، الذي يكفر الله ﷻ بصيامه سنة سابقة وسنة باقية، ومنها كذلك ذبح الأضاحي يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة ليوقن العبد أنه عبد لله ﷻ في كل أحواله، وليقهر الشيطان المتكبر وكل من والاه من الإنس والجن، وهي الأيام التي تؤدى فيها فريضة الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام، وفيه أنزل الله ﷻ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ المائدة: 3.
فيستحب في هذه الأيام المباركة أن يجتهد المسلم في العبادة، وبذل الأعمال الصالحة، وقد جاء في الحديث عن النبي ﷺ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ”، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» ← رواه أبو داود.
ومن أعظم العبادات التي حثّنا الله ﷻ عليها في هذه الأيام المباركة عبادة الذكر، ذكر الله ﷻ باللسان يثبت الجَنان؛ ليصبح القلب مطمئناً، فإذا اطمأن القلب أضحى الذاكر ربانياً، فعلى جميع المسلمين الإكثار من الذكر لأن حجاج الآفاق لم يحجوا هذه السنة ولا التي قبلها، فلنكن جميعاً من الذاكرين الله كثيراً. ولتتعلق القلوب بالمناسك لننال الحسنات بصدق النيات ولا يتحقق ذلك إلا اذا كان القلب حاضراً مع الله على كل حال، والجوارح ملتزمة بأوامره سبحانه، وأن يظهر أثر هذا الحضور على اللسان ذكراً وترديداً، فإن ذلك يورث تعظيماً لحقّ الله في القلوب والنفوس، وتعلقٌ به سبحانه، وزيادة في القرب والمحبة، فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره.
وقد جاء في حديث رسول الله ﷺ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، قَالَ مَكِّيٌّ: وَأَزْكَاهَا، عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ، قَالُوا: وَذَلِكَ مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ← سنن الترمذي.
ومن مظاهر شكر الله ﷻ في هذه الأيام أن شرع لنا فيها الأضحية لتكون رزقاً للفقراء من غير حول لهم ولا قوة، فتقدم الأضحية بذكر اسم الله ﷻ عند ذبحها لتكون عبادة خالصة له سبحانه، ومشاركة نعم الله ﷻ مع الفقراء والمساكين لتعم روح الأخوة والمحبة والتعاطف بين أبناء المجتمع، وهذا هو المقصود من الأضحية، يقول ﷻ: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) الحج: 37.
كما ربط الله ﷻ كل عمل من أعمال الحج في هذه الأيام بالذكر والتكبير، فقال ﷻ: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) البقرة: 198.
وأكد ﷻ على المداومة على هذه الحال بعد أن ينتهي المسلم من أعمال الحج ويعود إلى أهله خالياً من ذنوبه كيوم ولدته أمه، لتكون هذه الرحلة مبتدأ لحياة جديدة طيبة بذكر الله ﷻ، قال ﷻ: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) البقرة: 200-202.
ومن جملة الذكر المستحب في هذه الأيام الإكثار من التهليل والتكبير والتحميد، لما يظهر في هذه الأيام من بركة الطاعة والدعاء ونعم الله ﷻ على الناس بشهود مناسك الحج وشعيرة عيد الأضحى ومظاهر الفرح بنعمة الله سبحانه.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، أن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ، الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ » ← رواه الإمام أحمد.
⬛️ وهنا خطبة: مفهوم العمل الصالح وفضائل العشر – مكتوبة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
كما يستحب للإنسان المقتدر أنْ يعقد النية والعزم على تقديم الأضحية قربة لله ﷻ، وقد اتفق جمهور العلماء على أنها سنة مؤكدة يفوت خيرٌ كبيرٌ بتركها إذا كان المسلم قادراً على القيام بها، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يستحب لمن أراد أن يضحي أن لا يزيل شيئاً من شعره ومن أظفاره في عشر ذي الحجة حتى يضحي، وذلك لما روته أم سلمة رضي الله عنها عن النبي ﷺ أنه قال: «مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ» ← رواه مسلم.
وعلى جميع المسلمين أن يتدبروا دعاء يونس عليه السلام بقلوب مؤمنة حق الإيمان في هذه الليالي لما فيه من تحلية بالتوحيد الخالص، وتخلية عن الذنوب لعل الله ﷻ يكشف الغُمة عن هذه الأمة، فلتكن ألسنتنا رطبة بـ (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين).
والحمد لله رب العالمين..