مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين، متم نوره ومظهر الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده الخير وهو خير الحافظين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، الصادق الأمين، والأسوة الحسنة للمؤمنين، ﷺ وعلى آله وصحبه وأتباعه حملة الرسالة المهتدين.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-، تغشكم الرحمات، وتتنزل عليكم البركات، وتكونوا عند الله في رفيع الدرجات، ومن نداء الله للمؤمنين والمؤمنات: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون: لقد كان نبينا محمد يدلنا على الطريق إلى قلوب الناس، فيقول لنا: «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق»، ومن ذا الذي لا يستطيع بسط وجهه في وجوه الناس ومعاملتهم بالتي هي أحسن! وليس هذا فحسب، بل إن المؤمن يجد ثواب ذلك عند الله، فيجد بسط وجهه ذلك في كتابه مسجلا عند الله من الصدقات، وفي بشارة النبي لأهل الإيمان: «تبسمك في وجه أخيك لك صدقة»، وقد كان النبي يزرع هذه الخصال الحسنة في قلوب الناس بأفعاله قبل أقواله، وليس هناك شيء ينغرس في القلب انغراسا أصله ثابت وفرعه في السماء كالفعل الزاكي، فهذا عبد الله بن الحارث -رضي الله عنه- يقول: «ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله»، ولنستمع إلى كلام صحابي آخر يذكر عظيم خلق النبي وإعجابه البالغ بذلك الخلق العظيم وهو جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- الذي يقول: «ما حجبني رسول الله منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي»، وكم كان ذلك التبسم في وجوه الناس سببا في تثبيتهم على إسلامهم، وكم كان سببا في دخول الناس في دين الله.
بل إن من الصحابة -عباد الله- من أسلم بمعرفته بخلق النبي قبل البعثة، فكانت تلك الأخلاق الكريمة سببا في دخوله الإسلام، ومنها معرفتهم بصدق النبي وأمانته، ومنهم من بهرته أخلاقه عندما رآه وهو يتعامل مع الناس، أو عند تعامله معه وهو يلقاه أول مرة، فكانت تلك الأخلاق معجزة من المعجزات، وآية من الآيات على أنه رسول الله، وأن دينه هو الحق الذي لا ريب فيه، فدخل الناس في دين الله أفواجا، وحسبنا أن الحق ﷻ قال فيه بعد أن أقسم بثلاثة من مخلوقاته: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، وذلك ثناء لم يكن إلا لرسول الله من العالمين، ولا يلزم من التخلق بالخلق الحسن ثناء الناس، بل إن المؤمن ليكون ذا خلق حسن وهناك من يذكره بسوء، ومن عادة المؤمن ألا يلتفت إلى ذلك؛ لأن المقصد رضا الله لا رضا الناس، وقد قال الله لنبيه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ في وقت كان هناك من يقول إن محمدا مجنون؛ فجاءت هذا الآية وساما خالدا في الدنيا والآخرة لصفوة النبيين.
أيها المؤمنون: لقد كان الخلق الكريم على عهد رسول الله خير وسيلة لإعجاب الناس بالإسلام، وبقي على ذلك ويبقى إلى يوم القيامة، وما زالت المواقف والقصص تتواتر من كل أصقاع الأرض مخبرة عن إعجاب كثير من الناس بالإسلام بسبب خلق كريم، أو تعامل راق أو قول حسن، فتجد الناس يسألون: ما هذا؟ فيقال لهم الإسلام، وعند ذلك يأخذون في السؤال عن الإسلام والقراءة عنه والاطلاع، فما يلبثون في كثير من الأحيان إلا قليلا فيدخلون في دين الله؛ ولذلك كان لزاما على المؤمنين والمؤمنات أن تكون أخلاقهم عاكسة لصورة الإسلام، وخصوصا عند اختلاطهم بغير المسلمين، وحسب الإنسان بشارة أن يكون واحدا ممن قال عنهم النبي: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير من الدنيا وما فيها».
وقد تكون هناك أحداث فيها ما فيها من التضحيات، فيكون من وراء تلك الأحداث خير بإذن الله؛ ليتحقق قول الله ﷻ: ﴿فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾، وما أحداث أرض الإسراء منا ببعيد؛ فإن أخلاق أهل تلك الأرض وتعاملاتهم الحسنة وتصويرهم تعاليم الإسلام وأخلاقه في الحرب كانت سببا في سؤال كثير من الناس عن سر ذلك التعامل وتلك الأخلاق، فإذا هو الإسلام، فكان ذلك سببا في التعرف على الإسلام وقيمه وتعاليمه السمحة، ودخول أناس في دين الله بفضل الله ﴿وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وعلى آله وصحبه وأتباعه الغر الميامين.
فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن خير ما نربي عليه أنفسنا الأخلاق الفاضلة؛ فإن الأخلاق الفاضلة سبيل إلى الفوز بمجاورة النبي في الجنة مصداقا للبشارة النبوية الكريمة: «إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا»، فيا من يريد أن يكون جارا لرسول الله: تخلق بخلقه، واسلك دربه، واعمل بهديه.
وإن من علامات تنزل رحمة الله على الإنسان حسن خلقه؛ فقد قال الله خطابا لنبيه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾، وأخلاق الإنسان أكثر ما تظهر في الشدائد، وقد عاب الله على أولئك الذين يكونون مطمئنين في الرخاء، فإذا جاءت الشدة انقلبوا على وجوههم، فقال الله ﷻ فيهم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾.
وكم نحن -عباد الله- في حاجة إلى تربية أولادنا على هذه الأخلاق وغرسها فيهم من الصغر ليكونوا خير صورة للإسلام السمح في مجتمعاتهم وخارجها، وإن هذه الأحداث التي تمر بالأمة لتنقلها إلى اليسر القريب لهي خير ظرف لعرض صورة الإسلام المشرقة وروحه السمحة في مشارق الأرض ومغاربها، وخصوصا مع تعاطف كثير من الناس في العالم مع قضية المسلمين الكبرى وسؤالهم عن الإسلام ﴿وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا﴾.
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.
⇐ المزيد من الخطب حول نفس الموضوع:
- ↵ خطبة عن أخلاق الرسول – مكتوبة
- ↵ خطبة مكتوبة عن أزمة الأخلاق – مكتوبة
- ↵ خطبة عن أخلاق الحبيب المصطفى ﷺ وتعاملاته
- ↵ خطبة عن مكارم الأخلاق وأثرها في بناء الحضارات
موفَّقون إن شاء الله ﷻ