عناصر الخطبة
- إنَّ جند الله هم الغالبون؛ لأن وَعْدَ الله ﷻ لعباده المؤمنين باستخلافهم في الأرض لم يتخلف.
- وحدة الأمة وجمع كلمتها وتوحيد صفها ونبذ خلافاتها من أهم عناصر النصر والتمكين في الأرض.
- الواجب على الأمة أن تعدّ العدة لمواجهة التحديات وإزالة العوائق التي تقف في طريق النصر والتمكين.
- الأمل الواعد، والتفاؤل الحسن هما شعار المؤمنين.
- الدعاء هو العبادة.
الخطبة الأولى
الأمة الإسلامية أمة القرآن العظيم، نالت درجة الخيرية عند ربها ﷻ، لأنها أمة خير الخلق أجمعين، إنها أمة خاتم النبيين، سيدنا محمد ﷺ، يقول الله ﷻ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) آل عمران: 110، وقد جعلنا الله ﷻ من هذه الأمة لنكون شهداء على الأمم في الأولى والآخرة، قال ﷻ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة: 143.
وهذا التكليف الرباني لهذه الأمة يُلزمها بأن تكون أمة قادرة على حمل هذه الأمانة وأداء حقها، والدفاع عن مكانتها وتميزها بين الأمم، وقد وعدها الله ﷻ بالنصر والتمكين والثبات في شتى الميادين، ما دامت متصلة بخالقها، قال ﷻ: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور: 55.
ومن أهم المبادئ والقيم التي تحقق النصر للأمة وتحافظ على هيبتها ومكانتها راسخة كما أرادها لها الله ﷻ، هو أن تحافظ على هويتها المستقلة من خلال وحدة أبنائها وتكاتفهم وأن تعزز القيم المشتركة بينهم ونبذ الخلافات والنزاعات، لتحقق مقصد عظيم من مقاصد الشريعة بأن تكون كما أرادها المصطفى ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» ← صحيح مسلم.
وسبيل تحقيق هذه الوحدة يكون من خلال عاملين مهمين، الأول تقوى الله ﷻ، وأن يظهر أثرها في سلوك المسلم في تعامله مع المسلمين، لقوله سبحانه (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) المؤمنون: 52، والعامل الثاني هو عبادة الله ﷻ حق العبادة وأن تتجسد صورة هذه العبادة على نفس المسلم وجوارحه، لقوله سبحانه: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) الأنبياء: 92، فإن اكتست هذه الأمة بثوب العبودية وجمعت معها صفاء القلب وتقواه حققت وحدتها، وإن تخلت هذه الأمة عن شعار عبوديتها أو دثار التقوى واتصالها بخالقها، فإن الكراهية ستنتشر والنزاعات ستعم، وستفقد هويتها ومكانتها بأن تكون خير أمة أخرجت للناس.
ومن عوامل نهضة الأمة كذلك، ضرورة الإعداد لمواجهة العدو في كافة الميادين وقد قال الله ﷻ: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال: 60، والإعداد في الآية الكريمة، يشمل الإعداد العسكري بقدر الاستطاعة، ولكنه لا يقتصر عليه بل هو شامل لجميع مناحي الحياة، وعلى كل فرد منا أن يبادر بالإعداد الصحيح وتملك عناصر القوة كالإعداد الفكري والثقافي وتعلم العلم الشرعي الذي يؤهل المسلم للتمييز بين الحق والباطل، وأن نعد أبناءنا الإعداد الصحيح بحسن تربيتهم وتهذيب أخلاقهم وغرس معاني الإيمان في قلوبهم، ليكونوا قادة المستقبل القادرين على تحمل أعبائه بقوة وأمانة كما قال ﷻ: (إن خير من استأجرت القوي الأمين) القصص: 26.
وقد كان النبي ﷺ حريصاً على إعداد الصحابة رضي الله عنهم الإعداد الإيماني قبل الإعداد العسكري، وكم من المعارك التي خاضها النبي ﷺ بعدد وعتاد قليل محدود كغزوة بدر ومؤتة، ولكن برجال قلوبهم عامرة بالإيمان، تربوا تربية إيمانية كالجبال الرواسي قادرة على الصمود أمام الرياح العواتي، وأمواج الجيوش المتلاطمة التي كانت تطمع بكسر سارية الدين.
ومن أهم عوامل النصر والتمكين للأمة كذلك الصبر على هوى النفس، وتجسيد صورة العبادات، بأخلاق سامية تعم المجتمع فترتقي به، وعكس معاني الإيمان على السلوك ليصبح سلوكاً ربانياً، منقاداً لما يحبه الله ويرضاه، وبذلك يكون قد وضع قدمه على درب المجاهدين، بل إن مجاهدة النفس من أعظم أبواب الجهاد في سبيل الله، ومن خلالها يضحي الإنسان ويبذل وقته في سبيل رفعة الأمة ورقيها، وقد قال الله ﷻ: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال: 46، وقال رسول الله ﷺ «وإنما النصر مع الصبر» ← رواه الإمام أحمد.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.
عباد الله: إن كل إنجاز ونصر يحققه المسلمون، برباطهم في سبيل الله، ودفاعهم عن قيم العدل والإيمان، هو أمل جديد لهذه الأمة، وشعاع يبدد ظلمة اليأس، وعلينا جميعاً أن نستثمر وحدة الأمة الإسلامية في وقت الشدة، والتفافها حول نصرة إخوتنا المظلومين في فلسطين، فهي دليل على أن هذه الأمة أمة حية، وأنها مهما ضعفت أو أصابها المرض والوهن فإنها أمة حية لن تموت أبداً إن شاء الله ﷻ، والمسلم شعاره دائماً الأمل والتفاؤل، والثقة بوعد الله ﷻ ونصره للمؤمنين.
ولنا في سيرة سيدنا محمد ﷺ خير مثل وأسوة في تفاؤله بالمستقبل مهما بدا الحاضر مظلماً، فحين جاء خباب بن الأرت رضي الله عنه إلى النبي ﷺ يشكو له ما حلّ بالمسلمين من عذاب على يد المشركين، قال له: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» ← رواه البخاري، فاليأس والقنوط لا مكان له في امتنا، بل التفاؤل والاستبشار هو شعارها ومستقبلها، فنحن ثابتون على وعد الله، وهو سبحانه لا يخلف الميعاد، قال ﷻ: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ، وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ الصافات: 171-173.
ولا ريب أن الدعاء هو العبادة، ومن الأدعية التي ذكرها القرآن الكريم، وحضّ عليها الرسول الكريم ﷺ دعاء سيدنا يونس عليه السلام، ﴿أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ الأنبياء: 78.
فلنكثر من هذا الدعاء بألسنة قلوبنا فإنها أصدق من ألسنة أفواهنا، فلنجعل لقلوبنا حظاً من الوضوء كما تتوضأ جوارحنا.
والحمد لله رب العالمين..