كثُرَ وسيكثُر الحديث حول هذا الموضوع خلال هذه الفترة، علَّكم تعرفون السبب. حسنًا، سنكون على موعد الآن مع خطبة عن مكانة الأم في الإسلام، وكيف كان تعظيمها في كتاب ربنا ﷻ وسُنَّة نبينا محمد ﷺ.
عناصر الخطبة
- مكانة المرأة في الإسلام وكيفية الاحسان إليها بكل الطرق.
- تعظيم أمر الأم في القرآن الكريم والسنة النبوية.
- الدعاء للولدين وخاصة بعد موتهما.
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وأصحابه أجمعين وبعد.
أمر الله ﷻ بإكرام الوالدين والإحسان إليهما وبرّهما، وقد ربط الله ﷻ شكره بشكر الوالدين فقال ﷻ: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، فالوالدين هما سبب الوجود في هذه الحياة الدنيا، وهما من يرعيان طفلهما حتى يكبر ويشتد عوده وقبل إلى الحياة ويواجه تحدياتها، كما يشدد القرآن الكريم على التوصية بالوالدين والإحسان لهما بعد أن يكبرا وتضعف قوتهما، ويصبحان هما من يحتاج إلى العون والمساعدة، فيرد لهما الأولاد جزءاً يسيراً من المعروف.
قال ﷻ (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء: 23–24،
وهو مع ذلك كله لا يرد ولو جزءاً يسيراً من حق والديه.
وَلَمَّا كَانِ لِلأَبَوَيْنِ هَذَا الْفَضْلُ الْعَظِيْمُ فَإِنَ رَسُولً اللهِ ﷺ عَدَّ بِرَّهُما في مَرتَبَةٍ عَالِيةٍ، وَجَعَلَهُ قُربةً إلى الله ﷻ بَعْدَ الصَّلاةِ وَقَبْلَ الْجِهادِ، يَقُولُ عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه–: «سألْتُ رَسُول َ الله ﷺ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُ إِلى اللهِ ﷻ؟ قال: الصَّلاةُ عَلى وَقْتِها، قُلتْ ثُمَ أَيَّ؟ قال: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قُلْتُ: ثُمَ أَيَّ؟ قال: الْجِهادُ فِي سَبيلٍ اللهِ».
وبِرُّ الْوَالِدَيْنِ إنما هُو خُلُقُ الْأَنْبِياءِ عَلَيْهُمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَهَذا نوحٌ عَليِهِ السَّلامِ، يَرْفَعُ يَدَيهِ إلى السَّماءِ دَاعِيًا فَيَقُولُ: ﴿ربِّ اغْفِر لِي وَلِوالديَّ﴾، وَهَذَا عِيسى –عَلَيْهِ السَّلامِ– يَقُولُ: ﴿وبَرَّاً بِوالدتي وَلَمْ يَجْعلْنيِ جَبَّارًا شَقِيًا﴾، وَإسْماعيلُ –عَلَيْهِ السَّلامُ– يَقُولُ لِأَبِيْهِ: ﴿يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤمَرُ﴾.
سُبحانَ الذي جَعَلَ الأب والأم منارةَ الحياةِ الدنيا، فقد خلقهما الله ليكونا سنداً وعوناً للأبناء منذ الصغر، فكم شقوا وتعبوا حتى يؤمّنوا الحياة الكريمة لأبنائهم، وكم من أيّامٍ مرّت دون أن يحصلوا على الراحة والسكينة، حتّى يعيش الأولاد حياةً كريمة، وأمر الله ﷻ ببرّ الوالدين لما لهما من فضل كبير على الأبناء، فليحرص الابن على أن يكون مصدراً لسعادتهما، وأن لا يكون سبباً لشقائهما وحزنهما.
وقد قدم الله ﷻ حق الأم وكرمها ورفع من مكانتها إلى مكانة سامية تليق بهذه الأم المعطاء، فالأم هي راعية البيت، وهي نبع الحنان، والعطف، والرِّعاية، والاهتمام، وهي المُربيّة، والمُعلمة، والمُرشدة، والمُوجهة لمكارم الأخلاق ومعالي الصِّفات من أقوالٍ وأفعالٍ؛ كما قال الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
فمن مظاهر تكريم الأم أن فرض الله ﷻ على عبادة إكرام الوالدين وبرهما والإحسان لهما في العديد من الآيات، منها قوله ﷻ: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾، وقد جعل الإسلام حق الأم أعظم من حق الأب لما تحملته من مشاق الحمل والولادة والإرضاع والتربية، وهذا ما يُقرره القرآن الكريم ويُكرره في أكثر من سورةٍ ليثبِّته في أذهان الأبناء ونفوسهم.
وكَمْ هوَ عظيمٌ بِرُّ الأمّهاتِ، وبر الآباء. يقولُ ﷻ في كتابِهِ العظيمِ: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾.
عباد لله: جاءت مكانة الأم وعظيم فضلها بنص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فقد أوصى النبي ﷺ عندما أوصى باحترامها والإحسان إليها، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه– قال: “جاء رجلٌ إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال»:أمك»، قال: ثم من؟ قال«:أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أبوك»، وزاد في مسلم: ثم أدناك أدناك.
خرجت الكلمات من فم الصحابي الكريم وهو يمعن النظر في وجه النبي ﷺ ينتظر جوابه، وكلّ ظنّه أن الإجابة ستكون بياناً لصفاتٍ معيّنة إذا اجتمعت في أمرئ كانت دليلاً على خيريّته وأحقّيته بالصحبة، أو ربّما كان فيها تحديداً لأسماء أفرادٍ ممن اشتهروا بدماثة الخلق ورجاحة العقل. لكن الجواب الذي جاء من النبي ﷺ لم يكن على النحو المتوقّع، فلقد قال ﷺ: «أمّك»، نعم! هي أحقّ الناس بالصحبة والمودّة، ويستزيد الصحابي النبي ﷺ ليسأله عن صاحب المرتبة الثانية، فيعود له الجواب كالمرّة الأولى: «أمّك»، وبعد الثالثة يشير ﷺ إلى الأب، ثم الأقرب فالأقرب.
ولا ريب في استحقاق الأمّ لمثل هذه المرتبة العظيمة والعناية الكبيرة، فهي المربّية المشفقة الحانية على أولادها، وكم كابدت من الآلام وتحمّلت من الصعاب في سبيلهم، حملت كُرهاً ووضعت كُرهاً، قاست عند الولادة ما لا يطيقه الرّجال الشداد، ثم تنسى ذلك كلّه برؤية وليدها، لتشغل ليلها ونهارها ترعاه وتطعمه، تتعب لراحته، وتبكي لألمه، وتميط الأذى عنه وهي راضية، وتصبر على تربيته سنيناً طوالاً في رحمةٍ وشفقة لا نظير لهما، فلذلك كانت الوصيّة بصحبتها مكافأةً لها على ما بذلته وقدّمته، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟.
ومن عظيم مكانة الأم في الإسلام أن فرض الله ﷻ على المسلم بعد عبادته ﷻ أن يكون بارّاً بوالديه عامة وبالأم خاصة حتى لو كانا غير مسلمين.
قال ﷻ: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، كما أوجب الإسلام على الابن أن يتكلم مع أمه بأدب ولطف، وأن يتجنب أي قول أو فعل قد يسيء إليها أو يؤذيها، حتى ولو كانت كلمة ضجر أو تذمر لأمر يضايقه من الأم، فلا يصح للابن أن يقول لأمه مثلا كلمة (أف) علامة على ضيقه أو تذمّره، وإذا رأى الابن أن الأم في حاجة إلى قول ينفعها في أمر دينها أو دنياها فليقل لها ذلك بلطف وليعلمها بأدب ولين، ولنا في رسول الله سيدنا إبراهيم الخليل –عليه السلام– أكبر مثال على ذلك، حيث كان ينصح والده المشرك ويتلطف به، قال ﷻ: (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا).
الخطبة الثانية
عباد الله: لقد أمر الإسلام ببر الأم حتى وإن كانت مشركة، فقد سألت أسماء بنت أبى بكر النبي صلى الله عليه وسلم عن صلة أمها المشركة وكانت قدمت عليها، فقال لها: «نعم، صلي أمك».
ومن الأحاديث النبوية الدالة على مكانة الأم في الإسلام قصة الرجل الذي جاء إلى النبي ﷺ، فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك فقال: «هل لك من أم؟» قال: نعم، قال: «فالزمها فإن الجنة عند رجليها».
ويروي البزار أن رجلاً كان بالطواف حاملاً أمه يطوف بها، فسأل النبي: ﷺ: هل أديت حقها؟ قال: «لا، ولا بزفرة واحدة»!.. أي من زفرات الطلق والوضع.
وقد كانت بعض الشرائع تهمل قرابة الأم، ولا تجعل لها اعتباراً فجاء الإسلام يوصى بالأخوال والخالات، كما أوصى بالأعمام والعمات، ومن الأحاديث الدالة على ذلك أن رجلاً أتى النبي ﷺ، فقال: إني أذنبت، فهل لي من توبة؟ فقال: «هل لك من أم؟» قال: لا، قال: «فهل لك من خالة؟»، قال: نعم، قال: «فبرها».
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا اللهمَّ أغثنا اللهمَّ أغثنا اللهمَّ أغثنا اللهمّ اسقنا غيثًا مُغيثًا نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل، للهمّ اسقِ عِبادك وبهائِمك، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت، اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الارض. للهم أسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً غدقاً مجللاً صحا طبقاً عاماً نافعاً غير ضار، تحيي به البلاد وتغيث به العباد يا أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين..
المزيد من الخُطَب المُتعلقة
هل انتهيت من الاطلاع؟ حسنًا، هذه بعض المقترحات الأُخرى، من أجلك:
- ↵ خطبة الجمعة عن بر الأمهات وعيد الأم
- ↵ خطبة الجمعة عن بدعة عيد الأم
- ↵ خطبة جمعة مكتوبة حول بدعة عيد الأم
وفَّقنا الله ﷻ وإياكُم لكل خير.