مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي جعل لنا في ذكره حياةً للقلوب وراحةً للنفوس، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه التي لا تحصى، وأصلي وأسلم على رسوله الأمين، نبينا محمدٍ ﷺ، الذي كان يكثر من ذكر ربه آناء الليل وأطراف النهار، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم، فهي السبيل إلى النجاة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال: 45].
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون: اعلموا أن الله ﷻ أوصى المسلمين بالأذكار في الصباح والمساء، لحمايتهم وتحصينهم ونفعهم، وفي سنن النبي ﷺ ما يقارب ثلاثين ذكراً جاءت بفضائل لا يمكن للمسلم الاستغناء عنها شكراً لله تعالى على نعمه التي لا تعدُّ ولا تُحصى:
- أولهما: أن يقرأ المسلم قوله تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ سورة الروم.19:17.
- وثانيهما: قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين صباحاً ومساءً فمن قالها حين يصبح وحين يمسي كفتاه من كل شيء.
- وثالثهما: قراءة آية الكرسي وأول ثلاث آيات من سورة غافر. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (من قرأ (حم المؤمن) إلى: [إِلَيْهِ المَصِيرُ] وآية الكرسي حين يصبح حُفظ بهما حتى يمسي، ومن قرأهما حين يمسي حُفظ بهما حتى يصبح) أخرجه الترمذي. و (حم المؤمن): هي سورة غافر.
- رابعهما: قراءة خواتيم سورة الحشر، قال ﷺ: من قال حين يصبح ثلاث مرَّات: (أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، ثم قرأ ثلاث آيات من آخِر سورة الحشر، وكَّل الله به سبعين ألف ملَك يصلون عليه حتى يمسي، وإن مات في هذا اليوم، مات شهيدًا، وإن قالها حين يمسي، كان بتلك المنزلة) رواه الترمذي. فهنيئاً لمن واظب عليها لأنه إن مات نال رتبة الشهداء عند الله وأي كرامة أعظم من ذلك.
- وخامسهما: أن ندعو بهذا الدعاء: (حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم). عن أبي الدرداءِ رضي الله عنه قال: من قال إذا أصبح وإذا أمسَى: ﴿حسبِيَ اللهُ لا إلهَ إلا هو عليه توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ﴾ سورة التوبة:129. سبعَ مراتٍ كفاه اللهُ ما أهمَّه صادقاً كان بها أو كاذباً) رواه أبو داود
ومن السنة النبوية الشريفة سبعة:
- أولهما: سيِّدُ الاستغفارِ وهو أن يقولَ العبدُ: (اللَّهُمَّ أنتَ ربِّي لا إلَهَ إلَّا أنتَ خلَقتَني وأَنا عبدُكَ وأَنا على عَهْدِكَ ووعدِكَ ما استطَعتُ أعوذُ بِكَ من شرِّ ما صنعتُ أبوءُ لَكَ بنعمتِكَ عليَّ وأبوءُ بذَنبي فاغفِر لي فإنَّهُ لا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ من قالَها حينَ يصبحُ موقنًا بِها فماتَ من يومه دخلَ الجنَّةَ ومن قالَها حينَ يمسي موقنًا بِها فَماتَ من ليلتِهِ دخلَ الجنَّةَ) أخرجه البخاري.
- ثانيهما: منْ قال حِينَ يُصبِحُ و حِينَ يُمسِي: (سُبحانَ اللهِ العظيمِ و بِحمدِهِ، مِائةَ مَرَّةٍ، لمْ يأتِ أحدٌ يومَ القِيامةِ بأفْضلَ مِمَّا جاء به، إلَّا أحَدٌ قال مِثلَ ذلِكَ، و زادَ عليْهِ) أخرجه مسلم.
- ثالثهما: مَن قال: (بسمِ اللهِ الذي لا يَضرُ مع اسمِه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ وهو السميعُ العليمِ. ثلاثُ مراتٍ، لم تصبْه فجأةُ بلاءٍ حتى يُصبحَ، ومَن قالها حينَ يُصبحُ ثلاثَ مراتٍ لم تُصبْه فجأةُ بلاءٍ حتى يُمسي) أخرجه أبو داود.
- رابعهما: من قالَ حين يصبحُ: (أعوذُ بكلماتِ الله التاماتِ من شرِّ ما خلقَ ثلاثَ مراتٍ لم تضرهُ عقربٌ حتى يمسِي، ومن قالها حينَ يمسي لم تضرُّه حتى يصبحَ) أخرجه البخاري
- وخامسهما: أن تقول: (رَضيتُ باللَّهِ ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبِمُحمَّدٍ رسولًا، وجَبت لَهُ الجنَّةُ) أخرجه أبو داود
- سادسهما: ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه، أن رسول اللّه ﷺ قال: (من قال إذا أصبح: اللهم إني أصبحت منك في نعمة، وعافية، وستر، فأتِمَّ نعمتَك عليَّ، وعافيتك، وستْرَك في الدنيا والآخرة. (ثلاث مرات) إذا أصبح وإذا أمسى، كان حقّاً على اللّه أن يُتمَّ عليه) رواه ابن السني.
- وسابعهما: الصلاة على سيدنا رسول الله ﷺ: عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله ﷺ: (من صلى عليَّ حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيام) رواه الطبراني.
وليكن للمسلم ورد يومي يحافظ فيه على أذكار الصباح والمساء، فالمواظبة على هذه الأذكار تعزز فينا الروح الإيمانية في حياتنا اليومية، وتشعرنا بالطمأنينة والتوكل على الله ﷻ، وتوفر لنا ولأهلنا الحماية النفسية والبدنية. وتنمي في ذات الإنسان الصلة المباشرة مع الله ﷻ في كل أوقاته وأحواله.
أقول ما تسمعون؛ وأستغفر الله لي ولكم.
وإذا أردت أيضًا؛ فهذه ⇐ خطبة عن أذكار الصباح.. الميثاق الحصين
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران:102.
إخوتي وأحبابي في الله، إن أذكار الصباح والمساء هي زاد المؤمن في يومه وليله، تحصنه من الشرور والآفات، وتملأ قلبه طمأنينة ورضا. فهي سبيل العبد الصالح لنيل رضوان الله ﷻ، وهي حصننا الحصين الذي يحفظنا من هموم الدنيا وأهوالها.
فلنحرص على المداومة عليها بصدق وإخلاص، ولنكن من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، فبذلك نُصان ونُحفظ، وتتنزل علينا السكينة، وتُكتب لنا السعادة في الدنيا والآخرة.
نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا وإياكم من أهل الذكر والشكر، وأن يرزقنا مداومة الأذكار في كل حين. اللهم اجعل لنا من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل بلاء عافية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين… وأقم الصلاة.