مقدمة الخطبة
الحمد لله الكريم المنعم، تفضل على عباده بأسباب الصحة ورغبهم بالسير فيها وأكرم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قدوة المقتدين، ونور المهتدين، ﷺ وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون: لقد خلق الله ﷻ الإنسان في أحسن تقويم، وجعل له من النعم ما لا يحصى، ومن الفضائل ما لا يحد ولا يستقصى: ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، ومن جملة هذه النعم نعمة الصحة في البدن، ولعمري إنها لواحدة من أجل النعم وأعلاها، كيف لا؟! والنبي المصطفى ﷺ يقول: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا»، فمن وهبت له العافية في جسده فنجا من المرض والبلاء وكان صحيحا، وتيسر له رزقه وما يحتاج إليه من مؤونة وطعام وشراب، فكأنما ملك الدنيا وحازها.
هنا يجب على المسلم أن يشكر الله تعالى على نعمه جميعها؛ فالشكر مؤذن بدوامها، وسبيل إلى الزيادة فيها، يقول الله العلي القدير: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.
أيها المسلمون: إن رعايتكم لأبدانكم والحفاظ على صحتكم ليست مجرد نصائح طبية، بل هي تعاليم ربانية جاء بها ديننا الحنيف لحماية الإنسان من كل ما يضر به، فلقد جاء الإسلام ليعزز قيمة الصحة والبدن، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: «دخل علي رسول الله ﷺ فقال: ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ قلت: بلى، قال: فلا تفعل، قم ونم، وصم وأفطر، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا».
فالإسلام يحرص على بقاء البدن قويا، ويحميه حتى من الإفراط في العبادة، وإن توجيه النبي ﷺ هذا رفق بالأمة وتيسير، وإرشاد إلى ما يحفظ الجسد في عبادة الله الخبير، وقد نهى النبي ﷺ عن تعذيب النفس وإرهاق البدن حتى لو كان في العبادة، فعن أنس رضي الله عنه قال: دخل النبي ﷺ فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: «ما هذا الحبل؟» قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت، فقال النبي ﷺ: «لا، حلوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد».
عباد الله: تنتشر بين الناس بعض الأمراض غير المعدية، كأمراض السكر وضغط الدم وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة والسرطان، وغيرها، وحماية الإنسان نفسه من وصول مثل هذه الأمراض إليه واجب شرعي، فيستوجب ذلك اعتدالا في الطعام والشراب، واهتماما باللياقة البدنية والأنشطة الرياضية، فالله جل وعلا يقول: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.
وكان النبي ﷺ يمارس الرياضة، وكان يشجع أصحابه على ذلك، وفي الحديث: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير».
فاتقوا الله -عباد الله-، وحافظوا على أبدانكم، وارعوا صحتكم، ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
وهذه ⇐ خطبة مكتوبة حول نعمة الصحة ووجوب المحافظة عليها
الخطبة الثانية
الحمد لله الحليم الرحيم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله الكريم، ﷺ وعلى آله وأصحابه أهل الفضائل والتكريم.
أما بعد، فيا عباد الله: إن مما خصنا به ربنا في شرعه الكريم النظافة والطهارة، وكما جاء في حديث النبي ﷺ: «الطهور شطر الإيمان»، ولا ريب؛ فإن النظافة من الأمور التي تعزز الصحة وتقي من الأمراض، وقد امتدح الله تعالى المحافظين على الطهارة وبين حبه لهم، يقول المولى الخبير: ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.
ومن الطهارة أن يكون الطعام وما يدخل في جوف المسلم من حلال لا كدر فيه، وقد حرم الشرع الكريم على المسلمين كل ما يجلب إليهم المضرة، ونهاهم عن إفساد أنفسهم، فلا يقربون ما يتلف أبدانهم، كالدخان والتبغ والمسكرات؛ فكلها للجسم والروح من السموم المفسدات، والنبي ﷺ يقول: «من تحسى سما فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا»، ولا ريب؛ فإن إدمان هذه المحرمات يفضي إلى أمراض وخيمة تتلف جسد الإنسان بيده، والله جل وعلا يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾.
فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن الحفاظ على البدن والجسم سليما عمل صالح يحبه الله عز وجل، يقول سبحانه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.