لعلنا جميعا نسمع ونرى ونُدرك الخطر الذي يُحاك بالدين الإسلامي، وخاصَّة ما يُثار من خطر الإلحاد، ومحاولة البعض زعزعة ثقة المسلم بدينه وعقيدته. وهنا يجب أن تكون للخطباء وقفة قوية، في كافَّة الأقطار الإسلامية.
مقدمة الخطبة
الحمد لله المدبر الحكيم، أحسن كل شيء خلقه، وأبدع في كل شيء نظامه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الإنسان وسواه، وبسط له في الكون ما يدله على مولاه.
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، خير من عرف الله ووحده، وأفضل من عبده سبحانه ومجده، ﷺ وعلى آله وصحبه أولي النهى، وعلى من سار على نهجه واستن بسنته إلى الدار الأخرى.
الخطبة الأولى
أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله الذي بيده ملكوت السماوات، واشكروه على نعمه المتعاقبة في جميع الأوقات، وتذكروا قوله جلت قدرته: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾، واعلموا –رحمكم الله ﷻ– أن التأثير في القيم الدينية والهوية الوطنية لا يتوقف ممن يحاولون زعزعة إيمان المجتمعات حتى تذهب ريحها وقوتها وسر تماسكها ﴿وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء﴾، ولا ريب أن ذلك نابع مما تحمله قلوبهم من كراهية وشحناء ﴿وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾.
أيها المؤمنون: إن المؤثرات الفكرية المنحرفة تمخر عباب بحار الشك لمحاربة اليقين ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾، ذلك أن من أقوى الهجمات – في عصرنا هذا – إنكار وجود الخالق سبحانه؛ إذ عميت عقول أصحابه عن معرفة الله، وتقاصرت قلوبهم عن النظر في كمال خلقه ﷻ ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾.
والفطرة ترفض هذه الأفكار المنحرفة، يقول الرسول ﷺ: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»، وإن تعجب فالعجب ممن لا يقرون أن الكون المنظم تنظيما دقيقا وراءه عظيم أنشأه، وقادر قدره، وعليم ظهر في جودة الصنع علمه، ألم تصل إلى سمعهم الحقيقة الواضحة!
يقول الله ﷻ: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لّا يُوقِنُونَ﴾.
عباد الله؛ إذا نظرنا فيما حولنا من الأشياء وجدنا أن من خلقها قد أوجدها في غاية الإبداع والإتقان، بدءا من الجمادات إلى أن يصل الأمر إلى خلق الإنسان؛ ﴿ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ﴾، ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾، ومع ذلكم الإيجاد في جمال وإبداع وإتقان هنالك رعاية وعناية متواصلة بكل هذا الخلق الذي نعلمه والذي لا نعلمه ولا نراه، يقول الخالق ﷻ: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾، ويقول أكرم الأكرمين: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾.
عباد الله: يعلم الملحدون يقينا أن هذا الكون البديع بدقته المتناهية، والمذهل ببراعة حركته الباهرة لا يمكن أن يكون وليد الصدف، لكنهم أعموا أعينهم علوا، وأصموا آذانهم استكبارا، والله ﷻ يصف أمرهم هذا فيقول: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾.
ولا غرابة أن تجد الملحد متناقضا في أقواله، ومتباينا في تصرفاته وأفعاله، فلا يملك منهجا روحيا، ولا دستورا عمليا، بل يتخبط خبط عشواء، والآيات حوله يرسلها الله ﷻ هداية واصطفاء، لكنه أغلق أمامها أبواب الخوف والرجاء ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾.
وعلى المسلم أن يحصن نفسه بالالتجاء إلى الله ودعائه في الصباح والمساء، عن أبي بن كعب قال: كان رسول الله ﷺ يعلمنا إذا أصبحنا أن نقول: «أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وسنة نبينا محمد ﷺ وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين»، وإذا أمسى قال مثل ذلك.
فاتقوا الله –عباد الله–، وتذكروا قوله ﷻ: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
⬛️ وهنا أيضًا: خطبة عن الكذب وشهادة الزور
الخطبة الثانية
الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فيا عباد الله: إن الوقاية من المؤثرات التي تزعزع عقيدة المجتمع واجبة على الجميع ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾، فالحمل على أرباب الأسر وصناع القرار والعلماء ثقيل، كل في مجاله واختصاصه، والله ﷻ قد أمرهم بالاتحاد والتعاون على البر إذ قال سبحانه: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
وإنه مما ينبغي أن يتعاون فيه المجتمع، ويتآزر أبناؤه في تحقيقه، نشر العلم وترسيخ الفكر الصحيح في قلب الناشئة، ذلك أنه يحصن قلب المؤمن وعقله، ويجعله قادرا على مواجهة المعضلات، وتفنيد ما فيها من الإشكالات، والله ﷻ يقول: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾، ولذا ينال المتعلم رفعة وسرورا ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾.
ولا ريب أن الجهل المركب، الذي يظن صاحبه أنه على شيء، وهو ليس على شيء، سبب وجيه من أسباب الوقوع في الجحود والإنكار، وطريق ممهد للوصول إليه مع كثرة الطرق على أبواب الشبهات، ولذا على المرء أن يواصل طلب العلم، ويسأل أهل الاختصاص في اختصاصاتهم، يقول الله ﷻ: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾.
وعلى أرباب الأسر أن يبصروا أبناءهم بما يراد بهم، فالأمم تتداعى على المسلمين بأفكارها، وتقتحم عليهم بيوتهم بعاداتها، فلا بد من التحصين بإيقاظ اليقين، ولكم في إبراهيم ويعقوب مثال مبين ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾، وفي لقمان الحكيم إذ أخبرنا ذو الجلال عنه: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾.
فاتقوا الله –عباد الله– ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.