نسوق إليكم هاهُنا خطبة عن حرائق الغابات نظرًا لما وجدناه من انتهاكات وتعديات على هذه الثروات الطبيعية الكبيرة؛ خاصَّة ما تشهده دول بعينها من هذه الأمور بكثرة، مثل المغرب والجزائر؛ بل وغيرها من الأقطار العربية والإسلامية المختلفة.
يجدر بالخطيب أن ينوّه دوريًا على ضرورة الحفاظ على البيئة والأشجار والثروات الطبيعية، ويُنبّه على أن نعم الله هذه لا يليق، بل يحرم، على المسلم أن يفسد فيها.
مقدمة الخطبة
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي نهى عن الإفساد في الأرض بعد الإصلاح والبنيان. واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الديَّان. واشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله، صاحب المحجَّة والبرهان، أرشد الأمة إلى طريق السعادة ودخول الجِنان، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ما تعاقبت الدهور والأزمان.
الخطبة الأولى
أما بعد عباد الله، حديثي إليكم اليوم حول موضوع في غاية الأهمية، وهو عن حوادث الحرائق في الغابات.
عن عبد الله بن حبيش -رضي الله عنه-، عن رسول الله ﷺ قال «من قطع سدرة صوّب الله رأسه في النار».
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: إن الذين يقطعون السدر يصبون في النار على رؤوسهم صبا على وجوههم صبا.
إن ما نراه من أحداث هذه الأيام، وما نرى من تضامن وقافلات تجري وتجتهد في إخماد تلك النيران الملتهبة القوية، نسأل الله ﷻ أن يرفعها عنهم، نسأل الله ﷻ أن يطفئ نارها، وأن يُخمد جحيمها، وأن يرجعها غانمة سالِمة؛ نسأل الله ﷻ أن يربط على هؤلاء الأبطال، هؤلاء الرجال الذين عمدوا على إخماد تلك النيران من أول يوم إلى إلى هذه اللحظة؛ نسأل ﷻ أن يجزيهم خير الجزاء، وأن يجعل درجتهم في أعلى عليين، وأن يتقبلها منهم.
يقول النبي ﷺ -في الحديث الذي ذكرنا- «من قطع سدرة صوّب الله رأسه في النار». يقول العلماء: من قطع سدرة في فلاةٍ يستظل تحتها الناس أو الدواب؛ فقطعها عبثا وبغير حقٍ وظُلما وعدوانا؛ صوّب الله يوم القيامة وجهه في النار -والعياذ بالله-.
من قطع سدرة، والحُكم هنا -يقول العلماء-: ليس بالقطع فقط، ومن حرقها فمن باب أولى، ومن قطعها وحرقها فمن باب أولى. يقول العلماء: سدرة في هذا الحديث لا يقصد بها شجرة السدر فقط، وإنما من قطع شجرة ينتفع منها الناس وينتفع بها الناس؛ هذا الحديث فيه دليل عند الفقهاء على تحريم قطع الشجر جميعا، على قطع شجر السدر وغيره.
أينما وُجدت شجرة نافعة مثمرة يحتاجها الناس، ويحتاجها الدواب، وتحتاجها الطيور، وتحتاجها البهائم، ويحتاجها كل من يمشي تحت ظلها ليغنم منها أو ليأكل منها أو لينتفع بها؛ يحرم عليه قطعها أو حرقها إلا لضرورةٍ أو مصلحة.
عباد الله؛ إن ما رأيناه هذه الأيام من إحراق للغابات بالهكتارات والكيلومترات شيءٌ ليدمي القلب ويحزن الفؤاد. إن ما رأيناه شيء لا يرضاه الله ولا رسوله ﷺ.
الغابات أُحرقت، ولا زالت تحترق، ولا زال الجنود مجندة حولها يطفئون، ويتعبون، ويحرصون على إخماد النيران. ولا ندري لماذا أُحرقَت، ومن أحرقها!
ولذلك؛ وجب علينا إخوة الإيمان، أن ننبه أنفسنا في هذه الخطبة، أن ننبه إخواننا على أن حرق الأشجار أو قطعها جريمة شرعية، بل كبيرة من كبائر الذنوب -والعياذ بالله-. والدليل هذا الوعيد الذي توعّد به رسول الله ﷺ، كيف لا والإسلام يأمرنا بالاهتمام والحفاظ على المصلحة العامة؟ كيف لا والإسلام يأمرنا بالحفاظ على البيئة؟
قال مُجاهِد في تفسير قول الله ﷻ ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا﴾: الإفساد في الأرض معناه قطع الشجر، وقتل الدواب بغير حق.
ونهى رسول الله ﷺ في الأحاديث الصحيحة أن نتخذ الطَّير غرضًا أو هدفا. نهى رسول الله ﷺ عن قتل الطيور، لا يجوز بأي حالٍ من الأحوال أن نقتل طيرا، ما بالكم إذا وجدت في هذه الغابات كميات هائلة من الطيور، كميات هائلة من الأغنام، كميات هائلة من المواشي والبهائم.
لا يجوز قتل طير إلا للانتفاع به بالأكل وإلا فلا.
ونهى رسول الله ﷺ، قال «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه».
ونهى رسول الله ﷺ عن البول والغائط تحت الأشجار المثمرة، تحت الأشجار النافعة.
أيضًا: نهى رسول الله ﷺ أن يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب منها، أو نهر يستعذب، أو تحت شجرة فيها ثمرتها.
اعلموا عباد الله، اعلموا إخوة الإيمان، اعلموا يا رعاكم الله، أن هذه الأشجار وهذه الغابات إنما هي ثروة اقتصادية وطنية لا يجوز بأيّ حالٍ من الأحوال إهلاكها أو تدميرها أو تضييعها. لا يجوز بأي حالٍ من الأحوال حرقها.
آلاف الأشجار من الزيتون والتفاح والتمر، وغيرها، أُحرقت. ما نبتت إلا بعد سنوات طويلة، ثم يأتي معتوه مجرم، ضعيف قلبه، يأتي ويحرقها -والعياذ بالله-، ويضيّع على الأمة أجرها وخيراتها، وستقف له الأمة بالمرصاد، ستقف له الأمة كلها يوم القيامة؛ لأن مصلحتها ليست خاصة، وإنما مصلحتها عامة للشعب كله.
أتدرون أيها الإخوة، أتدرون أن نبيكم ﷺ قبل قرون كثيرة أوصى في حديثه الصحيح؛ فقال ﷺ «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها» فسيلة: أي بمعنى شجرة صغيرة.
إخوة الإيمان؛ إن هذه لثروةٌ عظيمة، أن هذه الثروة الغابيّة وهذا الغطاء النباتي؛ إنما هو مِنَّة ونعمة من الله ﷻ، نعمة من نِعَم الله ﷻ أكرمنا به، وآية من آيات الله ﷻ سخَّرها لنا وخلقها لنا حتى نشكره عليها. أهكذا نقابل الله ﷻ؟ أهكذا نُقابل نِعمة الله ﷻ؟ بالحرق والإهلاك والتضييع؟
يقول الله ﷻ ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ | وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ | وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي نبيه الكريم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، وأشكره وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، على رغم أنف من جحد به وكفر. وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله؛ سيد البشر الشفيع المشفع في المحشر، وعلى آله أصحابه السادة الغُرَر، ما اتصلت عين بنظر وأُذن بخبر وأرض بمطر.
أما بعد؛ عباد الله، اتقوا الله ﷻ فيما أمر، وانتهوا عما نهى عنه وزجر. واعلموا أن تقوى الله أقوم وأقوى، ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾، واحذروا أسباب سخط الجبار، فإن أجسامكم على النار لا تقوى.
واعلموا أن الدنيا دار ممر، وأن هي دار المقر، فتزودوا من ممركم لمقركم، واستعدوا لعرضكم وحسابكم على ربكم، واعلموا أنكم غدا بين يدي الله موقوفون، وعمّا فعلتم حرفا حرفا تُسألون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
الدعاء
- اللهم إنا نسألك في هذه الجمعة المباركة أن تربط على إخواننا المجاهدين الذين يعملون على إخماد تلك النيران، أربط على قلوبهم؛ اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه، اللهم مُدَّهم بعونك يا معين.
- اللهم اجعل الدائرة على من بغى وطغى وظلم واعتدى.. هؤلاء الذين اعتدوا على غابات وأرض الله ﷻ.
- اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، واصرف عنا شر ما قضيت.
- اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول وعمل.
- اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه.
- ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
- ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.
عباد الله؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾؛ وأقِم الصلاة.
خطبة: حرائق الغابات
- ألقاها: فضيلة الشيخ عبدالعالي حامدي، جزاه الله خيرا. وكانت بعنوان «خطر حرق الغابات».
- فحواها: التشديد على خطورة الإفساد في الأرض بالتعدي على البيئة، وحرق الغابات؛ وما تخلفه تلك الأفعال المشينة من خسائِر اقتصادية وطبيعية جسيمة.
- خطبة مقترحة: خطبة الحفاظ على الأوطان.. «كاملة» مكتوبة + ملف pdf
شكرا لكم بارك الله فيكم وأطال في عمركم.
ووفقكم الله لكل خير.
وإياك أخي المبارَك.