عناصر الخطبة
- قد علم النبي ﷺ بالهجرة بعد نزول أول سورة العلق، حينما التقى بورقة بن نوفل وأخبره بما سيكون عليه، فقال ﷺ: (أوَمخرجيَّ هم).
- سيدنا النبي ﷺ هجر عوائد الجاهلية قبل البعثة بفطرته السليمة، وهجرها شرعاً بعد البعثة النبوية إرهاصاً لبناء الأمة الإسلامية.
- الهجرة النبوية تحمل رسالة عظيمة مؤداها هجر الجاهلية ودعاتها في كل زمان ومكان وهو مما يحتاجه المسلم في الواقع المعيش.
- بدأ التاريخ الإسلامي بالهجرة النبوية لتذكِّر الهجرةُ المسلمَ بأن الإسلام ضارب الجذور وأن تاريخه ناصع في كل مراحله.
- الذكرى الحادية والخمسون لإحراق المسجد الأقصى المبارك تنادي أبناء الأمة للحفاظ على هويتها من العبث والتخريب، وصيانة مقدساتها من يد الغدر والعدوان.
الخطبة الأولى
في تاريخ الأمم والمجتمعات أحداث عظيمة تعبر عن هويتها وكيانها ووجودها، وقد مرّ على الأمة الإسلامية أحداث كثيرة تعدُّ محطات فارقة في تاريخ الأمة الإسلامية، كمولد النبي ﷺ، وبعثته، وهجرته، وغزواته، فهذه الأحداث يصلح كل حدث منها أن يكون بداية للتأريخ الإسلامي.
وقد كان من حكمة الله ﷻ بدء الدعوة الإسلامية بالبشارة بالهجرة النبوية حين قال ورقة بن نوفل للنبي ﷺ، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ» ←، قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ. متفق عليه، فجاءت الهجرة النبوية الشريفة تحمل دلالات عظيمة في مبناها ومعناها؛ لأنها تتضمن الهجر لعادات الجاهلية السلبية، واستبدالها بالعادات الإسلامية الطيبة والأخلاق الحميدة. لقوله ﷺ «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ← أخرجه البيهقي.
ولما أراد المسلمون أن يؤرخوا لتأريخهم، تشاوروا وتحاوروا وبحثوا عن حدث عظيم يكون بداية للتاريخ الإسلامي، فتشاروا فيما بينهم حتى اقترح الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يؤرخوا بيوم الهجرة ؛ لأنه اليوم الذي غيّر مجرى تاريخ أمة الإسلام، حين أذن الله ﷻ لنبيه وصحابته بالهجرة والخروج من مكة المكرمة حفاظاً على الدين، لأن تربة مكة المكرمة لم تكن مهيأة بعدُ لغرس بذور الإيمان، على الرغم من أنها كانت أحب الديار إلى النبي ﷺ، فكان ﷺ يقول حين تركها، «مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ» ← سنن الترمذي.
وقد شاءت حكمة الله ﷻ أن تكون المدينة المنورة هي الأرض الخصبة لبناء الإيمان والإنسان، وفتح القلوب والعقول، ثم يمتد البناء بفتح مكة المكرمة قبلة المسلمين إلى يوم الدين، قال ﷻ: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ القصص: 85.
لقد كانت الهجرة النبوية المشرفة حدثاً زمانياً عظيماً في تاريخ العالم، وهي من الرحمة المهداة للدنيا حتى تقوم الساعة، إنها تاريخ ناصع، وقوة عظيمة للمسلمين على مدار عصورهم، فبالهجرة انتقل المسلمون من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة، ومن مرحلة الفرقة إلى مرحلة الوحدة، وانتقل المسلمون من مرحلة النظرية إلى مرحلة التطبيق، ومن مرحلة الصبر المتين إلى مرحلة النصر المبين.
وفي الهجرة النبوية تجلت رعاية الله ﷻ وحفظه لنبيه ﷺ وأصحابه وأن هذا الدين باقٍ ما بقي الليل والنهار قال الله ﷻ : (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة 40.
والحق أنَّ حال المسلمين بعد الهجرة النبوية اختلف تماماً عما كانوا عليه قبل الهجرة، فقد آخى بينهم النبي ﷺ فأصبحوا إخوة متحابين بعد أن كانوا أعداءً متخاصمين، فأصبحوا أمة عظيمة معتصمة بحبل الله المتين بعد أن كانوا متفرقين، قال ﷻ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ آل عمران: 103، لقد ضرب المهاجرون والأنصار أروع الأمثلة في الصدق والإخلاص والمحبة والمودة والإيثار، فكانوا هم القدوة الطيبة على مرّ الدهور، وكرّ العصور.
وقد اتخذ الأردن من سيرة النبي ﷺ في توجيه الصحابة الكرام بعد الهجرة النبوية منهجاً تربوياً، فكان الأردن سباقاً في استقبال إخوانهم وإعانتهم وتضميد جراحهم، وإغاثة الملهوفين الذين تعرضت بلادهم للنكبات والكوارث.
عباد الله: جاءت ذكرى الهجرة النبوية الشريفة في هذه الأيام لتقوي إيماننا وتشد من عزمنا لنوقن بأن نصر الله آت ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم﴾ محمد: 7 فهذه الذكرى العطرة ترفع من معنويات الأمة شيباً وشباباً رجالاً ونساءً وتناديهم بالحفاظ على هويتهم الإسلامية، وخاصة الحفاظ على المسجد الأقصى المبارك مسرى نبينا ﷺ، وقبلة المسلمين الأولى، ليبقى المسجد الأقصى المبارك جزءاً من عقيدتنا إلى يوم الدين.
ولا ريب أن إحراق المسجد الأقصى على يد المعتدين قبل أكثر من خمسين سنة جريمة نكراء في تاريخ البشرية، ومهما ادلهمت الخطوب فإن المسجد الأقصى المبارك لن يستكين ولن يلين وسيبقى هذا المسجد المبارك عظيماً ما دامت السماوات والأرض، وأن الاحتلال سيزول عنه يقيناً ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ المجادلة: 21، وما تحرير المسجد الأقصى من المعتدين عنا ببعيد فقد أصابه من الأذى ما أصابه وظل صابراً حتى قضى الله ﷻ بتحريره من براثنهم.
⬛️ وهنا خطبة: ذكرى الهجرة النبوية الشريفة – دروس وعبر
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102.
إنَّ أمتنا في هذا العصر تعاني من الشدائد والمحن، وسيبقى المخلصون من أبناء الأمة مدافعين عن حقوقها، وهم مرابطون على أسوارها وفي طليعتهم جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله ﷻ، المنافح والمدافع عن المقدسات الإسلامية وعن المسجد الأقصى المبارك في جميع المحافل الدولية ليقول للعالم أجمع أن المسجد الأقصى المبارك هو (خط أحمر).
وهو موقف يذكرنا بمواقف أجداده من آل البيت الأطهار والصحابة الكرام رضي الله عنهم من المهاجرين والأنصار الذين كان ثباتهم كالجبال الرواسي.
وختاماً: نذكركم أيها المؤمنون بالمواظبة على ترديد دعاء سيدنا يونس عليه السلام حين كان في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ لعلّ الله ﷻ يخرج أمتنا من الظلمات التي أحاطت بها، وينجيها من الهمّ والغمّ ببركة هذا الدعاء المبارك، وقد قال ﷻ: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ الأنبياء: 88.
فلنكن عباد الله ﷻ مؤمنين حق الإيمان لعل الله ﷻ يخلصنا مما نحن فيه من الهم والكرب، ويكشف عنا الغلاء والبلاء.
والحمد لله ربّ العالمين..