عناصر الخطبة
- فضل الصحبة الصالحة أنها تسحب صاحبها إلى فعل الخيرات، وتحفزه لعمل الطاعات، وأساسها التقوى.
- خير الصحبة هي صحبة الوالدين (وقضى ربك ألاّ تبعدوا إلاّ إياه وبالوالدين إحساناً)، وإن كانا غير مسلمين (وصاحبهما في الدنيا معروفاً) ومن بعد الوالدين تكون الصحبة الطيبة للأسرة؛ لأنها أساس صلاح المجتمع، فمن حق الصحبة أن يحُسن المرء صحبة أهله وإخوانه وأصدقائه بالمعروف وأن يبذل الجهد والطاقة في استجلاب الخير لهم ودفع المكروه عنهم، وعدم الاستهزاء بهم والانتقاص من قدرهم.
- حريٌّ بنا أن ندعو إلى الصحبة الطيبة لأن فيها خيراً عميماً، ونحذّر من الصحبة السيئة لأن فيها شراً مستطيراً.
- المحافظة على دعاء سيدنا يونس عليه السلام (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) لما يتضمنه من تسبيح وتنزيه يجعل الذاكر صالحاً ويختار صبحة الصالحين الذي يستغفرون الله ﷻ ويتوبون إليه سبحانه.
الخطبة الأولى
حرص الإسلام على توطيد أواصر المحبة والأخوة بين الناس ليقوم المجتمع على أساس من التماسك والترابط والتعاون على البرّ والتقوى، والابتعاد عن الفرقة والبغضاء والمشاحنة بين الناس، فقال ﷻ: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آل عمران: 103.
ومن أهم الوسائل التي انتهجها الإسلام للحفاظ على هذه الإخوة والمحبة بين الناس، أن وجه المسلم إلى اتخاذ الصاحب الصالح الذي يرشده إلى الخير، ويعينه على نوائب الدهر، فالصاحب الصالح يسحب صاحبه إلى فعل الخيرات، ويحفزه لعمل الطاعات، وأساس الصحبة الصالحة التقوى، قال ﷻ: (الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ) سورة الزخرف: 67، وقد ضرب سيدنا أبو بكر رضي الله عنه أروع الأمثلة في الصحبة المباركة قال ﷻ: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) سورة التوبة: 40، فنال وسام الصديق الأكبر.
وصار الصحابة رضي الله عنهم المثل الأعلى في عنوان الصحبة الصالحة لكل الناس؛ لأن الصاحب والصديق إن كان صالحاً سيكون ناصحاً أميناً يمنع صاحبه من التعدي على حقوق الآخرين، وينهاه عن الانحراف في مزالق الشيطان ومكائده، فلا ينجرف في أوحال الجريمة، ولا ينحرف عن الصراط المستقيم، بل تكون الدنيا لهم ميداناً للتنافس في فعل الخيرات والطاعات، وقد قال النبي ﷺ: «مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه، أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بدنك، أو ثوبك، أو تجد منه ريحا خبيثة» ← متفق عليه.
وكانت مكافئة الصحبة الصالحة عظيمة عند الله ﷻ، فقد ذكر النبي ﷺ أن من السبعة الذين يظلهم الله ﷻ في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلُّه، أي اختصهم بالإنعام والرحمة وأبعدهم عن الشقاء يوم القيام، قال: “ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه” متفق عليه.
من أجل ذلك حرص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على الصحبة الصالحة التي تعينهم على نشر الخير فالله ﷻ وجه سيدنا موسى عليه السلام للبحث عن الصاحب الذي يهديه ويعلمه سبل الخير والرشاد، فقال موسى حين وجد الخضر عليه السلام، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا، قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) الكهف: 65–66، وهذا سيدنا رسول الله ﷺ بحث عمّن يبايعه على الصحبة والأخوة في الله ﷻ، فكان يجمع قومه في بداية الدعوة ويقول لهم: «فَأَيُّكُمْ يُبَايِعُنِي عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي وَصَاحِبِي؟» ← رواه أحمد، فبايعه علي بن أبي طالب رضي الله ﷻ عنه، فنال أجر الأخوة وشرف الصحبة الكريمة.
وحين أراد الهجرة ﷺ، كان أهمّ ما اعتنى به النبي ﷺ اتخاذ الصحبة الصالحة في السفر، فكان أبو بكر الصديق رضي الله خير صاحب وخير أنيس وخير معين في هذه الرحلة التاريخية العظيمة، وقد وثّق الله ﷻ هذه الصحبة في كتابه العزيز، فقال ﷻ: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة: 40، وكان ﷺ يعظّم قدر هذه الصحبة ويعلي من شأنها فكان يذكر الناس بفضل أبي بكر الصديق رضي الله ﷻ عنه فيقول: «لو كنت متخذا من أمتي خليلا، لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي» ← صحيح البخاري.
وإن خير من يحسن الإنسان صحبته في هذه الدنيا، أن يصاحب والديه بالمعروف، وأن يكافئ جهدهما بالبر والدعوة لهما بالرحمة والمغفرة في حياتهما وبعد موتهما، وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك» ← متفق عليه.
فصحبة الوالدين واجبة على المسلم في كل حال، فلا يجوز الإساءة لهما، أو الحط من قدرهما، حتى وإن كانا غير مسلمين، فلا تبرأ من برهما والإحسان إليهما، لأن البرّ والصلة بين الناس بالمعروف لا تنقطع بل هي دائمة مستمرة بين جميع بني الإنسان، وتكون في الوالدين آكد وأولى، لقول الله ﷻ: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان: 15.
وكذلك فإن من حق الصحبة أن يحُسن المرء صحبة أهله وإخوانه وأصدقائه بالمعروف وأن يبذل الجهد والطاقة في استجلاب الخير لهم ودفع المكروه عنهم، يقول النبي ﷺ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» ← سنن الترمذي. ومن أصول هذا الإحسان في العشرة عدم الاستهزاء بهم والانتقاص من قدرهم، ودوام الوفاء لهم عند ذكرهم، وعدم الغدر بهم أو خيانة عشرتهم وإفشاء أسرارهم، وقد كان النبي ﷺ يستعيذ من هذه الفئة من الأصحاب الذين لا ودّ لهم، ولا وفاء ولا رعاية لمعروف، الذين إن رأوا حسنة كتموها، وإن رأوا سيئة أذاعوها، فروي من دعائه: «اللهم إني أعوذ بك… من خَلِيلٍ مَاكِرٍ عَيْنَهُ تَرَانِي وَقَلْبُهُ يَرْعَانِي إِنْ رَأَى حَسَنَةً دَفَنَهَا، وَإِذَا رَأَى سَيِّئَةً أَذَاعَهَا» ← المعجم الأوسط للطبراني.
⬛️ وهنا: خطبة عن الصداقة والصحبة الصالحة «مكتوبة»
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران:102.
حريٌّ بنا أن ندعو إلى الصحبة الطيبة لأن فيها خيراً عميماً، ونحذّر من الصحبة السيئة لأن فيها شراً مستطيراً. فكما يحرص الإنسان على اختيار الصاحب الصالح الناصح، عليه كذلك أن يحرص على الابتعاد عن الصاحب الذي لا خير فيه، ولا يبذل النصيحة بالخير والمعروف، الذي يوافق صاحبه على كل شيء فلا ينهاه عن منكر ولا يأمره بالمعروف، بل يوافق صاحبه في الخير والشر، وهذا القسم من الأصحاب ذمّه الله ﷻ في كتابه العزيز فقال ﷻ: (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) المائدة: 79.
وأولى من هذا الصنف وجوب الابتعاد عن الصاحب والجليس الذي لا طموح له ومبدؤه في الحياة قائم على تضييع الأوقات، والاستهزاء والسخرية بالعباد والبلاد، أو الخوض في الحديث الباطل، فهؤلاء هم أصحاب السوء، الذين يسهمون في دمار الفرد والمجتمع، وينشرون الذعر والرذيلة، ويهدمون القيم والأخلاق، ويضيعون جهد الآباء والأمهات في التنشئة والتربية، ويبتعدون عن المنهج القويم، ومآل ذلك وعاقبته وخيمة في الدنيا والآخرة، وقد ذكر الله ﷻ أحوال هؤلاء وما هم فيه من الندامة يوم القيامة فقال ﷻ: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) الفرقان: 27–29.
ولنحافظ على دعاء سيدنا يونس عليه السلام (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) لما يتضمنه من تسبيح وتنزيه يجعل الذاكر صالحاً ويختار صبحة الصالحين الذي يستغفرون الله ﷻ ويتوبون إليه سبحانه.
والحمد لله رب العالمين..