خطبة عن الزلازل هنا تنتظر أئمة وخطباء الوطن العربي والإسلامي؛ تسوق –مواكِبةً للأحداث– ما كان وما يكون من آيات وعبر عظيمة مما يقع من آيات كونيَّة على كل المسلمين.
الخطبة مكتوبة، مشكولة الآيات، مُعزَّزة بالأحاديث النبوية وأقوال السَّلف الصالح.. فهل أنتم على استعداد لها الآن؟ هيا بنا.
مقدمة الخطبة
يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد. أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد.
الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما ثقتي إلا بالله، وما توكلي ولا اعتمادي إلا على الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده. لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا، وقائدنا وشفيعنا سيدنا محمدا رسول الله، صلى الله وعلى آله وصحبه وسلم، خير نبيّ اجتباه؛ وهدى ورحمة للعالمين أرسله.
ورضي الله ﷻ، عن ساداتنا وقاداتنا وهداتنا إلى الله، سادتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن البقية من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد عباد الله، أوصيكم ونفسي الخاطئة المذنبة بتقوى الله العظيم، وأحثكم ونفسي على طاعته، وأحذركم وبال عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.
الخطبة الأولى
أما بعد إخوة الإيمان والعقيدة، يقول الله ﷻ في مُحكم تنزيله؛ بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾.
أخرج الإمام البخاري في صحيحة عن سيدنا أبي هريرة –رضي الله تعالى– عنه قال: قال رسول الله ﷺ «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض».
إخوة الإيمان والعقيدة، بالأمس القريب قد مر بنا جندي من جنود الله، ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ﴾، جندي لم يكن أحدٌ ينتظره [وهو زلزال تركيا وسوريا]، إلا أنه رسول العزيز الجبار، رسول الله ﷻ، جاء ليحذرنا، مرَّ بنا مرورا خاطفا ليحذرنا من عقاب الله ﷻ.
نعم أحبتي؛ لأن العاقل هو الذي يقرأ الكون وأحداثه على أنها رسائِل من الله ﷻ. نعم أحبتي لقد قال الله ﷻ في محكم تنزيله، ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا﴾.
فالعاقل هو الذي يقرأ هذه الأحداث، وما يمر على الكون من تغيرات وأطوار على أنها رسائل من الله ﷻ لخلقه حتى يرتدعوا ويعودوا إليه، ويعيشوا مع قولهم: إنا لله وإنا إليه راجعون.
وحبيبنا –صلوات ربي وسلامه عليه– أكد لنا هذا المعنى، حينما سُئل عن عن كسوف الشمس وخسوف القمر، فقال –صلوات ربي وسلامه عليه– «إنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده». كل ما في الكون من أطوار تدُل على أنّها رسائِل، تدل الإنسان وترشده حتى يعود إلى الله ﷻ.
والسؤال الآن: هل نحن على حالٍ يرتضيه ربنا ﷻ؟ أم نحن بعيدين عن المنهج الرباني الذي ارتضاه لنا خالق هذا الكون؟ نعم، الأمر بالعموم لكن الخطاب بالخصوص. فكل مسلمٍ عليه أن يراجع نفسه، وإن عَمّ البلاء لكن الإصلاح يبدأ بالفرد، كل مسلمٍ يرجع إلى نفسه ويخاطب نفسه، ويقف معها وقفة محاسبة، هل ربي راضٍ عني؟ هل ما أقوم به في حياتي اليومية يُرضي خالقي ﷻ، أم أني ما زلت بعيدا كل البُعد عن هَدي الله وهدي حبيبه ﷺ؟
إخوتي في الله؛ أن هذه الابتلاءات بأنواعها تفتح في قلوب المؤمنين منافِذ للتفكر، وتُهيئ في قلوبهم ونفوسهم وقفات للتدبر والرجوع إلى الله، ﷻ، واستشعار أن هذا البلاء إذا جاء أو وقع فإنما وقع لكثرة الذنوب والمعاصي. قال ربنا ﷻ في محكم تنزيله ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾، وفي آية أخرى يخاطب ربنا ﷻ أهل السيئات، أهل المعاصي، مُحذرا إيّاهم من عقوبته، قال ﷻ ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾.
رَحم الله أبا العتاهية، إذ يقول: فواعجبا! كيف يُعصى الإله أم كيف يجحده الجاحِد! ولله في كل تحريكةٍ وتسكينةٍ في الورى شاهِد، وفي كُل شيءٍ له آية تدل على أنه الواحد.
خلاصة القول وباب النجاة فيما جاء عن ربنا ﷻ، قال سبحانه ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.
اللهم تُب علينا توبة نصوحة، طهرنا بها قلبا وجسما وروحا، واجعلنا اللهم من الآيبين التائبين، سددنا على خُطا حبيبنا، ﷺ، إنك سميع قريب.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
ونجد هنا كذلك خطبة: الآيات الكونية في القرآن الكريم
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرًا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إرغامًا لمن جحد به وكفر. وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا، وقائِدنا وشفيعنا سيدنا محمدا، ﷺ، خير الخلائِق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظر ووَعت أُذنٌ بخبر.
عباد الله؛ اتقوا الله فيما أمر، وأخرجوا حب الدنيا من صدوركم، فإنه إذا استولى أسر.
واعلموا أنه لا يضر ولا ينفع، ولا يصل ولا يقطع، ولا يعطي ولا يمنع، ولا يخفض ولا يرفع إلا الله.
واعلموا أن الله تعالى أمركم بأمرٍ عظيم، بدأ به بنفسه، وثنى بملائكة قدسه وعرشه، فقال –– ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
وهذه أيضًا خطبة: الاستجابة لله ولرسوله.. وثمراتها
الدُّعـاء
- اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعل يا مولانا راية الحق والدين.
- اللهم انصر من نصر المسلمين، واخذل –يا إِلَٰهنا– الكفرة والمشركين والملحدين، أعداءك أعداء الدين.
- اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيرا فوفقه إلى كل خير، ومن أراد بهم سوءا أو شرا فخذه أخذ عزيز مقتدر، واجعله عِبرة لمن أراد أن يتذكر أو يعتبر.
- اللهم يا من لا يرد سائله، ولا يخيب للعبد وسائِله، نسألك اللهم يا من أمره بين الكاف والنون، يا من أردت شيئا أن تقول له كن فيكون، إلا غفرت لنا ذنوبنا، وسترت لنا عيوبنا، وطهرت لنا قلوبنا، ونوَّرت لنا وجوهنا، ويسرت يوم القيامة حسابنا، برحمةٍ منك يا أرحم الراحمين.
- اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا وتقصيرنا، اللهم لا تأخذنا بسوء أعمالنا، نعوذ بك اللهم إن تأخذنا بما قصَّرنا أو بما أسأنا.
- إِلَٰهنا وسيدنا ومولانا، ليس لنا ربٌ سواك؛ نلتجأ إليك يا الله، نتوكل عليك يا الله.فاللهم رُدَّنا إلى دينك ردا جميلا.
عباد الله ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾. قال تعالى ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾. اللهم اجعلنا منهم..
وأقِـم الصَّـلاة.
وبعد؛ فكانت هذه يا إخواني، خطبة عن الزلازل.. آيات وعبر من هذه الآيات الكونية إلى عباد الله؛ فهل من مُعتبر.
فاللهم تقبَّل مِنَّا صالح الأعمال، والطف بنا فيما جرت به المقادير.. اللهم آمين.