هاهُنا نلتَقي بكم في ملتقى الخطباء وصوت الدُّعاة مع خطبة عن الدعاء مؤثرة مكتوبة. حتى ينهَل من الأئمة والوُعَّاظ الأكارِم ما شاءوا من الوعظ الطيب والنُّصح والإرشاد الحكيم. خاصَّة في ظِل ما يُحاك بالمسلمين في هذه الآوِنة وعزوف البعض عن الدعاء حتى في الكُربات.
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي دعانا إلى دعائه، وندبنا إلى مناجاته وندائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل سؤاله من دلائل مرضاته، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، دعا الله ودعا إلى الله والمسارعة إلى جناته، ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه المستمسكين بكتابه.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- تكونوا من أولياء الله ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ﴾، ﴿إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون: إن من أعظم دلائل حقيقة الاستعانة بالله اللجوء إليه وسؤاله؛ فرفع الأيدي إلى الله من صميم العبادة، ولننظر في تلك الآية التي نتلوها كل ركعة؛ فإن فيها البيان؛ ألسنا نحن من يقول متوجهين إلى الله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
ولما كان الدعاء بهذه المنزلة كان هو العبادة، وقد نبه على هذا المعنى العظيم نبينا محمد ﷺ فقال: « الدعاء هو العبادة»، وكيف لا يكون الدعاء هو العبادة! وقد أمرنا الله بدعائه فقال: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾.
الدعاء في رمضان
وتعالوا بنا -عباد الله- إلى آيات الصيام؛ فإن الله جل جلاله ذكر بين ثناياها إجابة دعاء من دعاه، وما أجلاها من إشارة ربانية إلى أن شهركم هذا من مظان إجابة الدعاء.
وكأن ربنا تبارك وتعالى يقول لنا: اغتنموا فرصة الدعاء في رمضان؛ فإن الإجابة فيه أقرب، وكيف لا تكون الإجابة أقرب والقلوب في هذا الشهر أكثر طمأنينة، والنفوس أكثر صفاء! ومتى اقترب الإنسان من ربه اقترب ربه منه.
أجيب دعوة الداع إذا دعان
اسمعوا – أيها المؤمنون- ماذا يقول ربكم: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾، فماذا نريد بعد هذه الرحمة! وماذا نطلب فوق هذا الإحسان! الباب أمامنا مفتوح، والصراط إلى الله مستقيم، وربنا يقول لنا إنه قريب منا، يسمع نداءنا، ويجيب دعاءنا، ويعطينا سؤلنا، ما علينا إلا أن نقوم وندعو. واسأل ولا تخجل.
واعلم أنك تسأل العظيم، فليكن سؤالك عظيما؛ فإن الذي تسأله هو الذي إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون، وهو الذي له ملك السماوات والأرض، وهو الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وهو الذي له من في السماوات ومن في الأرض، وهو الذي عنده خزائن كل شيء.
اسألوه الفردوس
وقد أدرك نبينا ﷺ هذه الحقيقة، فندبنا أن نسأل الله أرفع درجة في الجنة فقال: «فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس»، ولنسأل الله خير الدنيا والآخرة؛ فإن الله علمنا أن نسأل خير الدنيا كما علمنا أن نسأل ثواب الآخرة؛ فقد أثنى الله على من يقول من عباده ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾، ولئن أعطانا الله تبارك وتعالى ما سألنا من خير الدنيا والآخرة ما نقص ذلك مما عند الله شيئا.
وإن من أحسن القول الذي ينزل على القلوب بردا وسلاما قول الله في الحديث القدسي: «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر»، وهل ينقص المخيط إذا أدخل البحر من مائه شيئا!
عباد الله: إيانا وتفويت هذه الفرصة التي نحن فيها من هذا الشهر؛ فإن الرشاد في عدم تفويتها، وقد قال الله جل جلاله: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾. وقد بشرنا النبي ﷺ بإجابة دعاء الصائم فقال: «إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد»، بل إن نهار رمضان كله مظنة إجابة الدعاء؛ فدعوة الصائم حال صومه أقرب إلى الإجابة، يقول النبي ﷺ: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم».
ألحوا في الدعاء وألِظوا بيا ذا الجلال
ولنعلم أن دعاءنا لا يضيع عند الله وإن لم يتحقق لنا ما نريد؛ فإن أكرم الأكرمين قد يعطينا ما سألنا، وقد يدفع عنا بدعائنا مكروها بفضله، وقد يعطينا جزاء دعائنا في الآخرة.
ولعمر الله إن تلك هي الجائزة الكبرى والهدية العظمى ﴿وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾، وقد بشرنا رسول الله ﷺ بهذا فقال: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها»، ولنسأل ولا نمل، ولنلح على الله في الدعاء ملظين بيا ذا الجلال والإكرام، عملا بوصية الذي لا ينطق عن الهوى.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم، إنه هو البر الكريم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ﷺ وعلى آله وصحبه ومن تبعه وترسم خطاه.
عَظَمَةِ الدُّعَاء
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن من عظمة الدعاء عند الله أن الله سبحانه وتعالى علمنا في مواضع كثيرة من كتابه أن ندعوه، ففي ذلك دعوة ربانية إلى دعائه، وحث على مناجاته وندائه، وحسبنا أن ربنا تبارك وتعالى علمنا ذلك في السورة التي نقرؤها في كل ركعة؛ فقد علمنا أن نقول: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ | صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّين﴾.
وقد أخبر الله عن أنبيائه ورسله أنهم كانوا يدعونه، فقد أخبر عن أبينا آدم عليه السلام أنه قال هو وزوجه: ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، وأخبرنا عن نوح أنه دعا، وأخبرنا عن إبراهيم ويعقوب، وعن يوسف وموسى، وعن شعيب وداود وسليمان، وعن زكريا وعيسى.
من عرف الله دعاه
وأخبرنا الله عن عباده الصالحين أنهم كانوا يدعون، وقد وصف الله عباده الذين يدعون بأنهم أولو الألباب، وكيف لا يكونون أولي الألباب وقد اهتدوا إلى سؤال ربهم، ووفقوا لدعائه وندائه، ومناجاته وابتغاء الوسيلة إليه، ولم يكن ذلك منهم إلا بمعرفتهم بالله، فمن عرف الله دعاه، وقد كان جزاء دعائهم استجابة ربهم لهم، فقال مخبرا عن ذلك الجزاء الأوفى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى﴾.
هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
كان ما قدَّمنا لكم أعلاه خطبة عن الدعاء مؤثرة مكتوبة. تناولت العديد من الجوانب في هذا الموضوع. إنها خطبة جمعة مباركة، نأمل أن تترك أثرًا طيبًا ووعظًا حكيمًا في قلوب ونفوس المُصلين المُستمعين لها.
شاهد أيضًا: خطبة جمعة مكتوبة عن التسول.. وكيف تناول الإسلام هذه الظاهرة
وإن كانت الخطبة قد نالت استحسانكم فلا تترددوا في نشرها مع الأصدقاء في العمال (الخطباء) عبر حسابات وجروبات الفيس بوك، ومجموعات الواتسآب، وغيرها.. لتعم الفائِدة.
وإذا أردتم الخطبة بصيغة ملف pdf فلا تترددوا في طلبها عبر التعليقات أدناه، وسنعمل -بحول الله وقوَّته- على توفيرها لكم في أقرَب وقت.