مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي سهل لنا في زماننا الاتصال والتواصل، ودعا المؤمنين ليكونوا دعاة الناس إلى دينه بالتآلف والتراحم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلقنا لعبادته، وأمرنا بطاعته.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله بالحق وكلمة الصدق، فبلغ الرسالة، وكان رحمة للعالمين وهداية، ﷺ، وعلى آله وصحبه وتابعيه إلى يوم القيامة.
الخطبة الأولى
أما بعد، فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته، واعلموا أن نعم الله تعالى على عباده عديدة، ومن بينها ما فتحه الله على الناس من نعمة التواصل فيما بينهم عن طريق شبكة المعلومات العالمية، فإذا بالأثير يموج بمعلومات كثيرة، صوتا وصورة، مما هو مفيد ومما هو غير مفيد.
أما أنها نعمة –يا عباد الله– لو قدرها المسلم حق قدرها لانتهزها فرصة، ذلك أن الشبكة العالمية أصبحت جزءا من حياتنا اليومية نقضي بواسطتها كثيرا من حاجياتنا، بدءا من التواصل الاجتماعي إلى التسوق الإلكتروني مرورا بالعمل الوظيفي، بل إنها مصدر من مصادر التعلم في عصرنا الحاضر، وما الذكاء الاصطناعي الذي بدأ ينشر خيوطه في شتى مجالات الحياة إلا نقلة أخرى. من هذا المنطلق على المسلم أن يتدثر بالحكمة والوعي فلا يغشى إلا ما يرضي ربه، مستعينا بالله الذي ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾.
أيها المسلمون: لشبكة المعلومات فوائد يطول سردها، غير أن المسلم يتعامل معها تعامل من يضع كل شيء في مساره الصحيح، لأنه يمضي إلى أشرف غاية، لا ينالها إلا بتقوى الله تعالى والعمل الصالح ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴾، ولما كان الحال كذلك فإن عليه أن يتقي حال الذين يستهلكون ولا ينتجون، فضلا عن حال الذين بمضار الشبكة يتأثرون، ولقد ضرب الله لنا مثلا في كتابه العزيز للمؤمن العفيف الذي لا تغريه الملهيات ولا يعصي ربه في الخلوات، بل إنه إذا رأى فتنة وقد خلا بنفسه نادى بأعلى صوت: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾، فليجعل المسلم من يوسف الصديق قدوته إذا ما أغرته الفتن وأحاطت به البلايا والمحن لينجو كما نجا، ولتكن هذه الأجهزة وسيلة إلى الخير لا إلى الشر، فلنحرص على الاستفادة منها، ولنحذر من التأثر بمضارها.
عباد الله: إن الاستخدام الأمثل للتقنيات الحديثة لهو خير مطلب، وأفضل مكسب، وهذا هو مسلك صاحب الفكر السليم والعقل الحكيم، منهجه الاستفادة من التقنية المفيدة، والتدرب على أسمى الطرق لاستغلالها، والاهتمام بإمكانات هذه الوسائل، وتوجيهها في أمور تساعدنا على تطوير ذواتنا والارتقاء بها، والعمل على ترسيخ القيم، واستثمار أوقات الفراغ، وليكن زاد شبابنا أخلاقياتهم الثابتة، منغرسة تعاليم هذا الدين الحنيف ومحبة الله وخشيته في نفوسهم ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ﴾.
إن الحرص –يا عباد الله– على تربية أبنائنا على فن التعامل مع التقنيات الحديثة يكون بتبصرتهم كيف يتتبعون الفوائد منها وخاصة في الاستفادة من آلاف البحوث والكتب المرفوعة على الشبكة أو في تعلم شيء من مهارات الحياة، ألا فلتهيأ نفوسهم ليكون ما يأتون وما يذرون في إطار منظومة القيم الاجتماعية والمبادئ الإيمانية، حتى يكون تعاملهم مع العالم الرقمي تعاملا إيجابيا فاعلا.
ولا يغيب عن بال أحد –أيها المسلمون– أن بعضهم جعل من هذه التقنيات وسيلة لإثارة النعرات والتعدي على أعراض الناس، متتبعا القيل والقال، واستفزاز المشاعر وكيل التهم، فيسيء إلى الأفراد والمجتمعات مؤججا الفتن والمشكلات، ومسلطا العباد بعضهم على بعض، ألا فلنحذر؛ فالله سائلنا وهو مطلع على أفعالنا وأقوالنا وما نكتب وما نرى، فلا تضغط بأناملك في الأجهزة والتطبيقات والبرامج والصفحات الإلكترونية إلا بما تكون عاقبته خيرا ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾.
فاتقوا الله –أيها المسلمون–، واسترشدوا بهدايات القرآن وسنة نبيكم ﷺ في إرشاد أنفسكم وأبنائكم إلى ما فيه صلاحكم في دنياكم وآخرتكم ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
⇐ ولا تفوتك هنا: خطبة عن علو الهمة – مكتوبة
الخطبة الثانية
الحمد لله الآمر بالحق، المخبر بالصدق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الهادي إلى صراط مستقيم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، المؤيد بالذكر الحكيم، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا عباد الله: وسط بحار الثقافات المتنوعة التي تموج بها شبكة المعلومات العالمية تمسكوا بأخلاقيات الإسلام وبثوها في صفحاتكم بمواقع التواصل، عاملوا الناس بالخلق الحسن، انشروا هدي دينكم الصافي في العالمين ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، أمم العالم اليوم بحاجة إلى ذلك المسلم الذي ملأ الإسلام قلبه على العالم رحمة، وعلى الناس شفقة، فهو الطبيب الذي يرجون لقاءه حتى يضعوا يده على موضع الألم لتذهب العلل المعنوية التي يعانون منها إلى غير رجعة.
﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾.
فكونوا –يا عباد الله– خيرا ورحمة للعالمين، استغلوا ما تيسر في عصرنا الراهن من هذه الوسائل خير استغلال، في بث أخلاقكم الحسنة وقيمكم السمحة ومبادئ دينكم الخيرة، وفي دلالة الناس على الخير، وحثهم على تجنب المنكر وكل شر، حببوا إليهم سيرة خير الأنام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.
⇐ أمّا هذه؛ فهي خطبة جديدة تحت عنوان: خصلتان يحبهما الله ﷻ (الحِلمُ والأناة)