اليوم مع موضوع خطبة الجمعة الحيوي هذا؛ نحنُ بصَدد خطبة عن الأمن وأهميته. بل إنها تلك التي ستُسَلِّط الضوء عن كثب على ما يحاك بالبلاد الإسلاميَّة من مؤامرات ودسائس؛ وما يستهدفه الأعداء من زعزعة الأمن والأمان وضرب الاستقرار من جذوره.
تستهدف هذه الخطبة «المكتوبة» تبيان مُراد المُخرّبين والمُتآمرين، ومن يقف ورائهم؛ فضلا عن الدور الذي يقع على عاتقنا كمسلمين، نحو بلادنا وأبنائنا، بل وأنفسنا أيضًا.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله؛ اللهم صل على محمد عدد ما صلى عليه المصلون وذكره الذاكرون.
يا عباد الله، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
الخطبة الأولى
أما بعد؛ معاشر المسلمين؛ إن نعمة الأمن من أعظم النعم، بل هي النعمة الثانية بعد نعمة الهداية للإسلام. فلا راحة ولا استقرار ولا هناء للبلاد والعباد إلا بالأمن؛ قال الله -جل وعلا- {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ | الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}، وقال سبحانه {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} وقال -جل وعلا- على لساني إبراهيم {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}.
تَقْرَأُونَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في صحيح الترمذي؛ أنه قال «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».
فالأمن يا عباد الله من أجَلّ نِعَم الله، والمحافظة على الأمن مسئولية الجميع، ولقد أكرم الله -جل وعلا- هذه البلاد بنعمة الأمن والأمان ورغد العيش والاستقرار، وهذا ما جعل أعداء الإسلام يخططون للنيل من هذه البلاد، بإثارة الفتنة ويستخدمون الوسائل المتعددة ويشوهون صورة هذه البلادة وحكام هذه البلاد التي تحكم بشرع الله -جل وعلا- والتي تحتضن فيها مكة والمدينة، قِبلة المسلمين.
ومما يدمي القلب يا عباد الله، أن الذي ينفذ هذه المخططات هم من أبناء جلدتنا؛ نعم، غسلوا أفكارهم، غيروا أفكارهم، وجعلوهم ينظرون إلى أهلهم وإلى بلادهم نظرة -والعياد بالله- خطيرة.
كفَّروا الناس، واستباحوا دمائهم وأعراضهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن الإسلام يا عباد الله حرَّم الدماء المعصومة، وشنَّع في ذلك؛ قال -جل وعلا- {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}، هو قال جل وعلا {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.
أن ما يفعله أولئك الشباب، الذين غُسلَت -للأسف- أدماغهم؛ يقتلون رجال الأمن الذين يحرصون ويحرسون الناس ويحرسون الأموال والأعراض، يستهدفونهم وهم يؤدون رسالة شريفة عظيمة.
أيُّ دينٍ وأيُّ عقل يقر هذا يا عبد الله؟
إن الشرائع السماوية أتت وأجمعت على حفظ الكليات الخمس: على حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض. نعم؛ جرَّمت هذا العمل والعياذ بالله.
ولا يستبيح هذه الأفعال إلا من انحرف والعياذ بالله، إلا من زاغ قلبه عن الطريق المستقيم.
وإنني أقول يا عباد الله، مما ما يدخل السرور على النفس، ما رأيناه من الإجماع على إنكار مثل هذه الأفعال الشنيعة. فقد أجمعت الأُمَّة على إنكاره، وتكلَّم العلماء والدعاة والمصلحون والكُتَّاب والمربون والمعلمون، وتحدث الناس جميعًا بشناعة هذه الجرائِم الفظيعة.
وإنني أقول أيها الأحبة، وسوف أتحدث في هذه الدقائق عن المراد وماذا يجب علينا؛ ماذا يريد هؤلاء؟ يريدون إثارة الفتنة في هذه البلاد، هذا هو الهدف الأسمى. وقد صرحوا بذلك، وإن أولئك الذين يفعلون هذا الفعل، يفعلونه ولا يعلمون من خلفه؛ فالذين قتلوا عثمان “رضي الله عنه” من الرعاع لا يعرفون أن وراء فعلتهم الشنيعة [ابن سبأ اليهودي] الذي أراد الكيد للإسلام، فلم يستطع، فدخل الإسلام، وأخذ يكيد الإسلام من داخله.
نعم، لا يعلم هؤلاء الشباب من يخطط من الاستخبارات الخارجية لهذه البلادة -حرسها الله سبحانه وتعالى وجميع بلاد المسلمين-.
أيها المؤمنون، ما دام الأمر كذلك، علينا أن نعتصم بحبل الله جميعا {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
وعلينا أن نرجع الأمر يا عباد الله إلى أهله، من أهل الحل والعقد من العلماء والحكام؛ {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
نُرجِع الأمر يا عباد الله إلى أهله، يتعاملون معه بما عندهم من العلم والإدراك والدراية.
وعلينا أيها الأفاضل أن نَرجع إلى أهل العلم والحل والعقد؛ قال الله -جل وعلا- {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.
إن أولئِك الشباب، ردهم الله للصواب، جعلوهم لا يأخذون من العلماء، شوَّهوا صورة العلماء عندهم؛ وقالوا: هؤلاء من علماء السلطة، وأنهم يريدون بذلك الدنيا ويريدون بذلك الأموال، فجعلوهم يكَفِّرونهم ولا يسمعون لكلامهم.
علينا أيها الأحبة أن نُجِل العلماء، وأن نرجِع إلى أهل العلم، وإلى أهل الحل والعقد في مثل هذه الفِتَن العظيمة.
وعلينا أيها الأحبة أن نتثبَّت عند نقل الأخبار. قال الله -جل وعلا- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.
ولنحذر يا عباد الله من الإشاعات، ولنحذر من الشبكة الموهومة، من الشبكة العنكبوتية التي لا يُعرَف من يكتب فيها. هناك حسابات وهمية المراد منها يا عباد الله التضليل، المراد من هذه المواقع أن تُضَلل الناس وأن تُضَلل الشباب، وتشوه، وتقلب الحقائق.
علينا أن نتثبَّت يا عباد الله، وأن نحذر، وأن نُحَذِّر الشباب.
أيها الآباء، إن الأبناء أمانة في أعناقكم ستسألون عنها يوم القيامة. اسأل عن ابنك؛ إلى أين يذهب؟ ومع من يجلس؟ وماذا يشاهد؟
نعم، هناك في بيوتنا يا عباد الله ثغرات يجب أن ننتبه إليها، عندما يسهر الشاب إلى ساعة متأخرة من الليل على القنوات الساقِطة الهابطة التي في جيبه، أعني الشبكة العنكبوتية، يتنقل من فِكرٍ إلى شهوة إلى شُبهة، وهو لم يحصَّن بالإيمان وبالعلم الشرعي، فيتأثر يا عباد الله.
نري شابًا سالكًا، ناسِكًا؛ ثم نُفاجأ أنه يفجر المسلمين. نعم، إذا بحثت عن السر؛ وإذا بالشبكة العنكبوتية وجلساء السوء الذين اختطفوه وغسلوا دماغه وجعلوا أهله يتألمون ويتقطَّعون حسرة لصنيع هذا الابن.
فعلينا أن نُعنى بأبنائنا، وأن نسأل عنهم وأن نُحَصِّنَهُم وأن نناقشهم؛ نعم نناقشهم. إن الانحراف في الفكر أشد خطرًا من الانحراف في الشهوات، لأن صاحب الشهوة يرى أنه على خطأ، يرى أنه على ضلال، ويسأل الله التوبة والمغفرة؛ لكن الآخر يرى أنه يتعبد الله ويتقرب إلى خالقه بهذه الأفعال الإجرامية.
علينا أن نتعاون يا عباد الله وأن نتناصح، وأن نتقي الله -جل وعلا- في جميع أمورنا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، حمدا يليق بجلال الله وعظمته. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة؛ فصلوات الله وسلامه عليه.
أما بعد، فيا عباد الله؛ من الخطأ أن ننسب هذه الأفعال الإجرامية إلى جهةٍ معينة أو إلى علماء السَّلف، إلى أئِمَّة الدعوة، أو إلى المعاهد العلمية، أو المناهج الدراسية؛ هذه المعاهد وهذه المناهج تخرَّج منها العلماء الربانيون، تخرج منها الدعاة المصلحون، تخرج منها الأطباء والمهندسون والمصلحون.
وإذا زاغ من زاغ، لم ينحرف بهذه العلوم التي تنور القلوب والعقول؛ ولكن هذا بالشيطان واتباع الهوى.
إن من يأخذون من كلام أئِمَّة الدعوة، يأخذون بعضه ويتركون بعضه. يأخذون بعض كلام شيخ الإسلام ابن تيمية “رحمه الله” ويتركون بعضه؛ حالهم كحال أهل الكتاب، يؤمنون ببعضٍ ويكفرون ببعض؛ {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}.
يستدلون بما يوافِق رأيهم وهواهم، ويتركون ما يخالفهم.
أنظروا إلى كلام أئِمَّة الدعوة، إلى كلام المحققين من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وكالإمام محمد بن عبد الوهاب، واعرضوا هذا الصنيع على أقوالهم؛ تجدون الفرق الشاسع والبون الواسع، ولكن إلى الله المشتكى.
الدعاء
اللهم يا حي يا قيوم، يا من قلت وقولك حَقّ {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، يا من ترانا وتسمع كلامنا وتعلم سرنا ونجوانا، يا حي يا قيوم، يا رحيم، يا رحمن، يا ودود، يا لطيف، يا سميع، يا بصير؛ اللهم ارحمنا برحمتك، اللهم الطف ببلادها وعبادك.
اللهم احفظ بلاد الحرمين، اللهم احفظ مكة والمدينة، اللهم احفظ سائر بلاد المسلمين.
اللهم من أراد بلادنا بسوء، اللهم يا قوي يا عزيز يا جبار يا قهار؛ يا من دمرت أبرهة فدمره وانتقم منه واجعل كيده في نحره.
اللهم أبطل كيده، اللهم أبطل مخططاته، اللهم اجعل كيده في نحره واجعل تدبيره يحيط به يا رب العالمين.
اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم افضحه على رؤوس الأشهاد.
يا حي يا قيوم من أراد بلادنا أو سائر بلاد المسلمين بسوء اللهم أشغله بنفسه يا رب العالمين.
اللهم ارحم المستضعفين في العراق، اللهم ارحم ضعفهم؛ اللهم ارحم أهل السنة في العراق، اللهم ارحم المسلمين في كل مكان، اللهم ارحمهم في بلاد الشام، اللهم ارحمهم يا حي يا قيوم في كل مكان.
اللهم أعِد الأمن في اليمن وفي العراق وفي الشام وفي كل بلدان المسلمين يا حي يا قيوم.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين.
اللهم إنا نشكو إليك ضعف المسلمين، اللهم اجمع كلمتهم، اللهم وَحِّد صفوفهم، اللهم ارحم ضعفهم، اللهم ارفع ما نزل بهم يا رب العالمين.
اللهم أعِد الأمن إلى بلاد المسلمين كافة يا رب العالمين.
اللهم وَفِّق ولاة أمرنا، اللهم سدد أقوالهم وأعمالهم، اللهم بارك في جهودهم وأعمالهم.
اللهم وَفِّق العلماء والدعاة والمصلحين يا رب العالمين.
اللهم أعصمنا من فتن الشهوات والشبهات، وأخرجنا من هذه الدنيا سالمين واجعل آخر كلامنا من هذه الدنيا شهادة التوحيد، لا إله إلا الله.
اللهم صل وسلم وبارك وتفضَّل وأنعِم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.