عناصر الخطبة
- خديجة رضي الله عنها هي أول زوجة من زوجات رسول الله ﷺ، تزوجها قبل البعثة، وتاجر بمالها، فأدركت مكانته السامية حينما كان ﷺ يتعبد في غار حراء.
- وبعد نزول (اقرأ) كانت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها هي أول من أسلمَ بالإجماع، وبذلك حققت معنى الزوجية بإيمانها مع زوجها سيدنا محمد ﷺ.
- بعد تتابع نزول الوحي صارت خديجة رضي الله عنها هي المعلمة الأولى في الوجود تقف مع المعلم الأول للبشرية سيدنا محمد ﷺ، تشد من أزره، وتقف معه مادياً ومعنوياً، وكانت تعلم النساء أحكام شريعة الإسلام التي تستحي النساء من السؤال عنها.
- أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها هي التي أنجب منها النبي ﷺ بناته الأربع (زينب، وأم كلثوم، وفاطمة ورقية) رضي الله عنهن، وابنه القاسم الذي يكنى به ﷺ، فخديجة رضي الله عنها هي الجدة الكبرى للحسن والحسين رضي الله عنهما.
- خديجة رضي الله عنها ومريم بنت عمران عليها السلام خير النساء بين السماء والأرض.
- الإكثار من دعاء سيدنا يونس عليه السلام (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) لأن فيه تهذيباً للنفوس لتصبح مطمئنة بقضاء الله ﷻ وقدره.
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين..
في ليلة عظيمة مباركة في غار حراء الذي حلّت بأركانه الرحمة والسكينة، يتنزل جبريل عليه السلام بنور الهداية، في أعظم الليالي عند الله ﷻ، وعلى أعظم إنسان في الوجود، ليزف للنبي ﷺ أعظم البشارات، وهي قول الله ﷻ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) العلق: 1–5، تلك كانت أولى حروف أمة انطلقت لتفتح الآفاق شرقاً وغرباً، وتُخرج الناس من الظُلمات إلى النور، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
توجه النبي ﷺ من غار حراء إلى أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، تلك المرأة الطاهرة العفيفة، التي علم أنها ستكون له خير عون وسند، كما كان هو لها خير زوج، وقد تزوجها النبي ﷺ، بعدما رأت من أمانته وبركته وحفظه لأموالها حين تاجر بها إلى الشام، فألقى الله ﷻ محبته في قلبها، وتم الزواج السعيد بتدبير وتقدير من الله ﷻ ليكون كلٌّ منهما عوناً للآخر، فالزوج هو ما يعدُّه الله ﷻ لأن يكون النبي الخاتم، والزوجة هي التي ستسانده وتساعده بحبها وحنانها، وعطفها، من جهة، وتشد أزره بقوتها ومالها من جهة أخرى، لذلك تنزلت الآيات بعد ذلك تؤكد نعمة الله على نبيه ﷺ (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى) الضحى: 6–8.
ويتجلى ذلك في أول لحظات البعثة حين نزل النبي ﷺ وأخبرها وقصّ عليها ما كان معه في الغار بعد أن هدأ رُوعه، فما كان منها إلا إجابة الواثق، فهي التي خبرت أخلاق النبي ﷺ، وعلمت ما فيه من صدق وعفاف، وما فيه من حسن الأخلاق، فقالت له: «أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ» ← صحيح البخاري.
بعد نزول (اقرأ) كانت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها هي أول من أسلمَ بالإجماع، وبذلك حققت معنى الزوجية بإيمانها مع زوجها سيدنا محمد ﷺ. وقد أخبر أمينُ السماء جبريل عليه السلام أمينَ الأرض سيدنا محمداً ﷺ.بالسلام عليها من ربها، وبشرها ببيت في الجنة من قَصَب لا صخب فيه ولا نصب تكريماً لها. ولقوة إيمانها، وثباتها على الحق المبين.
وبعد تتابع نزول الوحي صارت خديجة رضي الله عنها هي المعلمة الأولى في الوجود تقف مع المعلم الأول للبشرية سيدنا محمد ﷺ، تشد من أزره، وتقف معه مادياً ومعنوياً، وكانت تعلم النساء أحكام شريعة الإسلام التي تستحي النساء من السؤال عنها.
فخديجة أم المؤمنين رضي الله عنها هي التي أنجب منها النبي ﷺ بناته الأربع “زينب، وأم كلثوم، وفاطمة ورقية” رضي الله عنهن، وابنه القاسم الذي يكنى به ﷺ، فخديجة رضي الله عنها هي الجدة الكبرى للحسن والحسين رضي الله عنهما، فهي أصل أرومة أهل البيت جميعاً: لأنهم من نسل فاطمة الزهراء رضي الله عنها؛ فهي من أهل البيت، والنسب الشريف يتصل بها من جهة فاطمة ابنتها رضي الله عنهما، كالاتصال بالنبي ﷺ.
لقد نالت خديجة رضي الله عنها ومريم بنت عمران عليها السلام مرتبة الخيرية فهي خير النساء بين السماء والأرض، قال ﷺ «خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد» ← رواه البخاري، فحريٌّ بالنساء في هذا العصر أن يجعلن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها الأسوة الحسنة، والقدوة الطيبة لتحقيق الريادة التربوية، وبناء منظومة قيم الأسرة الصالحة، والأخلاق الحميدة.
ولا ريب أن خديجة رضي الله عنها هي معدن التربية الإيمانية السلوكية الجامعة بين الأقوال والأفعال، بين الظاهر والباطن، ولها المِنّة على الرجال والنساء حتى تقوم الساعة، فقد كانت المرأة الوحيدة التي تحملت مسؤولية التربية والبناء، وستظل التربية بمفاهيمها الصحيحة، والقيم ببناء منظومتها تستقي من علم وفقه أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، علم الناس ذلك أو جهلوا، ولكنها الحقيقة التي لا مراء فيها أبداً.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.
إن موقف أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها هو موقف المرأة الصالحة التي تتصرف مع الأمور بحكمة ورجاحة عقل، وحُسن تصرف، وجُرأة في مواجهة التحديات، فحبها الكبير لرسول الله ﷺ هو الذي أزال عنه رداء الخوف حين قال “زملوني، زملوني”، فأنزل الله ﷻ، (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) المزمل 1–5.
فكانت هي أول من حمل معه هذا القول الثقيل ليبلغه للناس كافة، وهي التي نالت السعادة بالمشاركة في هذا الأمر العظيم، مما كان له أكبر الأثر في حياة النبي ﷺ، وعلى مسار دعوته، فكانت رضي الله ﷻ عنها أوّل من آمن به من البشر، فبدأ عماد هذا الدين العظيم من بيت مبارك قوامه نبيٌّ مُرسل، وزوجة تسانده على أداء هذه الأمانة العظيمة، وقد اكرمها الله ﷻ بالسلام عليها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ، وَلاَ نَصَبَ» ← متفق عليه.
فقد كانت رضي الله عنها فقيهة بالأحكام الشرعية والآداب التربوية ومنها نتعلم فقد ردت على سلام الله عليها بقولها : الله السلام، ومنه السلام، وعلى جبريل السلام.
قال الإمام السهيلي رحمه الله ﷻ: علمت بفقهها أن الله سيحانه لا يُردُّ السلام عليه، كما يرد على المخلوق، لأن السلام دعاء بالسلامة فكان معنى قولها: الله السلام، فكيف أقول عليه السلام والسلامُ منه يُسأل، ومنه يأتي؟ ” ولكن على جبريل السلام، فلا يليق بالله سبحانه إلاّ الثناء عليه، فجعلت مكان رد التحية على الله ﷻ ثناء عليه.
وجزاءً لمواقفها العظيمة فقد لاقت أم المؤمنين من رسول الله ﷺ حباً ووفاءً في حياتها وبعد وفاتها، فكان ﷺ يقول: «مَا أَبْدَلَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي، بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ» ← مسند الإمام أحمد
وكذلك فإن كلّ زوجة صالحة مع زوجها، وكلُّ أمٍّ حانية على ولدها، وكل امرأة مُصلحة في مجتمعها، هي ذخيرة حية تنتصر بها القيم والأخلاق الصالحة في المجتمع، وهي كنز قيم لا يعوض بثمن.
والحق أن الإكثار من دعاء سيدنا يونس عليه السلام (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فيه تهذيب لنفوسنا الأمارة لتصبح مطمئنة توقن بما عند الله ﷻ.
الحمد لله رب العالمين..