عناصر الخطبة
- التحذير من اليأس والقنوط وضرورة الثبات والأمل في رحمة الله.
- فهم مفهوم التوكل على الله والثقة بعطائه ورحمته.
- أهمية الرجاء كأساس لراحة القلب وتحقيق الأمل بقدرة الله.
- دروس من قصة نبي الله يوسف حول الرجاء وعدم اليأس.
- كيف يثبت المؤمن ويظل واثقًا في الله في وجه التحديات والشدائد.
- التوازن بين التوكل والعمل بالأسباب وكيف يعززان بعضهما بعضًا.
- استنادًا إلى قصص الأنبياء، كيف يساعد الرجاء في التغلب على الصعوبات.
مقدمة الخطبة
الحمد لله الكبير المتعال؛ سبحانه أهل الحمد والثناء، سبحانه المتفرد بالعظمة والكبرياء، سبحانه المستحق لصفات الكمال والجلال والعلاء، أحمده ﷻ في البأساء والضراء، وأشكره على السراء والنعماء يعلم ما نخفي وما نعلن، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وأطيعوه، واعلموا أنكم ملاقوه، (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) ~ [البقرة: 281].
الخطبة الأولى
عباد الله: إن المؤمن يجب أن لا يعرف اليأس ولا القنوط وهو متعلق بالله دائماً، فإذا نزلت به شدة أو أحاط به كرب تجده ثابتاً مستبشراً برحمة الله لا يفقد أملاً في نصرالله و لا ييأس من فرج الله أبداً فهو الواثق بالله والمتعلق بعطائه لا يقطع من الله أملاً ورجاء .
يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ سورة يوسف: 87. جاءت هذه الآية في قصة يوسف عليه السلام عندما حاول من حول يعقوب عليه السلام تقنيطه من الامل في حياة يوسف عليه السلام أو العثور عليه وعلى الرغم من عدم وجود ولو بصيص أمل في العثور على يوسف عليه السلام فقد كان رجاء سيدنا يعقوب عليه السلام، بالله قوياً، فلم ييأس وكان رجاؤه دائمًا بالله سبحانه حتى قال: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ سورة يوسف: 96.
فهذه الآيات تنهض بهمة المؤمن وتبشره وتأمره أن لا يستسلم لشدة أو همّ أو غمّ ما دام يؤمن بالله تعالى. وأن لا يثنيه عن طريق مرضاة الله ودفاعه عن دينه وأرضه ومقدساته عدو ظالم متغطرس. فتفريج الكرب بيده سبحانه، ومن إيمان المؤمن أن الله عظيم قدير لا يحول دون أمره حائل، فيأخذ المؤمن بالسبب ويعتمد على الله بالتيسير صابراً محتسباً ثابتاً مستبشراً بقريب نصر الله وفرجه يقول الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ سورة يوسف: (110).
والتوكل على الله عز وجل يجعلُ العبد دائم الرجاء. فالرجاء هو ارتياح قلب المؤمن وتشوفه لانتظار محبوب من الله، وسببه تعلق القلب بالله فمتى تعلق القلب بالله رجا تحقق الخير منه وحده سبحانه وتعالى آخذاً بالأسباب معتمداً على الله. وليس من الرجاء ترك العمل والأسباب أما القانط من رحمة الله تعالى فجاهلٌ بصفاته مستبعد لقدرته قاطع صلته بالخالق: يقول الله تعالى: ﴿قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ سورة الحجر: 56.
بيّن القرآن الكريم عن فرعون وكذا حال الفراعنة والظلمة والمحتلين في كل زمانٍ ومكان كيف يحاولون بالشدة والبطش فتنة أهل الإيمان عن إيمانهم وكسر عزائمهم في رباطهم ودفاعهم عن دينهم وأرضهم وعرضهم ومقدساتهم. يقول الله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ سورة الأعراف(127). فكانت مواجهة أهل الإيمان لهذا الطغيان بصدق استعانتهم بربهم وثقتهم برحمته وفرجه ودفعهم أي يأس أو قنوط يثنيهم عن طريق رباطهم وجهادهم. يقول الله تعالى: ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ سورة الأعراف: (128).
ويا أيها المؤمنون عليكم بهذه الظروف أن تتذكروا وتأخذوا بقول الله تعالى: ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ سورة آل عمران: 146،148. وهذا الوعد المبرم الذي يحيا به المؤمن. يقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ سورة الصافات 171،173.
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ سورة الأنبياء: 105،106.
قال صلى الله عليه وسلم: «وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ» أخرجه مسلم
اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافي الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة.
⇐ وهذه خطبة جمعة سهلة وقصيرة بعنوان: الراجون رحمة الله
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.
عباد الله: اعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.
وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بدعاء الكرب وهو: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله تعالى في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله تعالى يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173،174
اعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
والحمد لله ربّ العالمين..