والآن؛ وفي هذه الصَّفحة المبارَكة؛ نوفر لكم خطبة الجمعة حول صلاح القلب وفساده. وهي أحد الخطب المكتوبة، والتي ألقاها فضيلة الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ –حفظه الله ﷻ–.
مقدمة الخطبة
إن الحمدلله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يَهْدِهِ الله فلا مُضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد… فيا أيها المؤمنون اتقوا الله حق التقوى.
الخطبة الأولى
عِبادَ اللهِ إن من أعظم ما يَحْرِص المؤمن عليه ويسعى إلى تخليصه ما يَضُرُّه أن يحرص على قلبه؛ لأن القلب هو مَكان الإيمان، ولأن القلب هو مستقر الروح، التي من زَكَّاها فقد زَكَّى نفسَه، وحَظِيَ بالثواب إن شاء الله، ومن دَسَّا نفْسَه ورُوحَه بأن لم يُصْلِح قلبَه فهو على خطر عظيم؛ لهذا قال الله ﷻ لنا في وصف يوم القيامة: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [سورة الشعراء]، فجعل الذي ينفع هو الذي أتى الله ﷻ في ذلك اليوم الحَتْمِيّ لا مَنَاصَ منه ولا مَفَرَّ، بقَلْبٍ سليم.
قال العلماء: سليم: أي سَلِمَ مِنَ الشهوات وَحُبِّها، وسَلِمَ مِنَ الشُّبُهاتِ وغَشَيان القلب لها.
ولهذا أيضًا قال ﷺ في الحديث المتفق على صحته، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث ﴿أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كْلُّهْ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدْ كُلُّهْ أَلَا وَهِي الْقَلْبُ﴾، فالقلب إذا صَلَحَ بذلك الجسدُ، وصَلَحَتْ بذلك الروح، وصلح بذلك العمل، ولهذا فإن ربنا ﷻ لا ينظر منا إلى الأجسام والصور، ولكن ينظر منا إلى القلوب والأعمال، قال ﷺ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرْ إِلَى صْوَرِكُمْ وَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنْظُرْ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ». رواه مسلم في الصحيح.
وبالتالي فليس الذي يُقَرَّب إلى الله ﷻ الأجسام ولا الجاه ولا الصور ولا الأموال ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [سورة سبأ: 37].
أيها المؤمنون، إنَّ الاهتمام بالقلب والاهتمام بصلاحه، وأن يكون القلبُ سليمًا غير مريض ولا عليل، وبالأحرى أن لا يكون مَيّتًا، إن الاهتمام بذلك من أجل المطالب التي سعى إليها الصالحون، بل وحث عليها ربنا ﷻ فيما سمعنا من القرآن، وحث على ذلك نبيُّنا ﷺ، وإن الاهتمام بصلاح القلب هو الاهتمام على الحقيقة بما به فَوْزُنا، وبما به النجاةُ، وبما به السعادة.
فالموت حتمي آتٍ لا مَفَرَّ منه، والأرواح ستبقى إلى قيام الساعة مع الأجساد إما في نعيم وإما في عذاب، وبعد ذلك يكون يوم الحشر الأعظم يوم القيامة الكبرى الذي يكون الناس فيه على فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير، وقد أَفْلَحَ في ذلك اليوم من زَكَّى قلبَه ونفسه، وقد خاب وخَسِر من دَسَّا قَلْبَه ونفسه.
أيها المؤمنون، إن هذا الأمر جد خطير، وهو القضية العظمى، وهو النبأ العظيم، ولكن الناس عنه معرضون ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾، ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ [سورة النبأ].
إنَّ من النبأ العظيم نبأ يوم القيامة، وما يحصل فيه، ومَنِ الذي سينجو، ومن الذي سيكون أَبَدَ الدهرِ من الخاسرين في عذاب الله الذي لا انقطاع له ولا أمد ينتهي إليه، كحال الكفار، والعياذ بالله.
إن الاهتمام بالقب فريضة من الفرائض، وإن سعي المؤمن إلى إصلاح قلبه وإصلاح قلب أهله وإصلاح قلب إخوانه، وإصلاح قلب مَنْ حوله بأن يكون القلب سليمًا معظما لله لحدوده ليس فيه مرض، أو الصحة غالبة فيه على المرض، فإن السعي إلى ذلك من أَجَلِّ المطالب، ومن أهم المهمات.
وإن من أسباب إصلاح القلب أمورٌ إذا عَرَفْتها وعَمِلْت بها كنا على خير أن ننجوا وننجي من أسمعناه ذلك، فاسمع تلك الأمور بحسب ما جاء في الكتاب وفي السنة المطهرة.
إن أعظم صلاح للقلب أن يُوطّنَ المرءَ نفسه على الإخلاص لله ﷻ في كل أعماله، إذا عَمِلَ عمل لله، استحضر قبل ذلك رُبُوبِيَّةَ الله ﷻ على خَلْقِه، وأنه ﷻ هو ذو الملكوت، وهو الذي يُمْسِك الأرضَ المُعَلَّقَة في الهواء بلا عَمَدٍ، هو الذي يُمْسِكها أن تزول، وهو الذي يمسك السَّموات أن تزول ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [سورة فاطر].
هو الله الذي سَبَّح له كل شيء، وهو الذي سَبَّحَ له الملائكة المقربون، وسبح له الجبال والأشجار، كل المخلوقات توجهت إلى الله بالإخلاص، فتنظر إلى ذلك وإلى ربوبية الله، وإلى ملكوته الأعظم، وإلى عجيب صنعته في الآفاق وفي نفسك، فنَعْلَم بذلك أنه هو المُستحِقّ لأنَ يكون القلبُ له وَحْدَه دونما سواه.
فإذا كان القلب مُخلِصًا لله صَلَحَ القلب، وسعى إلى أعظم أسباب صلاحه بأن يكون العمل لله، وأن يكون التَّرْكُ لله، وأن يكون القولُ لله، وأن يكون التصرف لله، فيَهْجُر نَفْسَه في مَرْضَاةِ الله، ويبتغي وجه الله وهو ينظر إلى بَصَرِ الله ﷻ إليه، وإلى أن الله ﷻ هو الرقيب عليه.
إن السعي في الإخلاص وتعويد النفس أن تُخْلِصَ العَمَلَ كُلَّه في الأقوال والأعمال، إن ذلك سبب لأن يكون القلب قلًا سليمًا، قلبًا صحيحًا غير مريض ولا عليل.
وبالتالي فإذا رأيت من يعمل لغير الله ويتكلم للدنيا ويسعى للجاه والسُّمْعة والمال –مما أحَلَّ الله ومما حرم– دون أن يكون ساعِيًا في الإخلاص لله، مُوَطّنًا قلبه على ذلك، فَلْيَعْلَمْ مِن نفسه أن قب فيه من المرض بقدر ما فاته من الإخلاص.
فكيف يكون حال الذين جاء كلامهم للدنيا، وعملهم للدنيا، وصِلَتُهم للدنيا، وتحرُّكهم للدنيا. أين؟ أين؟ أين؟! الإخلاص في قلوبهم لله ﷻ؟ ﴿ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [سورة الجمعة: 8].
أيها المؤمن، إن من أسباب صلاح القلب وأسباب سلامته أن يكون القلب مُعَلقًا بفرائض الله، لا يستريح حتى يؤدي ما أوجب الله عليه، وإذا نظرتَ إلى الفرائض فإنها سهلة ميسورة، ولكن الله ابتلى العبادَ بذلك.
هي خمس في الصلوات، وصيام شهر، وزكاة مال، وحج بيت الله، وغير ذلك من الواجبات. فمن
أتى بالفرائض، وانتهى عن المحرمات، فإنه سعى في إصلاح قلبه. كما أن الصلاة إذا أُدّيَتْ بالخشوع الذي أمر الله به، وبالطمأنينة التي أمر الرسول ﷺ بها، فإنها من أسباب صلاح القلب.
إن من أسباب صلاح القلب الذي بين جنبيك، الذي إن صَلَحَ صلحت، وإن ففسد فسدت، وكانت العاقبة غير حميدة= أن يكون قلبُك مُعَلِّقًا بالقرآن، فإذا أردت أن تعلم هل أنت مُحِبٌّ لله أم غير محب، أو أن في محبتك شَوْبُ شائِبةٍ، فانظر وتأَمَّلْ في محبتك للقرآن؛ لأن القرآن كلام الله، وهو صفته ﷻ التي بين أيدينا، فمن عَلِمَ نَفْسِهِ مَحَبَّةً للقرآن وأُنْسًا بالقرآن وشَغَفًا للقرآن، وأنه ا يصبر عن القرآن حتى يتلوه، فإنه مُحِبٌّ لله، وإن قلبه قلبٌ صالح على رجاءِ أن يكون قلبًا سليمًا.
إن قراءة القرآن وتلاوته والأنس به علامة من علامات صلاح القلب. فهيا إلى رَوْضًاتِ القرآن فإن بقراءة القرآن صلاحَ القلبِ وسلامته من الآفات.
ثم إن من أسباب صلاح القلب أن يكون العبد دائم الذِّكْر لله، لِسانُه لَهَجٌ به رطب بذكر الله.
أتى رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، أوصني. فقال: «لَا يَزَالْ لِسَانْكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللهِ»، وهي وصية عظيمة؛ لأن اللسان يغرف من القلب، فما تَحَرَّكَ به القلبُ غَرَفَه اللسان وأظهره، فإذا نطق اللسان بذكر الله كان القلب معمورًا بِذِكْرِ الله، والذِّكْرُ المُرادُ هو ما يُوافِقُ فيه القلبُ اللسانَ، وليس ذِكْر اللسان فحَسْبِ، بل هو ذِكْرُ اللسان الذي غَرَفَ هذا الذِّكْرَ والتعظيم من القلب الذي عَمَرَ بمحبة لله وإجلال المولى وتعظيم الحق ﷻ.
إن الذِّكرَ أمْرُه عظيم جدًّا، ولهذا أثنى الله على الذاكرين وأمر بالذكر فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [سورة الأحزاب]، ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [سورة الأحزاب].
إن هذا من أسباب صلاح القلب، نعم إن من الناس من يّذْكُرُ الله لكن لا يتأمل هذا الذكر الذي يذكر الله به، ما معناه؟ وكيف يُعَظَّم الله بهذا الذكر؟ ذكر باللسان والقلب مشغول بالدنيا، وهذا ناقص ناقص وخِدَاجٌ خِدَاج، بل الكمال أن يكون القلب مُواطِئًا للسان، فبذلك يصلح القلب.
إن من أسباب صلاح قلبك أيها المؤمنون أن تكون كثيرَ الاستغفار لله، فإن أصول دعوة الرسل التي اجتمع عليها المرسلون جميعًا من أَوَّلِهِم إلى آخِرِهِم أن يدعوا إلى توحيد الله وإلى تقوى الله، وثالثًا وآخرًا وهو استغفار الله، والتوبة من الذنوب. قالها هذا أول الرسل نُوحٌ، حيث قال الله ﷻ عنه أنه قال لقومه: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾، ﴿آلر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ [سورة هود].
إن المؤمن الذي يسعى إلى إصلاح قلبه يرى أن الله ﷻ رَقِيبٌ عليه في كل حركة، وفي كل لحظة، وأن لله عليه في ذلك أمرًا ونهيًا يجب عليه أن يَمْتَثِلَ الأوامر وأن ينتهي عن النواهي، ولكن كيف يحصل المرء ذلك؟ لا بد من أن يُغَانَ على القلب، وأن يكون في المرء غَفْلَة، وإن الله ﷻ غَفَّارٌ لمَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالحًا ثم اهتدى. فما ثم إذن على الحقيقة إلا استغفار المولى ﷻ.
فقد ثبت في الصحيح “صحيح مسلم” أن النبي ﷺ قال: «إِنَّهْ لَيْغَانْ عَلَى قَلْبِي، وَإنِّي لَأَسْتَغْفِرْ الله فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ» أي: يَعْرِض له من السهو، ويعرض له ما يعرض للبشر، فإنه ﷺ لتعظيمه حَقَّ اللهِ يستغفرُ اللهَ في اليوم مائة مرة.
ومن أصحاب القلوب المريضة مَنْ إذا استغفروا نظروا فتحاقروا ذنوبهم، وهي كالجبال عظمةً، يَتَحَاقَرُونَها ولا ينظرون إلى عِظَمِ الذنب، ولا إلى عِظَمِ مَنْ عَصَوْا، ولهذا تكون القلوبُ مريضةً كحال قلوب أكثر الخلق في هذا الزمان، بل وأكثر المسلمين، وقليل مَنْ يشعُرُ بمرض قلبه.
إننا بحاجة أيها المؤمنون إلى تعظيم الله، وذلك بالإكثار من الاستغفار، وأن ننظر إلى حقارة شأننا، وإلى عِظَمِ الله الذي بيده السَّموات وبيده الأرض، الذي خلق فبرأ، وله الحكمة العظيمة البالغة وإليه ترجعون. إننا بحاجة إلى تعظيم الله، وأن نقدر الله ﷻ حق قدره، وبحاجة إلى الاستغفار من الذنوب، فإنه لَيُغَانُ على قلوبنا، فلْنُكْثِرْ من الاستغفار. إن الاستغفار جِلاءٌ للقلوب، وماسِحٌ للذنوب، فهيا إلى رَوْضَاتِهِ.
أيها المؤمنون، إن من أسباب صلاح قلبك ألا تغشى ما يجعل القلب مريضًا، وإن مما يجعل القلب مريضًا سماع الأغاني والمعازف، إنها تفسد القلب، وتجعل القلب لا يحب القرآن ولا يأنس له.
حُبُّ الْكِتَابِ وَحُبُّ أَلْحَانِ الْغِنَا
فِي قَلْبِ عَبْدٍ لَيْسَ يَجْتَمِعَانِ
هل رأيتم من يسمع الأغاني والمعازف، ويستمع لها بكثرة ويلذ ويَطْرَب، إذا سَمِعَ القرآن بَكَى من خشية الله؟ أو إذا سمع القرآن أَنِسَ له، وأقبل على تلاوته؟ إن أحدهما يَطْرُدُ الآخَرَ، والمرءُ فيما غلب في القلب منهما.
إن سما المعازم محرم شرعًا، وقد قال ﷺ، فيما ثبت في صحيح البخاري مُعَلَّقًا، قال ﷺ: «لَيَكْونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» دل ذلك على أنها محرمة، وهذا واقع صحيح؛ لأنها تُفْسِد القلب، وتُنْبِت النِّفاقَ في القلب، وهذا مُشاهَدٌ، ولكن لا يُدْرِكُه إلا من كان قلبه مقبلًا على الله ﷻ غير مُحِبِّ لزُخْرُفِ الدنيا وزينتها.
أيها المؤمنون، إن من أسباب صلاح القلب هو غَضُّ البصر عن المحرمات، وغض البصر عن أن تَرَى النساءَ العاريات، أو شبه العاريات الكاسيات المائلات المميلات، فإنهن من أصناف أهل النار. وإن من آنس في قلبه مَحبَّةً لذلك، فإنه يسعى في إفساد قلبه إلا أن يراجع نفسه ويتوب، قال الله ﷻ: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [سورة النور: 30].
إن البصرَ بريد القلب، فإذا تأَمَّلَ المرءُ ما لا يَحِلُّ مِنَ النظر، فإن ذلك يجعل القلب مُعَلَّقًا بهذه الشهوات، والقلب السليمُ هو الذي تَخَلَّصَ من الشهوات ومن تلك الشُّبُهات، وهذا هو الذي ينفع صاحبه.
فحذارِ حذارِ من أن يصير القلب مريضًا، أو أن تَأنَسَ بمرضه أو بِعِلَّتِهِ حتى يَفْجَأَكَ الموتُ، وما ثَمَّ بعد الموت إلا دارٌ لا انقضاءَ لها، إما جنة، وإما نار.
أسأل الله ﷻ أن يجعل قلوبَنا يَقِظَةً حَذِرَةً ساعِيَةً فيما فيه مصلحتها في آخِرَتِه، إن هذه الدنيا دار زائلة، والآخرة دار باقية، وقد ارتحلتْ إليكم الآخرةُ مُقْبِلَةٌ، وارتحلت عنكم الدنيا مُدْبِرَةٌ، فخُذُوا
لآخِرَتِكم من دُنياكم، ولا تُعَظّموا الدنيا فإن ذلك من تَسْوِيل الشيطان ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [سورة الأعراف].
أسأل الله ﷻ أن يُنِيرَ قلوبَنا، وأن يعيننا على إصلاح قلوبنا، وإصلاح قلوبَ أَهْلِينا، وإصلاح قلوب مَنْ نُحِبُّ، إنه ولى ذلك وهو أكرم مسؤول.
واسمعوا العِظَةَ البالغة والسورةَ العظيمة التي إن كُرِّرَتْ فإنها أعظمُ عِظَة، ولو لم يُنزلِ الله على خَلْقِه إلا هذه السورة لَكَفَتْهُمْ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سورة العصر].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه، وتُوبُوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
وهذه يا أكارِم: خطبة: إكرام الجار وحقوق الجيران
الخطبة الثانية
الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد… فيا أيها المؤمنون اتقوا الله حق التقوى، واعلمُوا أن أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ حمد بن عبدالله، وشرَّ الأمورِ مُحْدَثَاتُه، وكل مُحْدَثةٍ بِدْعةٌ، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعلكم بالجماعة فإن يَدَ الله مع الجماعة، ومَنْ شَدَّ في النار، هذا واعلموا أن الله ﷻ حَثَّنا وأَمَرَنا بالصلاة على نبيه فقال ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [سورة الأحزاب].
وهنا: خطبة ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا﴾.. مكتوبة
الدعاء
- اللهمَّ صَلَّ وسَلِّمْ وبَارِكْ على عبدك ورسولك محمدٍ صاحب الوجْهِ الأنْورِ والجبينِ الأزهر، وارضَ اللهمَّ عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء الذين قَضَوْا بالحقِّ وبه كانوا يَعْدِلُون، وعن سائر صَحْبِ نَبِيِّك وأُمَّهات المؤمنين، وعن الآل أجمعين، وعمَّن تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
- اللهمَّ أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأّذِلَّ الشِّرْكَ والمشركين، واحْمِ حَوْزَةَ الدِّين، وانصر عِبادَك المُوَحِّدِينَ.
- اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأَصْلِحْ أئِمَّتَنا ووُلاةَ أُمُورِنا، ودُلَّهم على الرَّشَادِ، وباعِدْ بينهم وبين سٌبٌل أهل الكفر والبَغْيِ والفساد، يا مُجِيبَ السائلين.
- اللهمَّ نسألك أن تُصْلِحَ قُلُوبَنا وقلوبهم. اللهمَّ أَصْلِحْ قُلُوبَنا جميعا واجعلنا وإياهم من المُتَعَاوِنين على البر والتقوى، وعوذ بك من التعاون على الإثم والعدوان، يا أكرم الأكرمين.
- اللهمَّ نسألكم أن ترفع عن هذه الديار الرَبا والزَنا وأسبابَهُما، وأن تدفع عنا الزلازلَ والمِحَنَ وسُوءَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ، عن هذه البلاد خاصة، وعن سائر بلاد المؤمنين بعامةٍ، أنت أَجْوَدُ الأجْوَدِينَ، وأرحم الراحمين.
عِبادَ الرَّحمن، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾. [سورة النحل]، اذكروا الله العظيم الجليل يَذْكُرْكم، واشكروه على عُمُومِ النَعَم يَزِدْكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [سورة العنكبوت :45].