عندما تجد خطيب الجامع يُلقي خطبة عن صلاة الفجر ويُبيّن فضلها وأهميتها، وكيف وصل الحال بالمسلمين من تضييع البعض تارة والتهاون فيها تارة أُخر؛ فلا تعجَب.. فمع كل خُطَب الجمعة هذه ودروس العِلم والمحاضرات هنا وهناك؛ ومع كل هذه التحذيرات والتشديد عليها، إلا أننا نرى -حتى الآن- الكثير من التفريط في هذه الفريضة العظيمة.
إذا كنت استمعت من قبل لخطبة عن صلاة الفجر لمحمد حسان -هذا الشَّيخ والداعية الجليل- ومدى تأثّرك وتأثّر الحاضرون أيضًا لما قاله، ثم تذهب للمساجد وقت صلاة الفجر فلا تجد إلا القلائل من العجائز؛ فأحمد ربَّك أنك من الصّفوة الذين اختارهم الله ﷻ ليكونوا من المحافظين على صلاة الفجر في جماعة في المسجد.. واقرأ هذه الخطبة لمزيد وعيٍ وتثقيف.
مقدمة الخطبة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله بلغ وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في سبيل ربه حق الجهاد.
ولم يترك شيئًا مما أُمر به إلا بلغه، فتح الله به أعينا عميا وآذانا صمًا وقلوبا غلفا، وهدى الناس من الضلالة، ونجاهم من الجهالة، وبصرهم من العمى، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وهداهم بإذن ربه إلى صراط مستقيم.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى بهداه.
الخطبة الأولى
أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله ﷻ وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.
أما بعد أيها المسلمون عباد الله؛ فإن ربنا ﷻ برحمته ومَنه وكرمه قد جعل لنا في هذه الدنيا أوقاتًا نتزود فيها من معاشنا لمعادنا، ومن دنيانا لآخرتنا، نفارق فيها هوى النفس ورغبتها في الإخلاد إلى الأرض.
فجعل لنا ربنا ﷻ في كل يوم وليلة هذه الصلوات الخمس المكتوبات، وفي كل أسبوع صلاة الجمعة، وفي كل سنة شهر رمضان، وفي العمر كله رحلة الحج.
هذه أوقاتٌ نتزود فيها للقاء ربنا ﷻ، نتزود من الطاعات، نتسابق في الخيرات، نتنافس في القربات رجاء ما عند الله من أجر وثواب.
قال رسول الله ﷺ «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر».
صلاة الفجر.. اغتنموا الثواب العظيم
أيها المسلمون عباد الله إذا كانت الصلوات الخمس المكتوبات مما افترضه الله ﷻ علينا في كل يوم وليلة فإن أهمها وأكدها صلاة الفجر.
أقول هذا الكلام إخوتي في الله لأن فترة الصيف في قصر ليلها وطول نهارها قد تدفع ناسًا للتهاون بهذه الصلاة المكتوبة هذه الصلاة العظيمة التي فيها من المزايا والخصائص ما ليس في غيرها.
صلاة الفجر أيها المسلمون عباد الله من خصائصها أنها صلاة مشهودة، تشهدها الملائكة قال الله ﷻ ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾.
فضل صلاة الجماعة
ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال «صلاة الجميع تزيد على صلاة أحدكم وحده خمسة وعشرين جزءا، وإن الملائكة تجتمع في صلاة الفجر».
قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: اقرءوا إن شئتم ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾.
صلاة الجميع أي؛ صلاة الجماعة تزيد على صلاة أحدكم وحده خمسة وعشرين جزءا، وإن الملائكة تجتمع في صلاة الفجر.
حافظوا على صلاة الفجر في وقتها
من مزايا هذه الصلاة المباركة أيها المسلمون عباد الله أنها سبب لأن يكرمك الله يوم القيامة بالنظر إلى وجهه الكريم.
قال رسول الله ﷺ «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، أو كما ترون الشمس ليس دونها سحاب».
فمن استطاع منكم ألا يُغلب على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فليفعل.
يقول جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- كنا عند رسول الله صلى الله وسلم فنظر إلى القمر فقال «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تُضامون في رؤيته» أي لا تتزاحمون، بل كل منكم من مكانه من غير مزاحمة، ما سبب هذا الإكرام؟ المحافظة على هذه الصلاة المباركة؛ صلاة الفجر في وقتها.
صلاة الفجر خير وفير
صلاة الفجر أيها المسلمون عباد الله فيها من الخير ما لا يعلمه إلا الله.
الحديث عن أمنا عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله ﷺ قال «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» ركعتا الفجر أي؛ السُنة التي نصليها قبل الفريضة.
إذا كانت سُنة الفجر خيرا من الدنيا وما فيها فما بالكم بالفريضة؟
صلاة الفجر أمان من النار
صلاة أيها المسلمون أمان من النار الحديث عن بريدة الأسلمي -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» يعني؛ صلاة الصبح وصلاة العصر.
لن يلج النار، هذا كلام من لا ينطق عن الهوى ﷺ «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها».
صلاة الفجر ضمان للجنة
وصلاة الفجر ضمان للجنة إن شاء الله، قال -عليه الصلاة والسلام- «من صلى البردين دخل الجنة»، والبردان هُما الصبح والعصر.
ثم من أهم المزايا إخوتي في الله أن صلاة الفجر معيار لمعرفة النفاق.
نسأل أن يجيرنا من النفاق، صلاة الفجر معيار من أجل أن يعرف الإنسان نفسه.
الناس يهتمون بأن يجروا فحصًا من أجل أن يعرفوا الأوبئة والأمراض ليجتنبوها أو ليعالجوها إذا أراد الواحد منا أن يعرف نفسه أمن أهل الإيمان هو أم من أهل النفاق عياذاً بالله؟ فلينظر إلى حاله مع صلاة الفجر مع صلاة الصبح.
قال رسول الله ﷺ «ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا».
لو يعلمون ما فيهما أي؛ من الفضل والأجر والخصائص والمزايا لأتوهما ولو حبوا.
صلاة الفجر حيوية ونشاط
وصلاة الفجر أيها المسلمون سبب لحيوية النفس، لنشاط الجسد، لبركة اليوم.
قال رسول الله ﷺ «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان».
يا أيها المسلمون، يا عباد الله على الواحد منا أن يتفكر في عاقبة المحافظة على هذه الصلاة المباركة.
صحيح أن الإنسان يفارق لذة النوم، ودفء الفراش، ويخرج إلى بيت الله ﷻ في الظلام لكن ما هي العاقبة؟ يقول رسول الله ﷺ «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة».
هذه الخطوات التي تنقلها إلى بيت الله ﷻ تجدها يوم القيامة في صحيفة حسناتك ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾.
هذه الأرض تشهد لنا أو تشهد علينا ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا | وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا | وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا | يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾.
قال رسول الله ﷺ «تُحدث بما عمل كل امرئ على ظهرها».
إذا مات ابن آدم كما قال علي -رضي الله عنه-: يبكي عليه موضعان، موضع سجوده في الأرض، وموضع صعود عمله الصالح في السماء ثم تلا ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾.
الكافر أو الفاجر إذا مات لا تبكي عليه السماء ولا الأرض أما المؤمن فإنه يبكي عليه موضعان، موضع سجوده في الأرض وموضع صعود عمله الصالح في السماء.
فالله الله معشر المسلمين في هذه الصلوات الخمس المكتوبات، والله الله في صلاة الفجر التي أمرنا رسول الله ﷺ بأن نحرص عليها، وأن ننقل الخُطى إلى بيوت الله ﷻ سعيًا إليها «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الذنوب ويرفع الدرجات» قالوا: بلى يا رسول الله قال «إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المسجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلك الرباط ثلاث مرات».
توبوا إلى الله واستغفروه.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله النبي الأمين بعثه الله بالهدى واليقين لينذر من كان حيًا ويحق القول على الكافرين.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، وآل كل وصحب كل أجمعين، وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين، وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين.
أما بعد أيها المسلمون عباد الله فقد مرت بنا شهور غُلقت فيها المساجد، وعُطلت فيها الجُمع والجماعات بقدر من الله ﷻ.
وبفضل من ربنا سبحانه عادت المساجد ففتحت أبوابها وسعى إليها الموحدون من عباد الله فرحين مستبشرين مستشعرين نعمة الله ﷻ.
عباد الله؛ ألا وصلوا وسلموا على نبيكم ﷺ فإن الله ﷻ قد أمركم بذلك فقال جل من قائل ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل على سيدنا محمد في الأولين وصل على سيدنا محمد في الآخرين، وصل على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
الدعاء
- اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا أخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
- اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا أجمعين، وفك أسر المأسورين، ووسع على عبادك المقلين برحمتك يا أرحم الراحمين.
- اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين، لك مطواعين لك مخبتين، إليك أواهين منيبين.
- اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، واجب دعوتنا، وثبت حجتنا وسدد ألسنتنا واهد قلوبنا، واسلل سخيمة صدورنا.
- اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سِلما لأوليائك حربا لأعدائك، نحب بحبك من أطاعك من خلقك، ونعادي بعداوتك من خالفك.
- اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، وارفع لهم الدرجات الحياة وبعد الممات إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
- اللهم اغفر لأمهاتنا وآبائنا وارحمهم كما ربونا صغارا.
- اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا.
- اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا.
- ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
- اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين.
وأقم الصلاة.
خطبة: صلاة الفجر
- ألقاها: د. عبدالحي يوسف -جزاه الله خيرا-.
- فحواها: هزَّة قويَّة في قلوب الذين يتهاونون في صلاة الفجر، وزلزال عنيف تحت أقدام الذين دأبوا على تضييع هذا الفرض العظيم، أو الذين تركوه بالكُليَّة والعياذ بالله. وبالطبع بشائِر عظيمة للذين يحافظون على صلاة الفجر، ويحرصون على آدائها في جماعة المسلمين وفي المسجد.
- مقترح: خطبة عن الصلاة مكتوبة ومنسقة – بآيات وأحاديث وقصص مؤثرة