أيها الأكارم الأفاضل في كل بلد عربي وإسلامي؛ بين أيديكُم الآن خطبة صلاة الاستسقاء مكتوبة مؤثرة ومبكية؛ وقد وفَّرناها لكم مشكولة -بالقدر الذي يلزم-؛ ويُمكنكم طلبها بصيغة PDF -إن أردتُم- وسنعمل على تلبية طلبكم.
وكما اعتدنا هنا في ملتقى الخطباء بموقع المزيد نعمل بشكل مُكثَّف على تلبية ما تطلبون من الخطب المنبرية والمحفلية؛ فما عليكم سوى أن تمدونا بما تطلبون وتعطونا آرائَكُم فيما وجدتم.
مقدمة الخطبة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا ومولانا محمدا عبده ورسوله، شهادة أسأله -جل وعلا- أن يجعلها لي ولكم وديعة عنده في خزائِن حِفظِه، نلقاه بها غير خزايا ولا مفتونين ولا مبدلين ولا مغيرين.
الخطبة الأولى
يقول الحق -سبحانه وتعالى- في محكم التنزيل (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا)، صدق الله عز وجل، وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم فيما بلغ عن ربه.
فلنستغفر الله العظيم ونتوب اليه؛ نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله.
اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا جِئنا إلى ساحة جودك، وجِئنا إلى ساحة كرمك، وجئنا إلى ساحة فضلك ونحن عبيدك المقصرون، ونحن عبيدك المذنبون، إلا أنه لنا ربّا رحيما كريما عفوًا رحمانًا رحيمًا؛ اللهم لا تطردنا من بابك، ولا تطردنا من رحابك، وتولنا بعنايتك، وتولنا برحمتك، واعف عنا يا عفو، واعف عنا يا كريم، وتب علينا يا تواب.
أيها الإخوة الأعزاء؛ صلاة الاستسقاء سنة على سيدنا محمد، استسقى بنفسه عليه الصلاة والسلام لأمته، وتبعه بعد ذلك الخلفاء الراشدون سيدنا أبو بكر الصديق، وسيدنا عمر بن الخطاب، وسيدنا عثمان بن عفان، وسيدنا علي بن أبي طالب.
وهكذا توالت صلاة الاستسقاء في حياة المسلمين لأنها مظهرًا من مظاهر العبودية لله -سبحانه وتعالى-.
صلاة الاستسقاء مظهرٌ من مظاهر العبودية لله تعالى في الإسلام؛ وكأن لسان الحق -سبحانه وتعالى- يقول لنا: يا عبادي لا تخافوا، ولا عبادي لا تحزنوا، ويا عبادي لا تيأسوا ولا تقنطوا؛ فإنما لكم صِلةٌ فيما بيني وبينكم، إنما هي الصلاة؛ بالصلاة تُقضى حوائجكم، بالصلاة يستجاب دعاؤكم، بالصلاة تُستمطرون وتمطَرون من السماء وينزل عليكم الغيث، بالسماء تُقضى الحاجات ويذهب الهم والغم.
صلاة الاستسقاء منهجًا نبويًا فريدًا
شَكَوْا إليه وقالوا يا رسول الله، لقد توقفت السماء، فهلك الزرع، وانقطعت السبل يا رسول الله؛ أُدع الله لنا، وهو على منبره الشريف، وما زال يدعوا حتى نزلت الأمطار؛ فما نزل من على منبره إلا وأثر الأمطار على وجه سيدنا رسول الله صلى الله وسلم.
ويأتيه آخر فيقول، أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك. قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي ، اللهم فشفعه فيّ.
اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونسترحِمُك، ونستغفرك ونستمطِرُك، ونستغفرك ونسترزِقُك، ونستغفرك ونتوب إليك؛ لا تعاملنا بذنوبنا ولا تعاملنا بما فعلنا نحن ولا بما فعل السفهاء منا.
أيها الإخوة الأعزاء، هذه ساعة إجابة، فإن صلاة الاستسقاء باب من أبواب نزول رحماتِ الله -سبحانه وتعالى-؛ إذًا هي ساعةٌ كريمةٌ مباركة.
اُدْخُلُوا على الله من باب الذل والانكسار
المطلوب مِنّا الآن أن نتنصَّل من ذنوبنا، أن نتنصَّل من عيوبنا، أن ندخل على الله من باب الذل والانكسار، أن كل مِنّا يقوله في نفسه: اللهم لا تحرم عبادك بذنبي، اللهم لا تحرم عبادك بتقصيري.
كل واحد مِنا يقول: يا رب، أنا أسوأ واحد في هذا المجمع، أنا أسوأ إنسان في هذه الصلاة، اللهم لا تحرمهم بذنوبي، اللهم لا تحرمهم بتقصيري.
هكذا علينا أن ندخل على الله بباب الذل والانكسار. نعم، نستغفر الله من قلوبنا، من أعماقِ قلوبنا أيها الإخوة الأعزاء.
اِعْتَصِرُوا قلوبكم بالندم، واِعْتَصِرُوا قلوبكم بالتوبة والرجوع والإنابة إلى الله -سبحانه وتعالى-.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه؛ فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا ومولانا محمدا عبده ورسوله شهادة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي لنا بها جميع الحاجات، وترفعنا بها عندك أقصى الغايات وأعلى الدرجات، وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات.
نعم؛ أيها المؤمنون، صلاة الاستسقاء مظهرٌ من مظاهر العبودية لله -عز وجل-؛ لسان حالنا يقول: يا رب، جئناك تائبين، ونحن عبيدك المذنبون، ونحن عبيدك المقصرون، ونحن لا حول لنا ولا قوة لنا إلا بك يا رب العالمين. إن لم تُغِثنا فليس لنا من يُغيثُنا، إن لم تعطِنا فليس لنا من يعطينا.
تجديد العهد
صلاة الاستسقاء تجدد العهد مع الله -سبحانه وتعالى-؛ عهد العبودية لله، عهد الثقة مع الله، إظهار قدرة الله -عز وجل-.
لسان حالنا يقول: يا رب أنت الذي على كل شيء قدير، أنت القادر على أن تُنزّل علينا الغيث، أنت القادر على أن ترزقنا؛ لا يستطيع أحدٌ أن ينزل الغيث، الله تعالى هو الذي ينزل الغيث، وهو الذي يغيب عباده من بعد ما قنطوا، وينشر رحمته، وهو الولي الحميد -سبحانه وتعالى-.
إذًا؛ صلاة الاستسقاء سنَّها لنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لنُظهِر فيها العبودية والتذلل والافتقار الله -سبحانه وتعالى- عِلمًا مِنَّا أن الكل بيد الله. يقول -عز من قائِل- في الآية ٧٨ من سورة النساء (قل كل من عند الله فمال هٰؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا).
نعم؛ قل كل من عند الله. الله -تعالى- يقول لسيدنا موسى: يا موسى سلني ولو ملح عجينك، وشسع نعلك.
لكننا أيضًا نخرج إلى صلاة الاستسقاء نقول للناس وللدنيا: نحن عبيد الله، نحن لا نخشى من شيءٍ أبدا، نحن لا نخشى المستقبل، ولا نخشى الفقر، ولا نخشى أزمة المياه؛ لأننا عبيدٌ لله؛ نسأل من الله فيُنزِل علينا الأمطار، ويُغِيثنا ويرزقنا ويكرمنا.
نعم؛ نحن نأتي إلى هذه الساحة، وكلنا أمل في الله -عز وجل- أنه سيُغِيثنا -سبحانه وتعالى- من فضله وجوده وكرمه؛ وهذا يقيننا بالله؛ لقول الله تعالى في الحديث القدسي (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن عبدي ما شاء).
جزاك الله عنا خيرا يا رسول الله؛ حيث وصلت قلوبنا بالله، حيثُ علَّمتنا صلاة الاستسقاء، وعلمتنا صلاة الحاجة، وعلمتنا كيف نتَّصِل بالسماء، نتَّصِل بمالك الملك وملك الملوك -سبحانه وتعالى-.
اللهم يا رب لا نخرج من هذه الساعة المباركة إلا وقد أغثتنا، إلا وقد سقيتنا، إلا وقد نظرت إلينا نظرة رحمة يا رب العالمين.
عباد الله؛ مما يبعث على الأمل العظيم أن سيدنا سليمان عليه السلام خرج يستقي، فرأى نملةً مستلقيَةً على ظهرها، رافعةً قوائمَها إلى السماء، تقول: اللهم، إنا خَلْقٌ مِن خلقِك، ليس بنا غنًى عن سُقيَاك، فقال لهم سليمان: ارجعوا؛ فقد سُقيتُم بدعوة غيركم.
ورسول الله -عليه الصلاة والسلام- يقول (لولا شباب خشع، وشيوخ ركع، وأطفال رضع، وبهائم رتع، لصب عليكم العذاب صبا).
اللهم اعف عنا، اللهم ارحمنا، اللهم تب علينا، اللهم تجاوز عنا يا رب العالمين.
دعاء الاستسقاء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين؛ يا صريخ المستصرخين، يا غياث المستغيثين، يا جار المستجيرين، يا أمان الخائفين، يا كنز الفقراء، يا حرز الضعفاء، يا مُجمِلُ يا مُتفضِّل، يا حنان يا منان، يا حنان يا منان، يا حنان يا منان، يا ذا الجود والإحسان، يا ذا الطول والإنعام، يا ظهر اللاجئين، يا جار المستجيرين؛ تُبنا إليك، تبنا إليك، رجعنا إليك، ندمنا على ما فعلنا.
يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين؛ اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فإنَّك علينا قادر، والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير؛ انك علي ما تشاء قدير، يا نعم المولى ونعم النصير؛ غفرانك ربنا وإليك المصير.
اللهم اسقنا الغيث، اللهم اسقنا الغيث، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم اسقنا غيثًا مُغيثًا، مريئًا مَريعًا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين؛ اسقنا سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة تُنبت لنا بها الزرع وتدر لنا بها الضرع، وتجعلها رحمة إلى عبادك يا رب العالمين، وتجعلها رحمة وبلاغا إلى حين.
يا أرحم الراحمين، يا خير من سُئِل، يا أكرم ولا أعطى، انقطع الرجاء وعزتك إلا منك؛ نجنا مما نحن فيه، أعِنا على ما نحن عليه.
يا رحمن الدنيا والآخرة، يا رحمن الدنيا والآخرة، يا رحمن الدنيا والآخرة، يا رحمن الدنيا والآخرة، ارحم عبيدًا لا يملكون دنيا ولا آخرة، ارحم عبيدك الضعفاء.
جئنا إليك تائبين، جئنا اليك مستغفرين، جئنا إليك متنصلين من ذنوبنا؛ يا أرحم الراحمين، فإن لم تغفر لنا فمن يغفر لنا؛ فإن لم ترحمنا فمن يرحمنا؛ فإن لم ترزقنا فمن يرزقنا؛ فإن لم تُغِثنا فمن يغيثنا.
لا إله إلا أنت، لا إله إلا أنت، ولا رب سواك؛ يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين، يا حنان يا منان، اغفر لمن ظلم وأساء.
يا من لا تضره الذنوب، ولا تنقصه المغفرة؛ هب لنا ما لا ينقصك، واغفر لنا من لا يضرك.
مولانا نسألك فرجًا قريبا، وصبرًا جميلا، وعلما نافعا، وقلبا خاشعا، وطرفاً دامعاً، ولسانا ذاكرا ورزقا حلالا كثيرًا طيبًا واسعا.
يا مغيث أغِثنا، يا مغيث أغِثنا، يا مغيث أغِثنا.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
تفاصيل الخطبة
- عنوانها: خطبة صلاة الاستسقاء مكتوبة مؤثرة ومبكية.
- ألقاها: فضيلة الشيخ الدكتور منير الكمنتر.
- فحواها: هذه خطبة صلاة الاستسقاء «مكتوبة»؛ ألقاها الإمام بصحبة حشْد من المسلمين، متضرعين إلى المولى -عز وجل-؛ ويبتهلون بأعذب الدعاء المؤثر. نتمنَّى أن تنتفعوا بالخطبة وما احتوت عليه.
- مُقترَح: خطبة الاستسقاء مكتوبة ومصحوبة بدعاء مؤثر وعذب
جزاكم الله خيرا ونفع الله بكم البلاد والعباد.