ولعلَّ تِلك هي من الأجمل مما ستقرؤون؛ انها خطبة جمعة مكتوبة عن صفات المؤمنين في القرآن الكريم. تلك التي سيسوقها إليكم الخطيب في خطبته القوية، مشكولة الآيات، عظيمة الفائِدة والدروس القيّمة.
وهنا في ملتقى الخطباء والدعاة بموقع المزيد نوفرها لكل إمام وخطيب لطالما أراد أن يُقدم النافع المفيد لكل المصلين والمؤمنين الذين ينشدون منه الأكثر أثرًا في القلوب وموعِظة لهم في حياتهم لأُخراهُم.
مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وليُّ الصالحين. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي الأمين، صلِّ اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فاتقوا الله حق تقاته واعملوا بطاعته لمرضاته، واعلموا أنَّ الجنة أُعدت للمتقين.
الخطبة الأولى
أيها الإخوة المسلمون، يقول الله -تعالى- في كتابه الكريم، في سورة الأنفال {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ | الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ | أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}.
في هذه الآيات المباركات يبيّن الله -سبحانه وتعالى- بعض صفات المؤمنين وذكر هنا خمس صفات، وهي وجل القلب عند ذكر الله -عز وجل-، وزيادة الإيمان عند تلاوة القرآن الكريم وسماعه والتوكل على الله -عز وجل- وإقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله.
هذه صفاتٌ وصف الله -تعالى- بها المؤمنين لعلنا نقف في هذه الدقائق مع كل صفة وقفة يسيرة لعلنا ننتفع بها ليوفقنا ربنا -سبحانه وتعالى- للعمل بما نقول ونسمع.
الصفة الأولى
الصفة الأولى من صفات المؤمنين التي وردت في هذه الآيات أيها الكِرام هي وجل القلب عند ذكر الله -عزَّ وجَل-، فالمؤمن إذا ذكر ربه -سبحانه- وجِل قلبه، وإذا ذُكِّر بالله -سبحانه وتعالى- وجل قلبه.
فمن ذُكِر رب العالمين -سبحانه وتعالى- أمامه ولم يتأثَّر قلبه ولم يجل بذكر ربه -سبحانه وتعالى- فليعلم أن في قلبه شيئًا من النفاق.
قال عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في هذه الآية: المنافقون لا يدخل قلوبهم شيءٌ من القرآن الكريم ولا من ذِكر الله -عز وجل- عند أداء فرائِضه ولا يؤمنون بشيء من آياته. أما المؤمن؛ إذا ذُكِر ربه يستحضِر جلال الله ويستحضِر شِدَّة بأسِه وسِعة ثوابه عند ذكر الله -سبحانه وتعالى-.
وكذلك المؤمن إذا همَّ بذنبٍ أو بمعصية، وذكَّره أحدٌ بالله -عز وجل- تذكر ورجع.
قال سفيان الثوري -رحمه الله-: سمعت السُّدّي يقول في قول الله -تعالى- {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}، قال: هو الرجل يريد أن يظلم -أو قال- يهِمّ بمعصية فيُقال له اتق الله، فيجل قلبه.
ومصداق ذلك قول الله -تعالى- في صفات المتقين، في سورة آل عمران {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
وعن المتصفين بوجل القلوب، سماهم الله -عز وجل- بالمخبتين وبشرهم بشارة مطلقة في قول الله -عز وجل- في سورة الحج {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ | الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ..} إلى آخر الآية.
وجعل الله -عز وجل- طُمأنينة القلب وراحة النفس بذكره -عز وجل-؛ قال -سبحانه- في سورة الرعد {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
وقد جمع رب العالمين -سبحانه وتعالى- بين وجل القلوب وخوفها من الله -سبحانه- إذا ذُكِّروا بربهم؛ وبين طُمأنينة القلب بذكر الله -عز وجل- في قوله -سبحانه- في سورة الزمر {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}، أي تسكن نفوسهم إذا ذُكِر رب العالمين -سبحانه-.
فالعبد المؤمن يخاف ربه، ويخشى ربه -عز وجل- حينما يتذكر عظمته وجلاله؛ ومع ذلك إذا ذُكِر الله اطمئنَّ قلبه وسكنت نفسه بذكر ربه -عز وجل-.
ولذلك؛ كان حال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله تعالى عنهم- عند قراءة القرآن وعند ذكر الله -عز وجل- الخشوع لله والخوف منه -سبحانه- والتعظيم لجلاله. فكانت معرفتهم بربهم تجعلهم يتأثّرون، فيبكون ويدمعون، لا يصرخون.
قال -عز وجل- في سورة المائدة {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.
أما من كان حاله عند قراءة القرآن وعند ذكر الله صراخًا وعويلا فليس على هديهم وليس على طريقتهم.
ولقد كان الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- عندما يعظهم النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت عيونهم تدمَع، وكانت قلوبهم توجَل، وكانت نفوسهم تخشع. كما قال العرباض بن سارية -رضي الله تعالى عنه-: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب.. إلى آخر الحديث.
هذه الصفة الأولى من صفات المؤمنين في القرآن الكريم، والتي ذكرها ربنا -سبحانه في هذا السياق.
الصفة الثانية
أما الصفة الثانية، وهي زيادة الإيمان إذا تُليَت عليهم آيات الله -عز وجل-.
قال الله -تعالى- في سورة التوبة {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}. هؤلاء هم المؤمنون.
وقد استدل الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بهذه الآية وأشباهها على زيادة الإيمان ونقصانه في قلوب المؤمنين، وهو مذهب جمهور الأئِمة؛ بل حكى الإجماع على ذلك غير واحدٍ من الأئمة والعلماء.
ولذلك كانت قاعدة من قواعِد أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص؛ يزيد بالطَّاعة وينقص بالمعصية.
فشتَّان بين قلبٍ يذكر الله -عز وجل- وبين قلبٍ يغفل عن ذكر الله -سبحانه وتعالى-؛ شتان بين القلب وهو في بيئة الطاعة وبينه وهو في بيئة المعصية.
فرقٌ كبير بين هذا وذاك.
هنا يزداد الإيمان، وحينما يبتعِد العبد عن ربه ينقص الإيمان.
فالمؤمن حينما تُتلى عليه آياتُ الله يلقي لها سمعه ويستحضر قلبه ليتدبَّر القرآن، فإذا تدبَّر تبيَّن له معنىً كان يجهله، وتذكَّر شيئا كان قد نسيه؛ فتزداد الرغبة إلى الخير في قلبه ويشتاق لثواب ربه ويخشى من عقوبته، فعِندئذٍ يزداد إيمانه وتصديقه برب العالمين -سبحانه وتعالى-.
الصفة الثالثة
أما الصفة الثالثة؛ وهي التوكل على الله -عز وجل-.
والتوكل على الله بابٌ عظيم من أبواب الاعتقاد، وهو من أعمال القلوب. وقد دلَّ على ذلك قول رب العالمين -سبحانه- في سورة الفاتحة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. قال ابن القيم -رحمه الله-: التوكل نصف الدين، والنصف الثاني الإنابة؛ فإن الدين استعانة وعبادة، فالتوكل هو الاستعانة والإنابة في العبادة.
والتوكل -كما عرَّفه والعلماء- هو صدق اعتماد القلب على الله -عز وجل- في استجلاب المنافع ودفع المضار؛ مع الأخذ بالأسباب، وأن يكِل العبد الأمور كلها إلى الله -سبحانه- وأن يحقق الإيمان؛ بأنه لا يُعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سوى رب العالمين جل وعلا.
ولقد جاء الأمر بالتوكل في القرآن الكريم كثيرا، بل شمل الأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال الله -عز وجل- في سورة هود {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}. وقال -جلَّ شأنه- في سورة الشعراء {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ | الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ | وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}.
ولقد كثر في القرآن الكريم قول الله -تعالى- {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}.
إن دلَّ على شيءٍ فإنما يدل على أهمية التوكل على الله -عز وجل-. لذلك نكرر ونردد في الصباح والمساء قائلين: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
ولقد كان الأنبياء والمرسلين يأمرون أقوامهم بالتوكل على الله -عز وجل- في أمورهم كلها، بل بيَّنوا لهم أنهم معهم متوكلون على الله في دعوتهم وتبليغ رسالتهم وفي كل شأنٍ من شؤونهم.
قالها نبي الله نوح -عليه السلام-، وقالها نبي الله شعيب -عليه السلام-، وقالها نبي الله هود -عليه السلام-؛ وقالها الأنبياء والمرسلين كلهم.
وقد بيَّن ربنا -سبحانه وتعالى- ذلك في القرآن الكريم حينما أخبرنا عن قولهم -في سورة إبراهيم- {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}.
لذلك؛ يجب على المسلم إذا خرج من بيته أن يكِل أموره كلها إلى الله -سبحانه وتعالى- وأن يجعل اعتماده على ربه. ويُسَنّ له أن يُردد الذكر الوارد في ذلك، وهو الذي جاء في الحديث في سنن أبي داود -رحمه الله تعالى-، عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى- عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ قَالَ -يعنِي إذا خرَجَ مِنْ بيْتِه-: بسمِ اللهِ تَوكَّلتُ على اللهِ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ، يُقالُ له: هُدِيتَ وكُفيتَ ووُقِيتَ، وتنَّحَّي عنه الشَّيطانُ».
وهناك فرقٌ بين التوكل والتواكل، فالذي يتوكل على الله -عز وجل- يجعل اعتماده على الله ويأخذ بالأسباب؛ وهو الذي عناه النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله «لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا».
هل رأيتم طيرًا ظَلَّ في عُشّه حينما تطلع الشمس؟ كلا، بل حينما يشرق ضوء النهار تسمع صوت الطيور قد خرجت من أوكارها لتبحث عن رزق الله -سبحانه وتعالى-، فما تعود إلا وقد امتلأت خواصرها برزق الله -عزَّ وجل- لها.
والتوكل هو الذي عناه رب العالمين -سبحانه وتعالى- في ذِكر أُم موسى -عليه السلام-؛ لمَّا أوحى الله إليها أن تلقي ولدها في البحر. واقرأ في سورة القصص {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}، فلما استجابت لأمر ربها {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}.
أما التواكل فهو أن يدَّعى المرءُ أنه متوكِلٌ على الله، فلا يأخذ بالأسباب؛ وهو الذي عناه ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- حينما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}.
وأعظم جزاء للمتقين ما وعد به النبي الأمين -صلى الله عليه وسلم- لم ذكر السبعين ألف الذين يدخلون الجنَّة بغير حساب ولا عذاب، ذكر منهم «وعلى ربهم يتوكلون».
أسأل الله -تعالى- أن يجعلني وإياكم منهم، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثَّانية
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن على الأثر بإحسانٍ اقتفى.
الصفة الرابعة والخامسة
أمَّا بعد، فالصفة الرابعة والخامسة من صفات المؤمنين في القرآن الكريم التي ذُكِرَت في هذا السياق؛ هُما إقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله. ولم لا تكون هاتين الصفتين من صفات المؤمنين، وهما الركنان التاليان لشهادة التوحيد.
وقد جمع الله -تعالى- بينهما كثيرًا في الأمر بهما، كقول الله -تعالى- في سورة البقرة {وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ}. وجمع بينهما في الثناء على المتصفين بهما، كما قال -عز وجل- في سورة البقرة -أيضًا- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
أما عن الصلاة وحدها؛ وهي الصفة الرابعة من صفات المؤمنين التي ذُكِرَت في الآيات؛ فقد أمر الله -تعالى- بإقامتها والمحافظة عليها بقوله -في سورة البقرة- {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ}. وقال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-، في سورة طه {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}.
ولِم لا وهي أول ركن في الإسلام، بعد الشهادتين، وهي علامة للمتقين وصِلةٌ بين العبد وبين رب العالمين، وهي طُهرةٌ للذنوب والآثام، كما مثل النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك مثلا فقال «أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا».
وهي قرة عين النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان يقول يا بلال أقم الصلاة «يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها» فهي راحة للمؤمنين وثقيلة على المنافقين؛ كما قال عنهم رب العالمين، في سورة النساء {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}.
أما الصفة الخامسة من صفات المؤمنين يا إخواني؛ فهي الصدقة والإنفاق في سبيل الله؛ فقد أمر الله -تعالى- بأداء الزكاة المفرومة وتوعَّد من منعها بوعيد شديد في قوله -عز وجل- في سورة التوبة {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.
أما الصدقة النافلة فقد رغَّب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها ومثَّل الله -تعالى- مثلا لأجرها وثوابها وبيَّن أنها كحبه أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، وبيَّن أنه -تعالى- يضاعف لمن يشاء؛ ويكفي في هذا الموقف آيتان وحديث؛ فالآيتان قول رب العالمين -سبحانه وتعالى- في سورة المنافقون {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ}، وقوله -عزَّ وجَل- في سورة محمد {هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.
أما الحديث فهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم- «ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا».
فالمنفق يتفضَّل -تعالى- عليه بالاستجابة لدعوة الملك، أما المُمسِك فيدعو عليه الملك؛ نسأل الله السلامة والعافية.
هذه الصفات الخمس من صفات المؤمنين في القرآن الكريم بعد ما ذكرها ربنا -سبحانه- في هذه الآيات، شهد لهم بالإيمان الحق فقال {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}.
الدعاء
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم؛ ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللهم ألهِمنا رشدنا وأعِذنا من شر أنفسنا، وأحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة يا رب العالمين.
اللهم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهَّاب.
اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة ولوجهك خالِصة، ولا تجعل لأحد فيها حظا ولا نصيبًا.
هذا والحمد لله رب العالمين؛ وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
خطبة صفات المؤمنين في القرآن الكريم
ألقاها فضية الشيخ محمود الفقي؛ فجزاه الله كل خير.
احتوت الخطبة على عظيم الدروس والوصايا التي يجب أن تُنتقى من صفات المؤمنين التي ذُكِرَت في القرآن الكريم، والتي تسوقها الخطبة هنا من الآيات في سورة الأنفال.
احتوت الخطبة على آيات من كتاب الله وأحاديث من السُنَّة النبوية المطهَّرة والعديد من المواعِظ والدروس الجميلة والصفات التي يجدر بنا أن نتحلَّى بها لنفوز برضا الله -تبارك وتعالى-.
تنويه: هذه ليست الخطبة الرَّسمية المطروحة من وزارة الأوقاف عن صفات المؤمنين في القرآن الكريم؛ وانما هي من أحد الخطباء الأجِلَّاء، وهو الشيخ محمود الفقي. قدَّمناها إليكم مكتوبة وجاهزة لتنهلوا منها ما ينتفع بها المسلمون منكم في المساجِد.