عناصر الخطبة
- الإنسان خليفة الله في الأرض فعليه عند حدوث المرض والوباء أن يأخذ بالأسباب والاحتياطات اللازمة ليحافظ على صحته، ويصون قوته ويقيها سقمها وعلتها التي بها قوام دنياه وتدبير أمره.
- المحافظة على النفس البشرية في الإسلام من الضرورات الخمس وهذا يقتضي إبعادها عن كل أمر من شأنه الاضرار بها، ولذلك لا بد من المحافظة على النظافة العامة والخاصة والالتزام بالقواعد الصحية والوقائية السليمة.
- دفع الأوبئة واتخاذ التدابير الوقائية واجبٌ شرعي على الفرد والدولة والمجتمع على حدٍ سواء.
- الحمية واعتزال الناس خشية العدوى وتفشي الأمراض واجبان ومن يخالفهما آثمٌ شرعاً.
- من آداب الإسلام أن لا يخالطَ المريضُ الصحيحَ خوفاً أن يصيبه المرض بالعدوى، وخاصة إذا صار المرض وباء عاماً.
- الحجر الصحي من الوسائل الفعالة للحد من انتشار الأوبئة والأمراض في المجتمع، وهو ما فعله الصحابة رضوان الله عليهم في التعامل مع طاعون عمواس.
- من وسائل الوقاية من الأمراض تجنب المصافحة والتقبيل، كما يُشرع للمرضى عدم الحضور إلى الجمعة والجماعات، وأن يصلوا في منازلهم ولهم الأجر والمثوبة عند الله ﷻ.
- الإرشادات الطبية النبوية في الوقاية من الأمراض واضحة جلية وعزل المرضى عن الأصحاء عند انتشار الوباء مطلوب شرعاً ولا يصح مخالفته.
الخطبة الأولى
خلق الله ﷻ الإنسان وكرمه، وجعله خليفة له في الأرض قال ﷻ: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ البقرة:30، وإذا أراد الإنسان أن يقوم بمهمة الاستخلاف حق قيام فلا بد له أن يحافظ على الأدوات التي وهبه الله ﷻ إياها للقيام بهذه المهمة العظيمة، وأولاها أن يحافظ الإنسان على صحته التي بها قوام دنياه وتدبير أمره، يقول النبي ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» ← صحيح البخاري.
وقد جاء الدين الإسلامي بأحكامه وتشريعاته للحفاظ على الضرورات الخمس التي لا تصلح الحياة بدونها، وهي الحفاظ على الدين والعقل والنفس والمال والعرض.
ولنا عبرة وعظة من خلال منهج النبي ﷺ في التعامل مع الأمراض والأوبئة عند حلولها بأرض أو انتشارها بين الناس، فحين قدم النبي ﷺ إلى المدينة المنورة، كانت أرضاً موبوءة تنتشر فيها الحمى والأمراض المختلفة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “قدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، وكان بطحان وادي يجري نجلا أي ماء آجِنًا (متغيرا)” رواه البخاري.
فأمرهم النبي ﷺ بالاجتهاد وعدم الاستسلام للأمراض وبث روح العزيمة فيهم وأخذ التدابير والاحتياطات اللازمة، روى ابن هشام وابن كثير وغيرهما في السيرة النبوية عن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنه–: ” أن رسول الله ﷺ لما قدم المدينة هو وأصحابه أصابتهم حمى المدينة حتى جهدوا مرضا، وصرف الله ذلك عن نبيه ﷺ، حتى كانوا وما يصلون إلا وهم قعود، قال: فخرج رسول الله ﷺ وهم يصلون كذلك فقال لهم «صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم»، فتجشم المسلمون القيام على ما بهم من الضعف والسقم، التماس الفضل.
ودعا النبي ﷺ ربه ﷻ أن يرفع البلاء والوباء عن المدينة المنورة وأهلها، وسماها طيبة بعد أن كانت يثرب تفاؤلاً بمعافاتها من الأوبئة والأمراض فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان يقول في دعائه: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبا، وصححها، وبارك في صاعها ومدها، وانقل حماها فاجعلها بالجحفة» ← رواه البخاري.
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «كانوا يقولون يثرب والمدينة، فقال النبي ﷺ إن الله ﷻ سماها طيبة» ← رواه أحمد.
ومن المظاهر التي نستخلص منها العبر والدروس في الوقاية من الأمراض، إدارة الصحابة رضي الله عنهم لوباء طاعون عمواس الذي اجتاح بلاد الشام في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، ومات فيه خيار الصحابة كأبي عبيدة ومعاذ بن جبل وسهيل بن عمرو رضي الله عنهم أجمعين، وهذا دليل على حسن إدارة الصحابة وتعاملهم فيما يسمى اليوم بالحجر الصحي.
ومن مظاهر عناية الدولة بالحجر الصحي أنها هيأت المستشفيات وأماكن الحجر المناسبة حتى لا تنتشر الأمراض والأوبئة بين الناس وعلى كل فرد منا مسؤولية للحفاظ على المجتمع وأمنه الصحي والاحتياط لعدم انتشار الأمراض بين الناس من خلال اتباع الإجراءات والنصائح الصادرة عن الجهات الطبية المتخصصة كوزارة الصحة في بلادنا خاصة وأنها تنسجم مع التوجيهات النبوية الشريفة في الوقاية من الأمراض، ومن هذه الإجراءات:
1. الابتعاد عن تقبيل الآخرين والمعانقة لأن ذلك يؤدي إلى سرعة انتقال العدوى بين الناس، وقد ورد عن النبي ﷺ أن رجلاً سأله: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: «لَا»، قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: «لَا»، قَالَ: أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ← سنن الترمذي.
2. وإذا قال أهل الطب إن المصافحة تنقل العدوى فالاحتياط هو اجتنابها لحديث «لا ضرر ولا ضرار» ← أخرجه الشافعي. واجتناب مصافحة الآخرين واجتناب مصافحة المرضى، وعلى المريض أن يتحلى بالمسؤولية نحو الناس والمجتمع فلا يبادر بمخالطتهم ومصافحتهم، لقول النبي ﷺ «لا يُورِدَنَّ مُمرِضٌ على مُصِحٍّ» ← متفق عليه واللفظ للبخاري.
وقد ثبت عن النبي ﷺ أن امتنع عن مصافحة أصحاب الأمراض المعدية فعَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَنِ ارْجِعْ فَقَدْ بَايَعْنَاكَ» ← سنن ابن ماجه.
3. وكذلك يُشرع لمن أحسَّ بالمرض أن يبتعد عن الحضور إلى المسجد وأن يصلي في بيته فقد ورد أن النبي ﷺ قال صلوا في رحالكم،عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن عباس، أنه قال لمؤذنه في يوم مطير : (إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، قال: فكأن الناس استنكروا ذاك، فقال: أتعجبون من ذا، قد فعل ذا من هو خير مني، إن الجمعة عَزْمة، وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض)؛ رواه البخاري ومسلم، فإذا كان هذا في حال البرد والمطر فهو في الأمراض آكد وأولى شرعاً.
كما ينبغي تجنب التجمعات الكبيرة كالحفلات وبيوت العزاء، حرصاً على عدم عدوى غيره من الناس، وذلك هو هدي نبينا ﷺ، الذي يجب على المسلم الالتزام به، والله ﷻ يكتب له الأجر كاملاً إن شاء الله ﷻ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: مرض النبي ﷺ، فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» ← متفق عليه.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا» ← رواه البخاري.
فليس للمسلم أن يتحامل على نفسه بالمرض من أجل حضور الجماعة، بل ولا يجوز له حضورها إن علم أن به مرضاً يضر بالناس وينشر العدوى فيما بينهم.
4. ومن التدابير الوقائية للحد من الأمراض والأوبئة أن يحضر سجادة الصلاة الخاصة به إلى المسجد فيلتزمها ويصلي عليها وحده، فيكون قد حمى غيره من العدوى وتجنب الإضرار بالآخرين.
5. وكذلك ينبغي لكبار السن والصغار ممن يخشى عليهم من الأمراض والعدوى أن يتجنبوا أماكن التجمعات خشية انتقال الأمراض إليهم، وعلى المسلم الالتزام بكافة التعليمات والتوجيهات الصحية التي يصدرها أهل الاختصاص، كالاهتمام بالنظافة وغسل اليدين قبل لمس الوجه، والالتزام بالهدي النبوي عند العطاس والتثاؤب وقد ورد عن النبي ﷺ أنه كان إذا عطس غطى أنفه وخفض صوته، كما ينبغي الابتعاد عن بعض العادات المتداولة في مجتمعنا، كشرب القهوة من فنجان واحد، والأكل من إناء واحد، فإن ذلك قد يؤدي إلى انتشار الأمراض بين الناس.
⬛️ وهنا تجدون خطبة: توجيهات الإسلام للوقاية من الأمراض والأوبئة – مكتوبة
الخطبة الثانية
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
عباد الله: لقد اعتنى الإسلام بحالة المريض النفسية من خلال تعزيز الإيمان بالله ﷻ وأن ما يجري في الكون إنما هو بتقدير الله ﷻ وحكمته، وهو سبحانه يكشف الضر والمرض عن الناس قال ﷻ حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه السلام: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ الشعراء: 78–80، فما أصاب الإنسان إنما هو بقدر الله ﷻ، يقول النبي ﷺ: «ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك» ← رواه أبو داود.
والواجب علينا أفراداً ومؤسسات أن نلتزم هذا المنهج الرباني وأن نبتعد عن إثارة الإشاعات التي تبث الخوف بين الناس، وأن لا نضخم الأمور وندخل اليأس والإحباط في قلوب الناس، يقول النبي ﷺ: «مَنْ قَالَ: هَلَكَ النَّاسُ. فَهُوَ مِنْ أَهْلَكِهِمْ» ← رواه أبو داود. بل علينا أن نأخذ بالأسباب الوقائية والعلاجية لنتفادى الوباء ونحد من انتشاره.
سائلين المولى ﷻ أن يرفع عن الأمة والناس جميعاً الوباء والبلاء وسيء الأسقام، وأن يحفظ بلادنا وأمتنا من كلّ شر وسوء ومكروه، إنه سميع مجيب.
والحمد لله رب العالمين..
⬛️ وختامًا، نوصيكم بالاطلاع على: خطبة عن نعمة الصحة والعافية