شعبان شهر الإيمان والاستعداد لرمضان. نعم، هذا هو عنوان موضوع خطبة الجمعة لهذا الأسبوع. وأعتقد أنَّكُم –حتمًا– فطنتم إلى محتوى هذه الخطبة وما تهدُف إليه. بالطَّبع، ولِم لا ونحن في أوَّل أيام شهر شعبان، ويجدر بالخطباء الأجلاء في كل أرجاء العالم الإسلامي أن ينفعوا المسلمين بكل ما وَرَدَ في فضله وأهميَّته.
فما رأيُكم بهذه الخطبة يا أئمتنا.. وافونا –رجاءً– برأيكم بعد الاطلاع.
مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين؛ سبحانه سابغ النعم والخيرات، ومقيض الأرزاق والبركات؛ جَلّ شأنه الذي أحل لعباده الطيبات، وحرَّم عليهم الخبائِث والمُنكرات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يبارك لمن شاء فيما شاء وهو الكريم الرزاق، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله المبارك في الخلق والأخلاق، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الحشر والتلاق.
أما بعد: فأوصيكم –عباد الله– ونفسي بطاعة الله وتقواه؛ فإنه من اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه؛ ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾.
الخطبة الأولى
لقد أهلّ الله علينا هلال شهر شعبان، هذا الشهر العظيم الذي يَغْفُلُ عنه كثيرٌ من الناس، جاء في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» سنن النسائي.
فالناس يهتمون بشهر رجب؛ لأنه شهر الله الحرام، ويترقبون رمضان؛ لأنه شهر الطاعات والعبادات والقربات، ويأتي شهر شعبان بين هذين الشهرين، فأرشدنا رسول الله ﷺ إلى فضيلة هذا الشهر، لأنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله ﷻ، قال النبي ﷺ: « أحب أن يرفع عملي وأنا صائم».
وورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت:«كان رسول الله ﷺ يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيت رسول الله ﷺ استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان» ~ متفق عليه. فالنبي ﷺ كان يكثر الصيام في شعبان دلالة على فضيلة هذا الشهر العظيم واغتنام الأوقات التي يغفل عنها الناس بالتقرب بالطاعات، ولعلّ الحكمة من الصوم في شعبان أنه يدرب المسلم على صيام رمضان، قال ابن رجب –رحمه الله ﷻ–: وفيه: دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله ﷻ، وقال أيضا ابن رجب –رحمه الله–: صيامه كالتمرين على صيام رمضان، لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام، ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
لذا استحب العلماء أن يفعل في شعبان كل ما يسنُّ في رمضان، فيسنّ إخراج الزكاة في شعبان، ويسنُّ صلة الارحام في شعبان، روي عن أنس بن مالك –رضى الله عنه– أنه قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان أقبلوا على المصاحف فقرؤوها، وأخرجوا زكاة أموالهم؛ تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان.
مضى رجبٌ وما أحسنت فيه
وهذا شهرُ شعبانَ المبارك
فيامن ضيع الأوقات جهلاً
بحرمتها أفق واحذر بوارك
فسوف تفارقُ اللذات قسراً
ويخلي الموت كُرهاً منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا
بتوبة مخلصٍ واجعل مدارك
وفي شهر شعبان يرتبط المسلمون بمقدساتهم، ويتصل وجدانهم بنبيهم ﷺ، ففي شهر شعبان تنزلت الآيات الكريمات في إظهار مكانة النبي ﷺ وفضله وقدره عند الله ﷻ، ففي هذا الشهر المبارك أمر الله ﷻ بتحويل قبلة المسلمين من المسجد الأقصى المبارك إلى الكعبة المعظّمة، بعد أن صلى المسلمون إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً وثلاثة أيام، وكان النبي ﷺ يتوق إلى هذا التغيير، يترقب الوحي الرباني حتى أقرَّ الله عينه وأعطاه مُناه وحقق مطلوبه بما أرضاه، فنزل قول الله ﷻ: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ البقرة: 144، وهو مصداق قوله ﷻ: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ الضحى:5، ويتحقق فيه قول السيدة عائشة رضي الله عنها له: «مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ» صحيح البخاري، أي: يحقق لك مرادك بلا تأخير.
وشهر شعبان هو شهر الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ، حيث نزل قوله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب:56، قال بعض المفسرين: هَذَا التَّشْرِيفُ الَّذِي شَرَّفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْلَغُ وَأَتَمُّ مِنْ تَشْرِيفِ آدَمَ بِأَمْرِ الْمَلَائِكَةِ بِالسُّجُودِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ فِي ذَلِكَ التَّشْرِيفِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ، ثُمَّ عَنِ الْمَلَائِكَةِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَتَشْرِيفٌ صَدَرَ عَنْهُ أَبْلَغُ مِنْ تَشْرِيفٍ تختصّ به بالملائكة مِنْ غَيْرِ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ.
ونذكر في هذا الشهر العظيم أن من فاته قضاء صوم في الأشهر الماضية، أن يسارع إلى قضاء صومه قبل دخول شهر رمضان، إبراءً للذمة وليدخل رمضان وليس في ذمته شيء من ذلك، قال الله ﷻ: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرة: 184، وورد عن السيدة عائشة رضي الله ﷻ عنها: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ. ~ صحيح البخاري.
أما حديث النهي عن الصيام إذا دخل النصف الثاني من شعبان فهو نهيٌ عن صيام النافلة المطلَقة.
وهنا أيضًا خطبة: شعبان شهر النفحات الإيمانية والفضائل النبوية – مكتوبة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.
ولا تنسوا قول النبي ﷺ: من قال: «سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر»، ومن قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي»، ومن قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾، «أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه».
والحمد لله ربّ العالمين..
وبعد؛ فكانت هذه –يا إخواني الخطباء– خطبة الجمعة –مكتوبة– بعنوان: شعبان شهر الإيمان والاستعداد لرمضان. وإذا أردتُم المزيد؛ فهذه خطبة: شعبان يُذكِّرنا برمضان شهر القرآن – مكتوبة. والله ﷻ نسأل أن تنتفعوا بكل هذه الخطبة؛ أئمَّة كنتم أو مأمومين.