خطبة جمعة فريدة.. عن الذين ﴿سيجعل لهم الرحمن ودا﴾

خطبة جمعة فريدة.. عن الذين ﴿سيجعل لهم الرحمن ودا﴾

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي جمَّل قلوب المؤمنين بمودته، وشرف الصالحين المتقين بمحبته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، حبيب ربه ومصطفاه ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-، وأوفوا بعهده طلبا لمغفرته وهداه، فما ذلك إلا سبيل حبه سبحانه ورضاه ﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون: لا عجب أن يسعى المؤمن إلى الفوز بحب الله ﷻ له، فالمسلم الصادق تجده لا يقدم أمرا ولا يؤخره إلا مراعيا رضا الله ﷻ؛ فلا يعمل إلا صالحا، ولا يأتي إلا ما يجلب إلى قلبه التقوى، ويوصله إلى رضا الله ﷻ، وهذا الذي ينال به العبد حب مولاه، حتى ينشر سبحانه حب عبده في قلوب عباده، يقول ربنا جلت عظمته: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا﴾، فما أقبل العبد بالصالحات مخلصا لله متوجها إليه بها إلا أقبل عليه بقلوب المؤمنين حتى تناله مودتهم، يقول النبي ﷺ: «إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إني قد أحببت فلانا فأحبه، فينادي في السماء، ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض».

لكن السؤال الذي ينبغي لك أيها اللبيب أن تسأله نفسك، كيف أنال حب الله ﷻ؟ إن لك في كلام الله ﷻ وحديث نبيه ﷺ فسحة؛ فإن الله ﷻ بين لنا أن التائبين المتطهرين أحبابه عز وجل إذ قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾، ويعرفنا النبي ﷺ أن التقرب إلى الله ﷻ بالنوافل سبيل إلى بلوغ حبه إذ يقول: «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه».

عباد الله: لا بد أن يعلم المؤمن أن حب الله ﷻ لعباده ليس مفتاحا لكل نعم الدنيا؛ فالبعض يظن أن ما يمنع الله ﷻ عباده إياه من خيرها هو علامة على السخط وعدم الرضا، بل على العكس، فقد بين لنا النبي ﷺ أنه ﷻ قد يمنع محبوبه شيئا من شؤون الدنيا لمصلحة له في دينه وآخرته، يقول النبي ﷺ «إن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا، وهو يحبه، كما تحمون مريضكم من الطعام والشراب تخافونه عليه»، ففي الحديث بيان وتوضيح أن منعه سبحانه عباده المتقين من بعض أمور الدنيا هو ليس مقتا ولا غضبا ولا سخطا، بل حب ورحمة منه عز وجل.

فاتقوا الله -عباد الله-، وأطيعوا رسوله ومصطفاه، فذلك علامة على حبكم لله، ودليل صدق على إخلاصكم له سبحانه، فربنا جل شأنه يقول: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

وهذه أيضًا ⇐ خطبة: كنتم خير أمة أخرجت للناس – مكتوبة جاهزة

الخطبة الثانية

الحمد لله الولي، الذي يخرج أولياءه من الظلمات إلى النور، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله ﷺ وعلى آله وأصحابه المتقين إلى يوم النفخ في الصور.

أما بعد، فيا عباد الله: لقد بين لنا الله ﷻ في كتابه عددا من الأعمال التي يحب أصحابها والمتمسكين بها، وإن ممن يحبهم الله ﷻ المحسنين، يقول جل شأنه: ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.

ثم لا عجب أن المتوكل على الله حق التوكل هو من أحبابه سبحانه، وقد أوصى الله نبيه ﷺ بالتوكل عليه، فقال جل جلاله: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾، وأوصاه بالعدل والقسط ثم بين حبه للمقسطين فقال سبحانه: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾، وأمر به عباده فقال: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.

ولا ريب -أيها المؤمنون- أن الاتحاد والتآلف في طريق الله ﷻ ودينه أمر محبوب عند الله، يقول ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾.

والتزموا التقوى -عباد الله- منهجا في حياتكم؛ فإنها جالبة لحب ربكم، يقول الله جل وعلا: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

أضف تعليق

error: