كما أخبرناك بالعنوان؛ هذه خطبة في الصميم، تأتيكُم بعنوان: صلاح الحال والمآل بزكاة المال. وهي التي نُسلّط من خلالها الضَّوء على رُكن عظيم من أركان الإسلام، وهو الزَّكاة. وستكون الخطبة مُركَّزة ومُنسَّقة، بتنظيم دقيق.
نسأل الله ﷻ أن تنتفعوا بها، وسائِر المسلمين.
مقدمة الخطبة
الحمد لله ذي الطول والإنعام، دعا عباده لأداء زكاة المال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شرع للمؤمنين ما فيه التعاضد والتكافل والوئام، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أنشأ مجتمعا على عظيم الخصال، فكان أنموذجا للتآخي على مر الأزمان، ﷺ وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد، فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله والتعاون لما فيه الرضى، والبعد عن سوء المأوى، قال سبحانه: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
الخطبة الأولى
عباد الله؛ اعلموا أنه من التزم فرائض الله ﷻ فأداها كما أراد سبحانه كان الفلاح عاقبته، ونال من الله رحمته، ومن أجل تلكم الفرائض فريضة الزكاة، يقول الله ﷻ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.
فقد بينت الآيتان الكريمتان ما لإخراج الزكاة من أثر إيجابي على الغني؛ فهي تجمع ما بين التخلي عن الصفات المذمومة كالشح والبخل والأثرة، فيما يتضمنه معنى: ﴿تطهرهم﴾، وتجمع ما بين التحلي بالصفات المحمودة كالجود والكرم والإيثار مما يتضمنه معنى: ﴿تزكيهم﴾، وهي مفضية إلى توبة الله ﷻ ورحمته بالمزكي، فيعجل له ﷻ من ثوابه المعجل بركة في ماله، وسعة في رزقه، فضلا عما ادخر له من ثواب مؤجل في الدار الآخرة.
وهذه الثمار الطيبة –يا عباد الله– التي استحقها مخرج الزكاة هي عائدة لما للزكاة من منافع خاصة وعامة على الأفراد والمجتمعات بل على الأمة بأسرها، فتسهم في الجانب الاجتماعي من خلال ما توفره من تكافل، وتعاضد، وتعاون، فتشيع الألفة بين أفراد المجتمع، نتيجة توفير المستلزمات الضرورية للمحتاجين، ورفع العوز عن الفقراء والمساكين، من غير أن يشعروا بتفضل الأغنياء عليهم، إذ هو فضل الله، فرضه حقا لهم في ماله الذي جعل الأغنياء مستخلفين فيه ﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾.
يا عباد الله الكريم: إن المؤمن لتشتاق نفسه حينما يسمع ما أعده الله ﷻ من ثواب جزيل على إخراج الزكاة، فتطمح نفسه إلى أن يكون من الأغنياء الذين يخرجون زكاة أموالهم، فإذا آتاه الله ﷻ مالا فدخل في ملكه، فليحمد الله وليعلم كيف يخرج زكاته، فإن كان ذلك المال من الأنعام من إبل وبقر وغنم، فزكاتها بأعداد معينة في السنة النبوية المشرفة، وإن كان مالا أخضر فتخرج زكاته عند حصاده، ويكون فيه العشر إن سقته العيون والسماء، أو نصف العشر إن سقي بآلات استخراج الماء.
وأما النقدان، الذهب والفضة، فيكون فيهما ربع العشر. وهذا هو نفس المقدار المخرج في زكاة عروض التجارة، وكذا الحال فيما اجتمع لديه من مال نقدي؛ فنصاب الزكاة فيه كنصاب النقدين.
ولا تجب الزكاة في العمارات ووسائل النقل والمواصلات والمزارع والأراضي المؤجرة، بل تجب في مداخيلها وعوائدها النقدية إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول وهي في ملك صاحبها. ومن تأمل منصفا –أيها المؤمنون– فلن يرى أي كلفة فيما أوجبه الله ﷻ على عباده في أموالهم، فما الذي تساويه نسبة اثنين ونصف في المائة مع ما ينفقه بعضهم في سبيل تلبية رغباته؟! وربما وصل إلى الإسراف والتبذير، وقد جاء عن النبي ﷺ قوله: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه».
عباد الله: إن الحرص على صرف الزكاة في مواضعها المشروعة فريضة يجب مراعاتها عند إخراج الزكاة، إبراء للذمة عند الله، يقول سبحانه: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾، فقد حصرت هذه الآية الكريمة مصارف الزكاة في ثمانية، فلا يتعدى المزكي في زكاته فيعطيها غير من حدده الله ﷻ، وقد قال ﷺ: «لا صلاة لمانع الزكاة، [قالها ثلاثا]، والمتعدي فيها كمانعها»، أي حكم من تعدى في الزكاة فصرفها في غير مصارفها كحكم من منعها فأبى إخراجها.
فاتقوا الله –أيها المسلمون–، واحرصوا على أداء هذا الركن العظيم على أكمل الوجوه وأتمها، وأحسن الصور وأوفاها ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
وهذه أيضًا خطبة الزكاة: تزكية للنفس وتطهير للمال
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي شرع فرائض فلا تضيعوها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حد حدودا فلا تعتدوها، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، ﷺ وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم ينال السعادة مؤملوها.
أما بعد، فيا عباد الله: قد علمتم ما للزكاة من آثار حسنة على الأفراد والمجتمعات، ولأجل تحقق الأهداف المرجوة من الزكاة على أكمل وجه وضعت الدولة نظاما إلكترونيا سهلا لدفع الزكاة وتوزيعها، وشكلت لجان للزكاة على مستوى البلاد، تعنى بجمع الزكاة والصدقات، ويعمل فيها عاملون أدرى بالفقراء والمساكين في مناطقهم، ولكن –يا عباد الله– لجان الزكاة لن تستطيع أن تقوم بدورها وتحقق أهدافها ما لم تحظ بتعاون الأهالي، غنيهم وفقيرهم.
فأما الغني فهي عون له على القيام بما افترضه الله ﷻ عليه من أمر الزكاة، يساعده أفرادها على احتساب زكاة ماله، وإيصالها إلى المستحقين، وأما الفقير فلا يتردد في الكشف والإفصاح عن البيانات التي تطلب منه لأجل التأكد من حالته، وكم من أناس ليسوا من المستحقين للزكاة يطلبونها إما جهلا وإما دون مبالاة بعدم جواز أخذهم للزكاة، فعلى هؤلاء أن يتقوا الله وأن يعلموا أنهم يتعرضون لأكل المال بغير وجه مشروع، وقد قال الله ﷻ :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾.
فاتقوا الله –عباد الله–، وتعاونوا على ما يرضي الله، ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.
ختامًا؛ هذه كذلك: خطبة —مكتوبة— حول فضل ليلة القدر وزكاة الفطر