خطبة عن زكاة الفطر يقوم الخطيب بتحضيرها وتنسيق محتواها كي ينفع بها المسلمين الذين يودّعون شهر رمضان ويستقبلون عيد الفِطر المبارك. نعم، هذه الأولويَّة الأولى -تقريبًا- لكافَّة الخطباء الآن في آخر جمعة من رمضان.
ونحن هنا نُلبي النداء دومًا -على قدر استطاعتنا- فنُقدم هاهنا خطبة مكتوبة عن زكاة الفطر وأحكامها والمسائل الشائِعة فيها.
ونُنَوِّه على أن بعض الأحكام التي اختارها الإمام هاهنا؛ وهو الشيخ عواد بن سبتي العنزي -ومنها حكم إخراج زكاة الفطر نقدًا- تُمثّل اختياراته وقناعاته، وقد تختلف بعض الأحكام من شيخ لآخر ومن عالم لآخر أو من خطيب لآخر.
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين؛ وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد؛ فإن من فضل الله ﷻ وإحسانه على عباده أن تابع لهم مواسم الخيرات، وتفضل عليهم بكثير من العبادات والطاعات. فهذا هو شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن والعمل الصالح، قد عزم على الرحيل، ولم يبقى منه إلا القليل.
وهكذا يجعل الله ﷻ من فضله وإحسانه في ختام هذا الشهر، جملة من العبادات، ومنها زكاة الفطر.
زكاة الفطر
وسُميت بزكاة الفطر نسبة إلى مُتعلقها، وهو الفِطر من هذا الشهر، فسميت بذلك.
وزكاة الفطر نِعمة عظيمة ومِنَّة من الله ﷻ جليلة، وهي فريضة فرضها رسول الله ﷺ. وما فرضه النبي ﷺ فإنه في المنزلة كما فرض الله، وكما أمر الله ﷻ به. لأن الله يقول (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا). وجاء في الصحيحين من حديث عبد الله ابن -عمر رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر من رمضان صاعًا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين.
فهذه فريضة من فرائِض الله كما أخبر بها النبي ﷺ. فإذًا؛ ننتبه لهذا، أنها من جملة الفرائض التي فرض رسول الله ﷺ، فهذا حكمها في الإسلام، فهي فريضة واجِبة على كل حُر وعبدٍ وذكر وأنثى وصغير وكبير من المسلمين. من وجدها فاضلة عن قوت يومه وليلته -ليلة العيد- فقد وجبت في ذمته.
وهي لا تجِب على الحمل؛ وإنما استحبها بعض العُلماء لفِعل أمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه-؛ فإنه كان يخرجها عن الحمل.
وهي واجبة عن الإنسان؛ عن نفسه، وعمن تلزمه مؤونته ونفقته من زوج أو قريب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم. وإلا فالأولى أن يخرجها عن نفسه، لأنه مُخاطَبٌ بها.
الحكمة من مشروعية زكاة الفطر
وذكر العلماء رحمهم الله ﷻ حِكما كثيرة من هذه العبادة وهي زكاة الفطر.
- أولها: طاعة النبي ﷺ وامتثال أمره.
- وثانيها: الإحسان إلى الفقراء، وبثّ روح التعاون في المجتمع المسلم، والإحسان إلى من قصرت بهم النفقة وكانوا في محل العَوَز. وفيها أيضا إغناء لهم في هذا اليوم الذي هو يوم العيد ويوم الفرح والسرور والبهجة، والفرح بفضل الله ﷻ. وفيها كف لهم عن السؤال.
- ثالثها: وفيها أيضًا إظهار الأخلاق الإسلامية الكريمة، من حُب الخير للناس وتفقد إخواننا المسلمين. وفيها المواساة وجبر كسر المنكسرين في هذا اليوم.
- رابعها: كما أن فيها من الحكم تطهير الصائم، مما قد عَلُقَ بصومه من نقصٍ ونحو ذلك. فهي كالمكملات لما نقص من أجر هذا الصيام.
- خامسًا: وفيها أيضا إظهار شكر نعمة الله ﷻ بأن وفق هذا العبد الفقير إلى الله، الضعيف المسكين، إتمام الشهر صياما وقياما، وما لحِق بذلك مما وفقه الله ﷻ له من الأعمال الصالحة.
ونقرأ حديث زكاة الفطر في السنن؛ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين.
وهذه من أجَل النعم.
قال في الحديث: فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.
هذه جُملة من الحِكَم التي جاءت في هذه العبادة العظيمة.
حبوب زكاة الفطر
وهذه العبادة -أيها الإخوة الكرام الفضلاء- نَصَّ في الحديث على جِنسها الواجب فيها، وهو طعام الآدميين. فما كان من غير طعام الآدميين فإنه لا يُجزئ في هذه الزكاة، فلا يجزئ طعام البهائم، فما عَدّ عرفا أنه من طعام البهائم، لا يجزئ.
مثلا الآن الشعير. كما قال أبو سعيد الخدري: كان طعامنا يومئذ الشعير. لكن الآن الشعير ليس بطعام للآدميين، وإنما هو طعامٌ للبهائم.
فلا يجزئ إلا طعام الآدميين، أما غير طعام الآدميين كطعام البهائم أو إخراجها من الثياب والفُرش والأواني، ونحو ذلك؛ فإن هذا لا يجزئ. لا يجزئ فيها إلا طعام الآدميين الذي هو الآن البُر والأرز، ونحوها أطعمة التي يقتاتها أهل البلد.
والمقدار الواجب في زكاة الفطر: صاع. قدَّره العلماء الآن بأنه ثلاثة كيلو -احتياطا-، وإنما الواجب أقل من ذلك بقليل. لكن العلماء والذي عليه فتوى اللجنة الدائمة وفتوى سماحة الشيخ عبد العزيز وما يفتي به الآن سماحة مفتي عام المملكة أنها ثلاثة كيلو، تكون احتياطا في الصاع عن كل من وجبت عليه.
ولا يفوتك سيدي الإمام: خطبة وداع رمضان وزكاة الفطر «مكتوبة كاملة»
هل يجوز إخراج زكاة الفطر مال؟
الآن أيضًا كلام كثير حول إخراج قيمة الطعام نقدا، وهذا هو قول الحنفية؛ لكن الذي ذكره العلماء المحققون وتطمئن له النفس أنها لا تُخْرَج إلا طعاما، لأن النبي ﷺ نَصّ على ذلك، ولأن الصحابة -رضي الله عنهم-، هذا عملهم في القرون الفاضلة، بدءا بالخلفاء الراشدين ومن بعدهم، وعليه العمل. وكانوا يخرجونها من الطعام.
زكاة الفطر هي عبادة فُرِضَت من جِنس معين، وأيضا ارتبطت بالصيام والفطر من الصيام. فتنوع التشريعات في الإسلام في زكاة المال وزكاة البهائم وزكاة الفطر وزكاة الخارج من الأرض والحبوب والثمار، وغيرها، يدل على مشروعية ذلك في الإسلام.
فنحن نبقى على ما أمر به النبي ﷺ وما عليه العمل، والبقاء على الأصل الذي هو وارد في السنة هو الأصل الذي ينبغي للمسلم أن يتمسك به؛ لا سيما فيما يتعلق بالشعائر الظاهرة. فإن زكاة الفطر شعيرة ظاهرة، وأهل الإسلام منذ قرون طويلة وهم على هذا العمل، فلا ينبغي أن يُعْدَل عن ذلك، ويُحَث الناس على لزوم السنة.
ومسألة الاعتذار بأن المال أنفع لهم؛ هذا اعتذار ليس بقوي، فإن الناس يأخذون هذه الأموال ويشترون بها طعاما.
فيبقى الناس على الأصل ويُعَلَّمون هذه السُّنَّة.
حكم بيع زكاة الفطر
ومن أخذ زكاة الفطر وفاضت عن حاجته، فيجوز له أن يبيعها، أن يتصدَّق بها؛ لأنه قد ملكها.
فالبقاء على الأصل هو المتوجّه، وهو الذي عليه جمهور العلماء، وعليه الفتوى. فينبغي للإنسان ألا يعدل عن ذلك، وأن ينصح ببقاء الناس على ما كان عليه أصحاب النبي ﷺ.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
وهنا: خطبة عن الزكاة وفوائدها «مكتوبة»
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده. ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وصلاة وسلامًا على من لا نبيّ بعده. إمام الأولين والآخرين، وسيد ولد آدم أجمعين.
وقت إخراج زكاة الفطر
أما وقت وجوب زكاة الفطر فهو غروب شمس ليلة العيد. لأنه هو الذي يكون به الفطر من رمضان، إذا غربت شمس ليلة العيد انتهى رمضان وانتهى معه الصيام ودخل العيد. ولذلك سُميت زكاة الفطر.
وجاء الترخيص في دفع زكاة الفطر قبل يوم أو يومين. وهذا ثبت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- في البخاري؛ أنه كان يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين.
يعني الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يعطونها قبل الفِطر بيوم أو يومين. فدَلّ ذلك على جواز أن يخرجها العبد قبل العيد بيوم أو يومين.
وممكن للإنسان أن يشتريها باكرا ويحفظها، حتى إذا بقي عن العيد يومين، دفعها مستحقها. وأُنَبِّه هنا إلى أن دفعها يجب أن يكون للفقراء والمحتاجين، ولا يجوز أن يفعل بها كما يفعل بعض الناس؛ كُلٌ يعطي جاره، ويتهادون فيما بينهم زكاة الفطر، أو يتساهل في إخراجها.
هذه زكاة، وفريضة؛ لا يجوز للإنسان أن يتساهل فيها بل يدفعها لمستحقها ممن يقبلها من أهل الزكاة، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد من غير عذر. فإذا أخّرها بغير عذر فقد أثم وهي باقية في ذمته. أما إذا آخرها لعذر من الأعذار فإنها تبقى في ذمته ويخرجها بعد العيد، لأنه ليس معذور في عدم الإخراج. والواجب أن يتحرى في زكاته وأن يحافظ على هذه الزكاة وأن يهتم بها؛ لأن الله ﷻ أمر نبيه ﷺ ببيان حكمها وصفتها وجِنسها ومستحقها؛ وهذا من عناية الله ﷻ بشرعه.
فالواجب علينا أن نعتني -أيها الإخوة- بزكاتنا وأن نخرج مما نحب لأنفسنا وأهلينا، ونسأل مع ذلك ربنا ﷻ القبول والتوفيق والتسديد.
ولك أيضًا هنا: خطبة عن عيد الفطر «مكتوبة – جاهزة – كاملة»
الدعاء
- ختم الله لنا وإياكم شهر رمضان بالمغفرة والعتق من النار، وأن يجعلنا من عباده المقبولين وأن يجعلنا ممن صام وقام رمضان إيمانا واحتسابا ووُفق لقيام ليلة القدر ووُفق للفوز بعظيم الأجر.
- إن ربنا شكور، إن ربنا غفور، إن ربنا رحيم، إن ربنا ودود؛ نسأله أن يلطف بنا وأن يعجل لنا برفع البلاء والوباء والغلاء عن هذه الأُمَّة جميعا.
- كما أسأله ﷻ أن يغفر لنا ولوالدينا ولعلمائنا وولاة أمرنا.
- اللهم اجعل هذه البلاد سخاء رخاء، آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين.
- وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
قدَّمنا لكم أعلاه خطبة عن زكاة الفطر وأحكامها وبعض المسائل الشائِعة فيها والتي يسعى المسلمون لإيجاد أجوبة عليها. فما كان من توفيق فمن الله ﷻ. كما نسأله -سبحانه- أن ينفع بهذه الخطبة كل من استمع إليها أو قرأها أو نشرها إلى عوام المسلمين.
ونوصيك بالاطلاع أيضًا على: خطبة الشيخ محمد حسان في عيد الفطر