خطبة: شهر رمضان فرصة لتعزيز الترابط الأسري – مكتوبة

خطبة: شهر رمضان فرصة لتعزيز الترابط الأسري - مكتوبة

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي جعل رمضان مفتاحا للخيرات، وهيأ النفوس فيه للتآلف وتحقيق المسرات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أحسن الصائمين، وأفضل الموجهين، ﷺ وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن رمضان منحة ربانية للتقرب إلى ربكم الكريم، وهو فرصة إلهية لتعزيز روابط الأسرة وتقوية أركان المحبة فيها، فالأسرة لبنة الأمة ونواتها، وتماسكها ينبئ عن تماسك الأمة ووحدتها: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون: إن المحافظة على استقرار الأسرة وتجنب أسباب الخلاف والشقاق أمر واجب شرعا، والإسراع إلى إصلاح ذات البين بين أفراد الأسرة من الأمور التي أمرنا الله تعالى بها، حيث قال: ﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، فلا يجوز للمسلم أن يكون سببا في الخصومة بينه وبين أهله وأقاربه؛ فإن ذلك مما حرمه الشرع، كما قال النبي ﷺ: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام»، فكيف للمسلم أن يهجر أخاه وهو يعلم أن ذلك سبب في الفرقة والضعف وزوال الوحدة؟! وقد قال خير البرية ﷺ: «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام».

وقال الله عز وجل: ﴿وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. وها قد أقبل شهر رمضان، شهر الرحمة والبركة، فليكن هذا الشهر الكريم فرصة لتجديد العلاقات وإصلاح القلوب.

أيها المسلمون: إن من رحمة الله تعالى بنا أن جعل رمضان عبادة جماعية تبرز قيمتها في روح الاجتماع، وتفيض بركتها بالتآلف والمودة، فيجتمع أهل البيت الواحد حول مائدتي الإفطار والسحور، يتبادلون الدعاء ويتعاونون على الطاعات، وكل منهم يرجو للآخر القبول والتوفيق في الصيام والقيام، ولا ريب فإن مشاركة الأهل في بعض العبادات سنة نبوية، فقد روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنه ﷺ كان يوقظ أهله لقيام الليل خصوصا في العشر الأخيرة، تقول: «كان النبي ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله».

وكان النبي ﷺ يستغل لحظات الجلوس مع أهله في التوجيه والنصح والتعليم، فقد روى عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه لما كان ربيبا في بيت النبي ﷺ فقال: “كنت غلاما في حجر رسول الله ﷺ، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله ﷺ: «يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك»، فما زالت تلك طعمتي بعد”.

فاتقوا الله -عباد الله-، واجعلوا لأهل بيتكم نصيبا من الرعاية والاهتمام، ودونكم رمضان فاستغلوه في تربية أهلكم على الصيام والقيام، ﴿هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ﴾.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

هذه أيضًا ⇐ خطبة بعنوان: رمضان فرصة للتغيير فاغتنمه بعزمٍ وضمير

الخطبة الثانية

الحمد لله الواهب الرحيم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله الكريم، ﷺ وعلى آله وأصحابه أهل الفضائل والتكريم.

أما بعد، فيا عباد الله: اعلموا أن من الأمور التي تحفظ للأسرة محبتها أن يشارك رب الأسرة أهله أصنافا من الخير والعبادات، كتخصيص وقت لقراءة القرآن وتدبر بعض آياته، يقول الله تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً﴾، ويقول جل وعلا: ﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾، ولما كانت قراءة القرآن أمرا مشروعا فإن الإنصات والاستماع إليه مشروع أيضا، يقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، وقد كان النبي ﷺ يحب أن يسمع القرآن من أصحابه، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال لي النبي ﷺ: اقرأ علي، قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «فإني أحب أن أسمعه من غيري»، ولا يخفى عليكم أن في ذلك تعليما للأبناء، وتقويما لألسنتهم، وتصحيحا لأخطائهم في التلاوة.

كما أن من العبادات التي ينبغي أن يحافظ عليها لتأليف القلوب زيارة الأرحام وتقريب الأقارب، فبها تدفع السيئات وتنفى الخصومات، يقول الله رب الأرض والسماوات: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.

فاتقوا الله -عباد الله-، وربوا أبناءكم وأهل بيوتكم على مشاركة الخير وتعظيم العبادة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

أضف تعليق

error: