عناصر الخطبة
- رمضان: شهر القرآن والصبر والانتصار.
- غزوة بدر: الانتصار الأول للمسلمين ومكانتها العظيمة.
- فتح مكة المكرمة: النصر الكبير والعفو العام.
- أهمية العشر الأواخر من رمضان والعمل فيها.
- الدروس المستفادة من غزوتي بدر ومكة.
- أهمية ذكرى الصحابة وإحياء تاريخهم.
مقدمة الخطبة
الحمدُ لله الذي نوَّرَ بجميل هدايته قلوبَ أهل السعادة، وطهَّرَ بكريمِ ولايتِهِ أفئدَةَ الصادقين فأسكن فيها وِدَادَهْ، ودعاهَا إلى ما سبَقَ لها من عنايتِهِ فأقبلت مُنْقَادَة، الحميدِ المجيدِ الموصوفِ بالجلالِ والجمالِ والتمجيِد، نحمدُهُ على ما أَوْلَى من فضلٍ وأفادَهْ، ونشكُرُهُ معترفين بأَنَّ الشّكرَ منه نعمةٌ مُستفادَةْ.
وأشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، شهادةً أُعِدُّهَا أكبرَ نِعَمِهِ وعطائه، وَوَسيلتي العظمَى إلى يوم لقائِه.
وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله وصفيُّه من خلقه وحبيبُه، أقام به منابر الإيمان ورفع عِمَادَهْ، وأزال به سِنَانَ البُهتان ودفَعَ عِناده، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
الخطبة الأولى
رمضان شهر القرآن، شهر الصبر والانتصار، شهر بدر الفرقان، الغزوة التي نزلت فيها سورة الأنفال، ونال أهلها الجنة، لأنهم كانوا قلة في العَدد والعتاد لكنهم ثبتوا مع رسول الله ﷺ فكانوا في صمودهم كالجبال الرواسي. وقد امتنَّ الله ﷻ عليهم بالنصر المبين. يقول الله ﷻ: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ سورة آل عمران: 123
في ليلة السابع عشر من رمضان المبارك، في الثلث الثاني منه وقعت غزوة بدر. هذه الغزوة التي قادها سيد النبيين والمرسلين سيدنا رسول الله ﷺ. وكان بجواره الصدِّيق الأكبر، أبو بكر الصديق رضي الله عنه. فجمعت الغزوة الثلة المباركة من الذين أطاعوه واتبعوا رسوله ﷺ وعملوا بما أمرهم الله ورسوله. وتركوا ما نهاهم الله عنه ورسوله. فأولئك يسكنهم الله دار كرامته، ويجعلهم مرافقين للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة وهم: الصديقون، ثم الشهداء، ثم عموم المؤمنين وهم: الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم. يقول الله ﷻ: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾ سورة النساء: 69.
قال عكرمة رحمه الله ﷻ : “المراد بالنبيين ها هنا محمد ﷺ، والصديقين أبو بكر رضي الله عنه، وبالشهداء عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وبالصالحين سائر الصحابة”. ومذهب جمهور أهل العلم من المفسرين وغيرهم أن ذلك عام في كل منْ هذه صفته. وبطبيعة الحال يدخل في عموم الآية الكريمة أهل بدر دخولاً أولياً.
لقد انتصر الصحابة رضي الله عنهم الذين كان عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشرة رجلاً على جيش المشركين من كفار مكة الذين جاءوا بخيلهم وخيلائهم انتصاراً لباطلهم. ولكن أهل الحق ببدر انتصروا على الباطل وأهله. وعاد المشركون إلى مكة يجرون أذيال الهزيمة والخسران، فكانت غزوة بدر أول معركة في تاريخ الإسلام فرقت بين الحق والباطل.
وفي العشرين من رمضان فتح النبي ﷺ مكة المكرمة صلحاً، فأشار بيده الشريفة إلى الأصنام الحجرية التي كانت حول الكعبة فتهاوت وسقطت على رؤوسها. ثم خطب ﷺ خطبة الفتح الأعظم، يوم العفو العام، فقد عفا ﷺ عن أهل مكة. فقال: «ما تظنون أني فاعلٌ بكم؟» فقالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال ﷺ كلمته العظيمة المباركة «اذهبوا فأنتم الطلقاء». كلمة عظيمة سجلها التاريخ في صحائف من نور يسطع نورها ما دامت السموات والأرض.
ففتح مكة المكرمة يذكِّر المسلمين بسيد الفتوحات والانتصارات في تاريخنا الإسلامي، لأن هذا الفتح الأعظم أصل انتصار المسلمين حتى تقوم الساعة. وفي هذه الأيام المباركة نتذكر العشر الأواخر من شهر الصيام والقيام وطاعة الرحمن. ولنا في رسول الله أسوة حسنة . فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (انَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ) رواه البخاري. وفي رواية لمسلم فيها: (كان ﷺ يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره). ولأهمية العشر الأواخر كان ﷺ: (يعتكف العشر الأواخر من رمضان) رواه البخاري ومسلم. وعن عائشة رضي الله عنها : (أن النبي ﷺ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان؛ حتى توفّاه الله، ثم اعتكف أزواجه بعده) أخرجه البخاري. فمن حق هذه الليالي المباركة أن نكون فيها من الذاكرين الله كثيراً. ونختم فيها القرآن الكريم. وأن نكثر من الصدقات، فهي دليل على صدق الصائم في الطاعات. وفي هذه العشر الأواخر ترتجى ليلة القدر.
ولذلك حريٌّ بالمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أن يعيشوا أجواء العشر الأواخر من رمضان المبارك. وأن لا ينسوا انتصار النبي ﷺ في الغزوات. وأن يعيشوا في غزوتي بدر ومكة، ليعلموا أن المسلمين بل العالم مَدينٌ لهاتين الغزوتين. وأن كل انتصار في حياة المسلمين إنما يعود إلى هاتين الغزوتين المباركتين. وأن لا ينسوا الصحابة رضي الله عنهم أجمعين الذين كانوا من جند الله ﷻ في أرضه حتى رحلوا عن هذه الدنيا الفانية فانتقلوا إلى جنات ربهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافي الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونؤكد على قيامنا بواجب أداء صلاة الغائب على شهدائنا في غزة و الضفة. ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة. سائلين المولى عز وجل أن يتقبلهم في الشهداء ويتغمدهم بالرحمة والمغفرة.
⇐ وهذه كذلك خطبة: رمضان شهر الانتصارات والفتوحات — مكتوبة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.
واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.
وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله ﷻ في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)،لأنّ الله ﷻ يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173،174
والحمد لله ربّ العالمين..
⇐ وتابع الاطلاع أيضًا هنا على خطبة: رمضان شهر البطولات والانتصارات – مكتوبة