عناصر الخطبة
- أهمية الأسرة في الإسلام ودورها الكبير في قوة المجتمع وتماسكه.
- عناية الإسلام بالأسرة عناية كبيرة باعتبارها النواة الأولى للمجتمع، وهي سر تماسكه وقوته.
- الأسس التي وضعها الإسلام لبناء أسرة نموذجية قوية تقوم على الحق والعدل والمعاشرة بالمعروف وإحسان كل من الزوجين للآخر.
- المسلم قادر على الحفاظ على ترابط الأسرة وقوتها ومواجهة المخاطر التي تهددها من خلال الالتزام بالمنهج النبوي في إدارة شؤون الأسرة.
الخطبة الأولى
الأسرة هي نواة المجتمع واللبنة الأولى في بنائه، فوجود الأسرة هو امتداد للحياة البشرية، وسر البقاء الإنساني، وهي التي يعيش الإنسان في كنفها حياة ملؤها السكينة والطمأنينة والرحمة والأمان، لتنتج جيلاً قادراً على تحمل المسؤوليات، مؤهلاً لحمل رسالة الاستخلاف التي كلفه الله ﷺ بها، قال ﷺ: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الروم: 22.
فجعل الله ﷺ البناء الأسري قائماً على السكينة والمودة والرحمة بين أفراده ليشكل صرحاً علياً، وأساساً متيناً سماه الله ﷺ بالميثاق الغليظ لعظيم شأنه وأهميته فقال ﷺ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ النساء: 21، كما جعل الله ﷺ العناية بالأسرة ورعايتها تدخل في معنى الأمانة التي تحملها الإنسان في قوله ﷺ: ﴿إنَّا عرضنا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ والجِبَالِ﴾ الأحزاب: 72.
فالأمانة تشمل الرعاية والتنشئة والتربية الصالحة القائمة على غرس القيم من خلال الحث على عبادة الله ﷺ والتزام أوامره ، واجتناب نواهيه، وغرس قيم الإسلام الداعية إلى الخير والفضيلة، لأنه الإنسان مؤتمن ومسؤول عما استرعاه الله ﷺ يقول النبي ﷺ: «ألَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ← متفق عليه.
عباد الله: ومن جوانب حرص الإسلام على الأسرة أن جعل لها نظاماً متكاملاً راعى جميع الجوانب المتعلقة بتكوين الأسرة وضمان تماسكها وسعادتها حتى قبل تكوين الأسرة، وأول هذه الجوانب هو حسن الاختيار، بأن يحسن كل من الزوجين اختيار الآخر على أساس التقوى والدين وفي ذلك يقول الرسول ﷺ: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» ← متفق عليه.
ويقول الله ﷻ في اختيار الزوج: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ النور: 32. فالإسلام يوجه ولي الفتاة المسلمة إلى انتقاء الزوج الصالح التقي صاحب الدين والخلق، فيقول النبي ﷺ: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» ← سنن الترمذي.
وما هذه الوصية إلا لأن صاحب الخلق والدين سيحافظ على بيته وأسرته ويحمي أبناءه من التشتت والضياع، ويحافظ على مجتمعه ويساهم في بنائه، ويدافع عن ترابه.
عَن الْحَسَن البصري، أن رجلاً أتاه فقال: “إِن لي بِنْتا أحبها وَقد خطبهَا غيرُ وَاحِد، فَمن تُشِير عَليّ أَن أزوجها؟ قَالَ: زوّجها رجلا يَتَّقِي اللَّه، فَإِنَّهُ إِن أَحبها أكرمها، وَإِن أبغضها لم يظلمها”.
فالإسلام جعل الأصل المتين الذي تبنى عليه الأسرة هو الدين والخلق، وذلك لأن الاختيار المبني على الجمال وحده، أو على المال وحده، أو على النسب وحده دون الدين والخلق قد يكون سبباً في عدم استقرار الأسرة لأن هذه الاعتبارات قد تزول وتتغير وتتبدل فالجمال والمال قد يتحولان ويتبدلان، فلا يبقى إلا الدين والخلق، فهما الأصل المتين الذي يحفظ استقرار الأسرة وسعادتها، لأن الزوجين صاحبي الخلق والدين يعرف كل واحد ما له من حقوق وما عليه من واجبات تجاه الآخر.
عباد الله: ومن الأصول المتينة التي أقرّها الإسلام لضمان تماسك الأسرة وترابطها أن أقام العلاقة بين الزوجين على أساس من المودة والرحمة وهي قضية أسمى من الحقوق المتبادلة، فهي التي تؤدي إلى العدل والإحسان، فالعدل هو أن يعرف كل فرد من أفراد الأسرة حقوقه وواجباته التي يُسأل عنها أمام الله ﷺ، مما يؤدي إلى استقرار العلاقة بين الزوجين وحياة الأبناء في كنف جو من الطمأنينة، وأما الإحسان فهو المعاشرة بالمعروف ونشر المحبة والرحمة بين أفراد العائلة، وتعليم الأبناء الاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة، وقد أمر الله ﷺ الأزواج بحسن معاشرة الزوجات بالمعروف فقال الله ﷻ: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ النساء: 19.
وقال الرسول ﷺ: «فاتقوا الله في النساء، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئًا، وإن لهن عليكم ولكم عليهن حقاً» ← رواه الإمام أحمد، وجعل الإسلام حسن معاملة الزوج أهله من صفات الخيرية فحث عليها ورغّب بها، كما جاء في قول الرسول ﷺ: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» ← رواه ابن ماجه.
وقد كان نبينا ﷺ يمثل القدوة الحسنة والنموذج الأسمى في تعامله مع أهل بيته، وقد سُئلت السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، « كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ» ← رواه الإمام أحمد.
وكذلك أمر الإسلام الزوجات بحسن عشرة أزواجهنّ، وجعل أداء المرأة حق ربها متوقفاً على أداء حق زوجها.
ولا شك أن كلاً من الزوجين إذا التزم بهذه التوجيهات الحكيمة يتحقق للأسرة الاستقرار والأمن والطمأنينة والرحمة فتصبح مهيأة لتربية الأجيال المؤمنة الصالحة للبناء والعطاء، وإنتاج جيل مستقر نفسياً وعاطفياً تشبع من حب والديه، وتعلم منهما الأخلاق العالية والتربية القويمة التي ستكون سلاحه في ميدان الحياة، فينشر هذه القيم السامية في مجتمعه كما تعلمها من أسرته، فقد حمّل الإسلام الوالدين المسؤولية التربوية للأبناء، فمن أحسن فله الحسنى، ومن أساء وقصر فعليه وزر تقصيره، قال الله ﷺ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾.
والرسول ﷺ جعل كلاً من الرجل والمرأة مسئولا عن أمانة بيته، والصالحون يدعون الله ﷺ بأن يجعل الله أبناءهم قرة عين لهم ولمجتمعهم كما في قوله ﷺ: ﴿والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما﴾ الفرقان: 74.
وكما أوجب الله ﷺ على الوالدين حماية الأسرة ورعايتها فقد حمّل الأبناء كذلك مسؤولية المحافظة على هذا البناء الذي شيّده الوالدان وجعلها مرتبطة بالبر بهما ومعرفة قدرهما وعدم التعدي عليهما فقال ﷺ: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ الإسراء: 23-24، وبذلك تظهر مسؤولية الأفراد جميعاً تجاه أسرتهم سواء كانوا آباءً أو أبناءً أو أزواجاً.
⬛️ وهنا: ضوابط بناء الأسرة.. خطبة جمعة مكتوبة وجاهزة
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تنزه عن المشاكلة والمشابهة لسائر البشر وأشهد أن سيدنا محمد النبي المعتبر، وبعد: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾.
عباد الله: إن هناك العديد من المخاطر والتحديات التي تواجه الأسرة المسلمة في هذا الزمان، ينبغي على جميع المعنيين في مجتمعنا بشأن الاسرة أن تتعاون في وقاية وحماية الأسرة وتحصينها من هذه المخاطر كلا بحسب قدرته واختصاصه.
ومن أبرز هذه المخاطر الخلافات الزوجية وأثرها على الأبناء التي تؤثر على حالة الطفل العاطفية، وتحدث عنده بعض الاضطرابات النفسية والعقلية كما يصبح الطفل مع الوقت غير قادر على التأقلم مع البيئة الخارجية فيصبح لديهم حس إجرامي ضد المجتمعات خصوصا إذا كانت الخلافات الزوجية المصحوبة بالعنف.
ومن هذه المخاطر الشك وفقدان الثقة بين أفراد الأسرة خاصة بين الزوجين: مع أن الأصل في العلاقة أن تقوم على الثقة والابتعاد عن ظن السوء قال ﷺ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ الحجرات: 12، لأن فقدان الثقة يهدم بنيان الأسرة ويجعل التعامل بينهم مبني على الشك الذي يجلب الشقاء والمشاكل للأسرة.
ومن المخاطر التي تهدد الأسرة، سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وما يبث فيها من مواد وعلاقات وسلوكيات سلبية، فينبغي الحذر عند استخدامها هذه المواقع، واستخدامها بالشكل الصحيح حتى تؤثر بشكل إيجابي على الترابط الأسري والمجتمع بشكل عام.
فينبغي على الوالدين تربية الأبناء على اغتنام الوقت وتعويدهم على حضور مجالس الذكر وحلق العلم، وتلاوة القرآن الكريم، وقراءة قصص الصحابة والصالحين، إضافة إلى تعليمهم حمل المسؤولية من خلال تعليمهم المساهمة في الأعمال المنزلية، فالأسرة هي المدرسة الأولى التي ينشأ فيها الأبناء ويتعلمون منها مكارم الأخلاق، ويملؤون في كنفها أوقات فراغهم بالأعمال النافعة الصالحة التي تفيدهم وتنمي مجتمعاتهم، يقول النبي ﷺ: «نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس، الصِّحة والفراغ» ← صحيح البخاري.
وإِنَّ التأكيد على أهمية دور الأسرة في رعاية الأولاد لمن أَجَلِّ الأمور التي يجب أن تتضافر جهود الآباء والأمهات، وأهل العلم، والدعاة، والتربويين، للمحافظة على بناء الأسرة الصالحة في المجتمع، فهي أمانة أمام الله ﷺ نحن مسؤولون عنها.
والحمد لله رب العالمين..
⬛️ وهذه أيضًا: خطبة عن الأسرة والتربية – مكتوبة، مشكولة