أصدرات وزارة الأوقاف المصرية خطبتها الرسمية للجمعة القادمة؛ والتي تم نشرها على الحسابات الرسمية؛ تحت عنوان: دروس من الهجرة النبوية. وهنا نوفر لكم هذه الخطبة؛ مكتوبة، كاملة. بالإضافة إلى توفرها بصيغة pdf لسهولة الاطلاع عليها بدون الاتصال بالانترنت، أو طباعتها؛ أو إرسالها للزملاء الخطباء عبر وسائل التواصل الحديثة.
مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الخطبة الأولى
وبعد.. فقد كانت الهجرة النبوية المباركة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حدثًا غيَّر مجرى التاريخ، وفاتحة خير في تاريخ الإسلام والمسلمين. وتلك الرحلة المباركة حافلة بالدروس العظيمة، والحكم الباهرة، منها: تجلي خلق الأمانة في حياة نبينا ﷺ، فقد كان المشركون يودعون أماناتهم عنده ﷺ رغم كفرهم به؛ وكانوا يلقبونه بالصادق الأمين.
وعندما أراد المصطفى ﷺ الهجرة إلى المدينة المنورة ترك سيدنا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) في مكة؛ ليرد الأمانات إلى أهلها، رغم أنهم آذوه ﷺ، وآذوا أصحابه (رضي الله عنهم)، وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، تلك هي الأمانة في أسمى معانيها.
وتتجلى في رحلة الهجرة معية الحق ﷻ لحبيبه ومصطفاه ﷺ، حين قال له صاحبه أبو بكر (رضي الله عنه) وهما في الغار والمشركون على حافته: يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فكان الرد من نبينا ﷺ: «يا أبا بكر؛ ما ظنك باثنين الله ثالثهما؛ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»، وفي ذلك يقول الحق ﷻ: ﴿فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا﴾.
ومع تلك المعية الإلهية أخذ رسول الله ﷺ بأسباب النجاح من التخطيط، واختيار الصاحب، والدليل، في تكامل وتنسيق بديع بين أدوار كفاءات المجتمع على اختلاف أجناسه وأطيافه، وكان مع كل ذلك صدق اعتماد قلب نبينا ﷺ على معية ربه وتوفيقه؛ ليتجلى حسن التوكل الحقيقي على الله ﷻ في كل جوانب الرحلة المباركة.
ومن دروس الهجرة النبوية المباركة تأسيس بناء الدولة وإقامة أركانها، بدءا ببناء المسجد منارة للعبادة والعلم والتربية، تتكون فيه الشخصية المسلمة السرية التي تعمر الدنيا بالدين؛ فتبني ولا تهدم، وتعمّر ولا تخرب.
ومرورا بإقامة السوق إشارة واضحة إلى أهمية الجانب الاقتصادي في بناء الدول، وليكون سوقا قائما على الأخلاق الإسلامية الفاضلة في البيع والشراء؛ وبذلك يؤسس رسولنا الكريم ﷺ المجتمع متوازن مستقر، لا يطغى فيه شيء على حساب آخر؛ تحقيقا لرسالة الإسلام المتكاملة، حيث يقول الحق ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور﴾.
ذلك إلى جانب وثيقة المدينة المنورة التي رسخت لأسس العيش المشترك بين سكان المدينة جميعا.
ولا تفوتكم أيضًا إخواني الخطباء: خطبة حول عاشوراء وما اقترن بها من دروس وعبر
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد ﷺ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا شك أن وثيقة المدينة التي أبرمها نبينا ﷺ بعد استقراره بالمدينة المنورة تعد أهم وثيقة للعيش المشترك في تاريخ البشرية، حيث نصَّت على إقامة الحقوق والواجبات على أساس وطني وإنساني، حين قررت أن سائر اليهود بالمدينة مع المؤمنين أمة، فأقرت حرية المعتقد، وحرمة دور العبادة للجميع دون تمييز.
وأي إنسانية، وأي حضارة، وأي رقي وتقدير لمفاهيم الإنسانية يمكن أن يرقى إلى ما كان من تسامح نبينا ﷺ حين أثبت في وثيقة المدينة: (لليهود دينهم) قبل إثباته (للمسلمين دينهم)، تلك أعلى درجات الإنصاف والتسامح.
كما أن رسولنا الكريم ﷺ رسّخ مبدأ الأخوة ووحدة الصف بين المسلمين، حين آخى بين المهاجرين والأنصار؛ امتثالا لقول الحق ﷻ: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾، وقوله ﷻ: ﴿وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾. وفي ذلك يقول نبينا ﷺ: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله».
فما أحوجنا إلى استلهام معاني الهجرة النبيلة بالتحول إلى ما يرضي الله ﷻ من الأعمال والأقوال، وبالتحول من البطالة والكسل إلى الجد والإتقان، ومن الأثرة والأنانية إلى الإخاء الإنساني الصادق، حيث يقول نبينا ﷺ: «المسلم من سلم الناس من يده؛ ولسانه، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه».
اللهم احفظ بلادنا مصر وسائر بلاد العالمين.
تحميل الخطبة pdf
فقط؛ يُمكنك النقر هنا لتحميل الخطبة بصيغة ملفات pdf.
يمكنكم الآن طباعة الملف أو إرساله للزملاء الخطباء أو طلاب العلم، أو حتى نشره على مجموعات وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة، لتعم الفائدة. ولا تنسونا من صالح دعائكم.