لدينا في هذه الصَّفحة خطبة جمعة مكتوبة كاملة؛ تحت عنوان: دروس من الحج. فنُبحِر مع عظيم الدروس المستفادة من هذه الفريضة العظيمة.
الخطبة كاملة، مقدمة ومحتوى مُقسَّم إلى عناصر وفقرات بالخطبة الأولى والثانية، ثم الدعاء.
مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينا، أحمده ﷻ وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر ألا تعبدوا إلا إياه، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمدا رسول الله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة وتركنا على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، أعلام الهدى ومصابيح الدجى، وعلى التابعين ومن تبعهم وعلى نهجهم اقتفى.
الخطبة الأولى
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أما بعد؛ أيها المسلمون عباد الله فنحن في أيام مباركة عظيمة قد أعلى الله قدرها، وعظم شأنها، وأمرنا بأن نلتمس الخير فيها. يتوجه ضيوف الرحمن جل جلاله إلى بيته الحرام ملبين طائعين ذاكرين شاكرين.
كلهم يمني نفسه أن يفوز ببشارة رسول الله ﷺ «من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه». كلهم يُريد أن يفوز بتلك الجائزة العظيمة. «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».
أيها المسلمون عباد الله؛ إن في الحج دروسا عظيمة، لا بد أن نتأملها.
الدرس الأول: التسليم لله
أول هذه الدروس أيها المسلمون: أن المسلم يتعلم من مناسك الحج التسليم لله ﷻ في حكمه، والرضا بأمره ونهيه. حجاج بيت الله الحرام يطوفون بالبيت العتيق سبعا، ويسعون بين الصفا والمروة سبعة، ويبيتون بالمزدلفة، ويرمون الجمار إلى غير ذلك من المناسك. كلهم يستجيب لأمر الله، كلهم يقتضي رسول الله ﷺ.
لا يقول أحدهم لما نرمي الجمار سبعة، لما نطوف بالبيت سبعة؟ لما كان الطواف على ثلاثة أنواع؟ فهذا طواف القدوم وذاك طواف الإفاضة، ثم الختام بطواف الوداع. لا يتوقفون في ذلك، لما؟ لأنهم مسلمون.
وأساس الإسلام الإذعان لله ﷻ في حكمه، والرضا بأمره ونهيه. أساس الإسلام الاستسلام لله ﷻ في الأمر كله وهي دعوة الخليل “عليه السلام” لما فرغ من بناء البيت العتيق دعا ومعه ولده قائلين: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾. ولذلك أصحاب رسول الله ﷺ وهم أكمل هذه الأمة عقولا وأوسعها علوما ما كانوا يسألون النبي عليه الصلاة والسلام لِمَ أمرنا بكذا؟ ولم نهينا عن كذا؟ بل كانوا يستسلمون.
إذا نزل الأمر أو نزل النهي فإنهم يقولون سمعنا واطعنا. ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقيه فأولئك هم الفائزون. لما نزل تحريم الخمر أراقوها، لما نزلت آية الحجاب التزموها وهكذا في سائر أمورهم.
الدرس الثاني: الدين توحيد لله
ثاني هذه الدروس أيها المسلمون عباد الله أن أساس هذا الدين توحيد الله ﷻ، الكلمة التي يصير بها المسلم مسلما، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله إفراد لله ﷻ بالعبودية، وأشهد أن محمدا رسول الله إفراد لمحمد ﷺ بالاتباع.
هذا المعنى أجلى ما يكون وأوضح في مناسك الحج، ولذلك نبينا عليه الصلاة والسلام لما بدأ نُسكه أهل بالتوحيد ﴿لبيك اللهم لبيك﴾، ﴿لبيك لا شريك لك لبيك﴾، ﴿إن الحمد نعمة لك والملك لا شريك لك﴾.
وهكذا في رحلته المباركة صلوات ربي وسلامه عليه يردد هذه التلبية والصحابة من حوله كان بعضهم يزيد ﴿لبيك وسعديك والخير في يديك والرغباء إليك والعمل﴾ ﴿لبيك ذا المعارج، لبيك ذا الفواضل لبيك إله الحق﴾ وما كان يُنكر عليهم رسول الله ﷺ.
ثم بعد ذلك إذا طاف المسلم بالبيت العتيق صلى عند المقام ركعتين يقرأ فيهما سورتي الإخلاص، ﴿قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد﴾ وكلتاهما موضوعها التوحيد. ثم بعد ذلك إذا رقع على الصفا فإنه يستقبل الكعبة المشرفة ثم يقول: لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، وصدق عبده وهزم الأحزاب وحده، وهكذا في يوم عرفة.
خير الدعاء دعاء يوم عرفة
خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. كلمة التوحيد في أول النسك، وفي وسطه وفي آخره. الحج كُله ما شُرع إلا لتوحيد الله ﷻ ولإقامة ذكره. الله جل جلاله لما فرض على إبراهيم “عليه السلام” أن يبني البيت العتيق أمره بالتوحيد ونهاه عن الشرك، ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ .
ثم بعد ذلك ينهاه ربه جل جلاله وينهى عباده عن الشرك مبينا أنه نجاسة، أنه دنس، إنه قذر، أنه وسخ، ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾، ﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾.
الدرس الثالث: تعظيم شعائر الله
ثالث هذه الدروس أيها المسلمون عباد الله تعظيم شعائر الله ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾، ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.
يتجرد هذا المسلم من ثيابه، يحسر عن رأسه لا يضع عليها عِمامة، ولا قلنسوة ولا غطاء. يدخل مكة على هذه الهيئة المتواضعة المتبذلة تعظيما لحرمات الله ﷻ. قال رسول الله ﷺ «لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة»: أي الكعبة المُشرفة. «فإذا ضيّعوها هلكوا».
نعظم حرمة الكعبة بالطواف حولها، باستلام ركنيها، نعظم مكة المشرفة بألا نعضد شجرها، وألا نُنفر صيدها، وألا نختلى خلاها، نعظم حرمة مكة، بألا نلتقط لقطتها، بألا نتعمد المعصية فيها، بأن نخلص لله العبادة، إلى غير ذلك من أنواع التعظيم.
وينسحب ذلك على حياة المسلم كلها لا بد من أن يعظم شعائر الله، يعظم كتاب الله، يعظم بيت الله، يعظم رسول الله ﷺ، يعظم أولياء الله والصالحين من عباد الله، إلى غير ذلك من أنواع الشعائر التي أمرنا بتعظيمها.
الدرس الرابع: متابعة النبي ﷺ في اليوم الثامن من ذي الحجة
ثم رابع هذه الدروس أيها المسلمون عباد الله متابعة النبي ﷺ في اليوم الثامن من ذي الحجة. حجاج بيت الله الحرام على صعيد منى يصلون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصبح يوم التاسع، ثم في اليوم التاسع ينفرون إلى عرفة فيصلون بها الظهر والعصر جمعا وقصرا، ويتفرغون للذكر والدعاء، فإذا غربت الشمس لا يصلون المغرب بل يدفعون إلى المزدلفة ملبين مهللين حتى إذا وصلوها جمعوا بين المغرب والعشاء ثم باتوا.
ثم يقومون إذا أصبحوا يذكرون الله عند المشعر الحرام، يدفعون إلى مِنى يرمون جمرة العقبة بسبع حصيات، وينحرون هداياهم، ثم يحلقون رؤوسهم، ثم يفيضون إلى البيت العتيق، وهكذا في سائر المناسك يقتفون أثر رسول الله ﷺ الذي قال لهم «خذوا عني مناسككم».
اقتدوا برسول الله
فيا أيها المسلم، يا من طُفت كما طاف رسول الله ﷺ، وبت حيث بات، وأقمت حيث أقام، وسعيت كما سعى، ورميت حيث رمى، اقتديت به في الزمان والمكان والكمية والكيفية اعلم أن ذلك مطلوب منك في عباداتك كلها، مطلوب منك أن تصلي كما صلى رسول الله ﷺ، وإن تتعبد كما تعبد رسول الله ﷺ، وأن تتشبه به في أمرك كله.
﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.
الدرس الخامس: الولاء والبراء
خامس الدروس أيها المسلمون عباد الله الولاء والبراء ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴿55﴾ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴿56».
أيها المسلم مطلوب منك أن توالي المسلمين جميعا؛ عربيهم وعجميهم، أحمرهُم وأسودهم هم لك أولياء ينبغي لك أن تحبهم، أن تعطف عليهم، أن تدعو لهم، أن تتمنى الهداية لجميعهم، أن تسوق الخير إليهم، أن تدفع الشر عنهم، هذه هي موالاة المؤمنين أجلى ما تكون في الحج.
الناس يجتمعون في مكان واحد، في زمان واحد يلبسون زياً واحدا يمارسون نُسكاً واحداً، يعبدون ربا واحدا، يتبعون نبيا واحدا صلوات الله وسلامه عليه.
هؤلاء تواليهم في نسكك، ترشد غافلهم، تهدي ضالهم، تحنو عليهم، ترفق بهم، تُعين محتاجهم، تغيث ملهوفهم، تُعلم جاهلهم هذا هو الولاء للمؤمنين في الحج، وفي الوقت نفسه براءة من المشركين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا﴾.
كان رسول الله ﷺ حريصًا في حجته المباركة أن يُعلن براءته من الشرك ومظاهره وأهله، أعلن على الملأ صلوات ربي وسلامه عليه، «ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وأول دم أضعه من دمائنا دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب ».
أعلن رسول الله ﷺ براءته من الشرك عمليا. كان المشركون أهل مكة ما يقفون مع الناس بعرفة بل يقفون بالمزدلفة لأن مزدلفة في حدود الحرم وعرفة في الحِل. فكان هؤلاء المتكبرون المتغطرسون يقولون نحن أهل الحرم لا نقف مع الناس في الحِل فوقف الله ﷺ في عرفة وهي من الحِل، وقال «وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف».
كان المشركون يفيضون من عرفة قبل أن تغرب الشمس فأقام بها رسول الله ﷺ حتى غابت وغاب قرصها، ثم دفع إلى المزدلفة.
كان المشركون لا ينفرون من المزدلفة إلا إذا طلعت الشمس فنفر منها صلوات ربي وسلامه عليه قبل أن تطلع الشمس، وهكذا براءة عملية بعد البراءة القولية.
أيها المسلمون عباد الله، نحن في زمان نحتاج فيه إلى هذه المعاني التي تفرقت فيها كلمة المسلمين، تفرقوا دولاً وشعوباً وجماعات وطوائف وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون.
أهل الباطل يجتمعون ويُعينون على حرب الإسلام وأهله، ويريدون أن يفرقوا كلمة المسلمين، ويزيدون الأمة فرقة على فرقتها. ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.
الحج يُعلمنا أننا أمة واحدة، ربنا واحد، كتابنا واحد، نبينا واحد، نُسكنا واحد فعلام التفرق، وعلام الاختلاف.
اسأل الله ﷻ أن يجمع كلمة المسلمين، وأن يوحد صفوفهم.
اللهم اجمع كلمة المسلمين. اللهم وحد صفوفهم. اللهم كن لهم ولا تكن عليهم. اللهم احفظ الحجاج والمعتمرين، وردهم سالمين غانمين، واصرف عنهم شر الأشرار وكيد الفجار وشر طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن.
توبوا إلى الله واستغفروه.
ولا تفوتكم هنا: خطبة عن الكلمة الخبيثة.. والطيبة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله النبي الأمين بعثه الله هدى واليقين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين وآل كل وصحب كل أجمعين.
وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين، وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين.
أعظم دروس الحج
أما بعد؛ أيها المسلمون فاتقوا الله حق تقاته، وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، واعلموا إخوتي في الله أن من أعظم الدروس التي تستفاد من من الحج أن يستعد المسلم للقاء ربه جل جلاله حين يتجرد من ثيابه التي ألفها، ومن زيه الذي عرفه، فيُحرم في ثوبين إزارٍ ورداء، فإنه يتذكر ما يكون حاله حين يدرج في أكفانه، وحين يفارق وطنه إلى ذلك النُسك العظيم.
فإنه يتذكر مفارقته للدنيا وخروجه منها، وحين يرى ذلك الموكب المهيب، وتلك الحشود في عرفات عرفة والمزدلفة، فإنه يتذكر ذلك اليوم العظيم العبوس القمطرير، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
الناس كلهم في صعيدٍ واحد، وهكذا يوم الحشر؛ يُحشر الناس في أرض بيضاء عفراء كقرصة نقي، لا معلم فيها لأحد يتذكر المسلم ذلك اليوم، فليعد للسؤال جوابا، ويستكثر من العمل الصالح.
أيها المسلمون عباد الله ها نحن على مشارف العشر الأوائل من ذي الحجة؛ تلك العشر العظيمة التي هي أفضل أيام السنة، وأعلاها قدرا، والتي قال فيها رسول الله ﷺ «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر»؛ أي عشر ذي الحجة، «قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ﷺ: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء».
أكثروا في هذه الأيام المباركة من ذكر الله ﷻ، أكثروا من نوافل الصلاة والصيام والصدقة، تقربوا إلى الله ﷻ بقراءة القرآن والإحسان إلى خلقه، تقربوا إلى الله ﷻ بصلة الأرحام، تقربوا إلى الله ﷻ بخير ما يحضركم من عمل صالح.
ومن حُرم الذهاب إلى الحج، فلا يحرمنّ نفسه أجر العمل الصالح، والإكثار من الدعاء فإنها أيام مشهودة، قال جمهور المفسرين: هي التي أقسم الله بها حين قال: ﴿وَالْفَجْرِ | وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾.
واعلموا أيها المسلمون أن خير الأعمال الإحسان إلى عباد الله ﷻ في هذه الأيام. وممن لا يرون اللحم إلا في هذا العيد.
أسأل الله ﷻ أن يحسن إلى من أحسن إلى المسلمين. اسأل الله ﷻ أن يبارك له في أهله وماله وولده.
هنا أيضًا: سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية.. خطبة جمعة مكتوبة بقوَّةٍ وبلاغة
الدعاء
- اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
- اللهم اجعلنا لك ذاكرين، لك شاكرين، لك مطواعين، لك مخبتين، إليك أواهين منيبين.
- اللهم تقبل توبتنا واغسل حوبتنا ، واجب دعوتنا، وثبت حجتنا وسدد ألسنتنا واهد قلوبنا، واسلل سخيمة صدورنا.
- اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سِلما لأوليائك حربا لأعدائك، نحب بحبك من أطاعك من خلقك، ونعادي بعداوتك من خالفك.
- اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية.
- اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
- اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا.
- اللهم اغفر لمشايخنا، ولمن علمنا وتعلم منا.
- اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا.
- اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات.
- ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
- اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين وأقم الصلاة.
خطبة: دروس من الحج
- ألقاها: فضيلة الدكتور/الشيخ عبدالحي يوسف -بارك الله فيه-.
- فحواها: دروس وعِبَر من الحج.
- خطبة مُقترحَة: خطبة عن حب الوطن — بالعناصر والآيات والأحاديث والقصص