مقدمة الخطبة
الحمد لله مجزل العطايا والهبات، جعل رمضان فرصة لتطهير النفس ومجالا لتغيير العادات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال وقوله الحق: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ).
ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أفضل العباد عملا في رمضان، وأحسن الخلق تقربا إلى الملك المنان، ﷺ وعلى آله وصحبه أهل الفضل والإحسان.
الخطبة الأولى
أما بعد، فأوصيكم ونفسي -عباد الله- بتقوى الله، فإنها وصية الله لعباده المؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)، واعلموا -رحمنا الله جميعا- أننا نعيش في رحاب خير الشهور وأفضلها، إنه رمضان، الذي جعله الله مفتاحا لتغيير العادات، وفرصة للرقي في سلم الكمالات، يقول النبي الكريم ﷺ: «إذا كانت أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر. ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة».
ففي الحديث حث على استغلال الأوقات، وبذل الخير والمنافسة في العمل الصالح، ولا يليق بالمؤمن الحق إلا استزادة من المعروف، وكثير تقرب إلى الملك الرؤوف، طلبا للمغفرة وسيرا إلى تكفير الذنوب فإنه «من صام رمضان وقامه، إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
أيها المؤمنون: قد يشتغل المرء في أيام سنته بأمور دنياه فيجد نفسه مقصرا في ورده من القرآن، ولربما تأخر في المسارعة في كثير من الخيرات، فهذا (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، فجدد لروحك تعلقها بكتاب ربها مستجيبا لله جل جلاله حين قال: (فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ)، ونافس نفسك في العبادات، وشجعها على المسارعة في الخيرات، واضرع خوفا ورهبا بالدعاء إلى الله مجيب الدعوات، فمن كان هذا حاله (فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
وتذكر أيها العبد الصالح قول الله تعالى مخبرا عن زكريا وأهله: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).
أيها المسلمون: لا يقتصر التغيير في الجانب الروحي فحسب، بل نجد رمضان فرصة لتنظيم العادات الصحية كذلك، ولو اقتفى المؤمنون هدي النبي ﷺ في الفطور والسحور لكانوا مكتسبين صحة بعد إيمان، وقوة في الأجسام والأبدان، ولا ريب فإن النبي ﷺ قال: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز».
نعم، احرص أيها اللبيب على ما ينفعك من الطعام والشراب مستعينا بالله غير عاجز عن تهذيب النفس فيما تطلبه من أكل وشرب، فقد كان من سنة النبي ﷺ كما يروي أنس بن مالك -رضي الله عنه- ” أنه يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء”، وما كان طعام النبي ﷺ إلا قصدا من غير إسراف ولا تبذير، بل لم يكن همه من الطعام إلا ما يقيم صلبه، وقد وجه المؤمنين إلى ذلك فقال: «حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس».
فاتقوا الله -عباد الله-، واجعلوا رمضان منطلقا إلى كل خير، وسبيلا إلى كل فضل، وابذلوا المعروف فيه لتنالوا التقوى، فإن ربنا عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
⇐ هنا أيضًا للخطباء المميزون الكرام.. هنا خطبة في استقبال شهر رمضان
الخطبة الثانية
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه المقتفين آثاره وخطاه.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن من العادات التي ينبغي للمسلم أن يراعيها في حياته، ويسعى في رمضان إلى تطويرها وتمكينها ما يتعلق بالجانب الاجتماعي، كزيارة الأرحام، وإصلاح ذات البين، والمشاركة المجتمعية في أعمال البر والإحسان وغيرها، فهي صور من التكافل المجتمعي والترابط المفضي إلى تحقيق التعاون الذي دعا إليه ربنا جل وعلا: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
وقد كان المسلمون ولا يزالون محافظين على الاجتماع للفطور ونحوه في رمضان يتحسس كل واحد منهم حاجة أخيه، ويتعلم الصغير من الكبير سمت الأخلاق وأحسن الشمائل، يستمدون اجتماعهم ذلك من قول ربهم: (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون)، فاجعلوا رمضان طريقا ممهدا إلى قلوب أحبابكم، وانزعوا عن نفوسكم التحاسد والتباغض والتباعد والتحاقد، أصلحوا ما بينكم، وانشروا الود بين أرحامكم وأهليكم، وكونوا كما قال نبيكم ﷺ: «عباد الله إخوانا».
هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.
⇐ كما أن لدينا هنا خطبة سهلة وبسيطة بعنوان: كيف نستقبل شهر رمضان! – مكتوبة