أتيتكم اليوم ومعي خطبة الجمعة القادمة؛ والمعنونة بـ: حياة النبي «صلى الله عليه وسلم» من الميلاد إلى البعثة. وهي أحد الخطب الرائعة التي يُمكن الاستعانة بها بمناسبة ذكرى مولد رسول الله ﷺ. ويُمكن أن تكون جميعها أو بعضها في خِضم الخطبة، أو تكون درس علمي أو محاضرة أو كلمة في ندوة أو افتتاحية.. الخ.
الحقيقة أن خطبة اليوم ليست عاديَّة مطلقًا؛ فالحديث حول حياة سيدنا محمد ﷺ سيظل خالدًا ما بين توجيه وتعليم وإفادة لكل أُمَّته ﷺ.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله ﷻ نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
الخطبة الأولى
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله ﷻ وخير الهدي هدي نبينا محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ما أطيب المجالس حين تعطر بذكر النبي محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وفي كل عام ومع دخول شهر ربيع الأول يتجدد في النفس بواعث تكمن في تجديد البيعة لرسول الله ﷺ.
وفي ذكر سيرته وما فيها من فوائد وعبر ودروس ينبغي أن تستنبط وأن يجعلها المرء منهج حياة.
العناية الربانية لرسول الله ﷺ
سنتكلم عن العناية الربانية من رب العزة لرسول الله ﷺ وهو في عالم الغيب، وحال العرب قبل بعثته، ثم العناية الربانية به وهو في عالم الشهادة، ثم مقتضيات معنى شهادتك أن محمدًا رسول الله.
فأقول مستعينا بالله ﷻ اعلم وفقني الله ﷻ وإياك أخي الكريم أن الله ﷻ اعتنى بنبيه عناية ربانية منذ أن كان في عالم الغيب، فعن العرباض بن سارية صاحب رسول الله ﷺ قال: قال النبي ﷺ «إني رسول الله وأبي آدم منجدلٌ في طينته».
وسأخبركم عن ذلك، فكان النبي ﷺ رسول الله ومراحل خلق آدم في المراحل الأولى.
تأمل وليس معنى هذا أنه ﷺ خلق من نور العرش، أو خُلق من نور، أو أن آدم لما خلق وجد اسمه موجودًا على قوائم العرش كل هذا كلام يقال ليس عليه دليل لا من كتاب ولا من سنة.
إنما يقوله القائلون الذين يريدون أن يزايدوا في مدح النبي ﷺ وهو لا يريد مدحًا من أحد كفى به مدحا أن مدحه ربه، وأن عدله ربه، وأن زكاه ربه، فإما أن تمدحه بشيء ثابت أو تسكت.
أما أن يزعم زاعم أن النبي ﷺ خلق من نور فهذا كلام باطل، والحديث الموضوع المتناقل على الألسنة «أول ما خلق الله ﷻ نور نبيك يا جابر» هذا كلام موضوع باطل.
إنما الصحيح الثابت لدينا قول الله ﷻ ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾، فالنبي ﷺ خلق من أبوين، من نكاح لا من سفاح هذا هو الثابت المنقول، لا نزيد على هذا.
أول مراحل عناية ربه به أن الله ﷻ جعله رسولًا بل جعله خاتم النبيين وآدم في مراحل خلقه الأولى، ثم اعتنى به سبحانه بأن أخذ الميثاق قبل أن يوجد أصلاً على النبيين جميعًا.
أنه ما من نبي يبعث، لو أن نبيًا بعث ومحمد ﷺ موجود على وجه الأرض أخذ الله ﷻ الميثاق على ذلك النبي ليؤمنن به ولينصرنه ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ﴾، صلى الله على النبي وآله، كلما سمعت اسمه صل عليه فإن البخيل ذكر عنده رسول الله ﷺ ولم يصلي عليه.
ومن صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشرا، وتتأكد الصلاة عليه في ليلة الجمعة وفي يوم الجمعة.
اللهم صل على النبي محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرا.
﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ﴾؛ المعنى بهذا رسول الله محمد ﷺ.
﴿مَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾.
يقول ابن كثير في هذا: ورسول الله ﷺ هو المقدم المعظم بين الأنبياء جميعا، دل على ذلك أنه أمهم في بيت المقدس لما اجتمع بهم، ودل على ذلك أنه ﷺ هو الشفيع يوم القيامة، وهو صاحب المقام المحمود ﷺ.
عناية الله بالنبي ﷺ وهو في عالم الغيب
كذا اعتنى ربنا سبحانه به وهو في عالم الغيب أن جعله ينتقل بين الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة حتى ولد ﷺ.
فولد من نكاح لا من سفاح، وولد من خيار من خيار من خيار، فقال «إن الله ﷻ اصطفى إسماعيل من ولد إبراهيم، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم».
صلى الله على النبي وآله، ويقول المفسرون في قوله ﷻ:﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾؛ أنه ظل ينتقل من صلب نبي إلى صلب نبي حتى خرج إلى النور ﷺ.
النبي ﷺ دعوة إبراهيم وبشرى عيسى
من عناية الله ﷻ لنبيه في عالم الغيب أنه دعوة أبينا إبراهيم -عليه السلام- وبُشرى عيسى كما جاءت بذلك الآيات.
إبراهيم -عليه السلام- لما رفع قواعد البيت ودعا ربه بدعوات كان من بين هذه الدعوات ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
فدعا دعاءً لكنه ليس مرتبًا وهذه لفتة لعشاق المتشابهات في القرآن الكريم.
هذا دعاء من الخليل ليس مرتبا؛ يعلمهم ويزكيهم فاستجاب الله دعوته، ورتب له ذلك في ثلاث مواضع من القرآن.
في نفس السورة في سورة البقرة، قال ﷻ ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ﴾، فقدم التزكية قبل التعليم، وذلك تقديم واجب.
وإشارة لطلبة العلم أنه علم بدون تزكية يضر صاحبه ولا ينفعه، أيُما إناء كان متسخا أردت أن تضع فيه عسلا مصفى يجب عليك أولاً أن تنظف الإناء، أن تزكي الإناء ثم ضع فيه ما شئت حتى تنتفع به.
كذلك القلب إذا أردت أن تضع فيه علمًا نافعًا فطهر القلب أولا، رب القلب أولا هذب النفس أولا ثم تعلم يثمر لك العلم ﴿وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ﴾ واستجاب الله ﷻ دعوته ورتبها له في سورة آل عمران الموضع الثاني ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾.
وفي صدر سورة الجمعة ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ﴾.
الثلاثة مواضع قدم الله التزكية قبل التعليم إلا في موضع دعوة إبراهيم قدم العلم قبل التزكية.
قال «أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى».
عيسى عليه السلام قال الله ﷻ على لسانه ﴿إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾.
صلى الله على النبي وآله، وهذا كلام واضح فصل لذلك قال رسول الله ﷺ «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار».
يعني الآن واجب على اليهود والنصارى الذين يعيشون على ظهر الأرض الآن وقبل الآن وبعد الآن طالما أنه بعث محمد ﷺ يلزمهم أن يؤمنوا به وبالكتاب الذي جاء به.
قال ﷻ بعدما ذكر في سورة المائدة التوراة وما فيها من أحكام والإنجيل وما فيه مجملا قال ﷻ ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾.
بعد نزول القرآن انتهى، بعد مجيء النبي ﷺ انتهى، ولو كان عيسى حيًا -عليه الصلاة والسلام-، ولو كان موسى حيًا ما وسعهما إلا اتباع النبي ﷺ.
دل على ذلك أن عقيدتنا أهل السنة والجماعة أن عيسى -عليه السلام- سينزل في آخر الزمان حكمًا مقسطًا يكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، ويصلي خلف إمام المسلمين، فيقول: تقدم، فيقول: إنما أمرت أن أصلي خلفك كرامة لك ولنبي هذه الأمة.
إنه سينزل واحدا من أمة الإسلام عليه وعلى نبينا -الصلاة والسلام- «أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى -عليه السلام».
كيف كانت حالة العرب قبل مجيئ النبي ﷺ؟
كل هذا طرفًا من عناية الله لنبيه في عالم الغيب، إنه لم يولد بعد، وهذا ينقلنا إلى العنصر الثاني كيف كان حالة العرب قبل مجيئه ﷺ؟
كان العرب قبل مجيئه اجتماعيًا في حالة تردٍ لم يعرف لها البشر مثيلا، يقتل الرجل ابنته لأجل العار أو الافتقار، تشب حروبًا بين قبائل لأجل حفنة ماء وحفنة طعام.
اضمحلال الأخلاق، نقوص في الهمم، كانوا كجيفة في حضن وزن، جباه مُبرغة للات والعزى، وأنوف راغمة لمآلات الثالثة الأخرى.
حتى بعث الله محمدا -صلى الله على النبي وآله- فرد كل شيء إلى أصله، وعلمهم وهذبهم، وجعلهم من رعاة للغنم إلى سادة وقادة يقودون الأمم والممالك.
أعز الله المسلمين بالإسلام وبالنبي محمد ﷺ
حين تقرأ في التاريخ دخول الصحابة -رضي الله عنهم- أكثر من صحابي في أكثر من موضع، هذا يدخل على كسرى، وهذا على قيصر، وهذا على المقوقس فيتعجب كسرى الذي علق التاج الذهبي بسلسلة من حديد لأنه لا يستطيع أن يحمله من ثقله وثقل ما رصع فيه من ذهب.
يدخل عليه هكذا برسالة من محمد رسول الله ﷺ إلى كسرى عظيم الفرس يتعجب كيف يجعل ذلك العربي اسمه مع اسمي في نسق واحد؟
ثم كيف تدخل علي أنت وأنتم كنتم تأكلون الجُعلان والجيف؟ فيقول له: صدقت، كنا كذا وكذا وأكثر مما ذكرت حتى جاءنا رسول منا نعرف نسبه وصِدقه.
جعل الله ﷻ نبيه سببًا في رفعة هؤلاء، وفي الرقي بهؤلاء حتى دخلوا على الملوك بل حتى حازوا ما حازه الملوك، بماذا؟
بالإسلام يا عباد الله لذا قال عمر: لقد أعزنا الله ﷻ بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
تأمل هذا درس لي ولك مهما ابتغينا العزة في غير الإسلام أذلنا الله.
حالتهم قبل الإسلام نقوص في كل المناحي؛ اجتماعيًا واقتصاديًا ودينيًا وسياسيًا حتى ولد محمد ﷺ.
عناية الله بالنبي ﷺ وهو في عالم الشهادة
اعتنى الله ﷻ به أيضًا وهو في عالم الشهادة، فيولد يتيمًا فتتكفل به أمه، ثم تموت وهو دون البلوغ فيتكفل به جده وكأن الله ﷻ لا يريد أن يكون لأحد مِنة على هذا النبي الكريم.
إنما رباه ربه ﷻ ليس لأحد عليه فضل ولا منة إنما الفضل والمنة لله ﷻ ثم يُرسل إليه ملكين في حادثة شق الصدر المعروفة؛ يشقان صدره ويستخرجان منه حظ الشيطان من قلبه.
أنس بن مالك خادم النبي ﷺ يقول: ما زلت أرى أثر الخيط في صدر النبي ﷺ ثم يحوطه ربه في شبابه أن يقع فيما يقع فيه غيره من انتباه للهو أو شرب لخمر أو أكل ميتة.
فما شرب خمرًا ولا أكل ميتة ولا حضر عرسًا يذري به بعد بعثته أبدا حال شبابه.
بل صان الله ﷻ بلدته وحفظها حين أتى عام الفيل، وحين أراد أبرهة الأشرم أن يهدم البيت صان الله ﷻ بيته وصان بلد نبيه من هذا، وبين قوسين العلمانيون الآن يطعنون حتى في مثل هذه الثوابت من ديننا.
وهناك شباب يريدون مناقشة مسألة أن الرسل لم يعبثوا بعقول الخلق، وأن الحوادث التي أخبر الله ﷻ عنها في كتابه ليست عبثًا.
وهؤلاء الشباب يقولون: أن الرسل ألفوا من قبل أنفسهم أساطير اسمها أبرهة، واسمها صيحة ثمود، واسمها ريح عاد، واسمها طوفان نوح، واسمها شق الأرض.
أساطير، والرسل عبثا ألفوا ذلك! وكيف نذهب من قوله ﷻ ﴿فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا﴾؛ عاد، ﴿وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ﴾؛ ثمود، ﴿وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ﴾؛ قارون ﴿وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا﴾؛ فرعون.
أين نذهب؟ أين نذهب من سورة اسمها سورة الفيل؟.
وهذا اسمه تكذيب بصريح القرآن، العقل والعلم لهما حدود كالعين تماما بتمام.
فالعين لا تنظر إلا أمامها فقط لأن هذه العين جارحة جعل الله لها حدودًا، كذلك العقل، كذلك العلم.
بل لو رجعنا إلى العلم الحديث، انظر إلى كلام الجيولوجيين الآن يقولون: وجدنا بعد الحفر والتنقيب عن مدن بأكملها تحت التراب أليس هذا تصديقًا لكلام الله ﷻ ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ مدن بالكامل محيت معالمها يبحثون عنها الآن وينقبون على أنها حضارات، ونحن ننفي ذلك.
أي موضع في كتاب الله ﷻ بآيات محكمة لا يجوز لمسلم أن يكذبه، ولو كذب بصريح القرآن لَكفر.
تأمل هذا يا عبد الله «وأنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى -عليه السلام-».
اعتنى الله ﷻ بنبيه في عالم الشهادة بأن صانه في صغره وفي شبابه وبأن صان بلدته بأن حماه من اغتيالات عدة أحاطت به منذ صغره ونشأته.
حاول المشركون أن يقتلوه، وحاول يهود أن يقتلوه مرارا ولكن ﷻ نجى نبيه من كل هذا.
حق النبي علينا
هذا النبي الكريم أيها الأخ الكريم حقه عليك ومقتضى إيمانك به وأنت تشهد أن محمدًا رسول الله ليست كلمة تقال باللسان إنما هذه الكلمة، هذا الشق الثاني من كلمة التوحيد له مقتضى يتلخص في سبع نقاط:
أن تعتقد وأنت تشهد أن محمدٌ رسول الله أنه عبدٌ لله ﷻ. أن محمدا عبد لله ﷻ ولا تخلط ما لله من حق لما لنبيه من حق فليس من شأن العبد أن يدعى من دون الله.
وليس من شأن العبد أن يُستغاث به من دون الله، وليس من شأنه أن تطلب منه الحوائج بعد موته.
حزنت كثيرًا لما رأيت مقطعًا لرجل أزهري عُرف بإتقانه لعلوم الأدوات بل لم يكن له مثيل في عصره -رحمه الله- في إتقان اللغة وأصول الفقه ومع ذلك لما جلس مجلسا وأراد أن يختمه بدعاء قال:
وانتبه لذلك لأن لا تقع فيما قال، قال: اللهم صل صلاة تامة على من تقضى به الحوائج، وتفرج به الكروب ويستسقي بوجهه الغمام.
هذا شرك بالله، هذا الدعاء شرك بالله العظيم، تخيل! مثل هذا لا يقال بعد مماته.
إنما إذا أردنا أن نستسقي في حياته نستسقي بوجهه في حياته، نطلب منه حاجة في حياته.
ولدينا صنف مشروع من التوسل اسمه التوسل بدعاء الرجل الصالح الحي ليس الميت.
لكن أن أقول بعد مماته: صل صلاة تامة على من تقضى به الحوائج، كيف تقضى به الحوائج؟ وهو في قبره ﷺ.
تأمل في هذا لا يكون الرجل متقنا لعلم أداة ويغفل عن علم هو من أوجب الواجبات أن يتعلمه علم العقيدة وعلم التوحيد.
إنك أن لقيت الله ﷻ بكل ذنب عسى الله أن يغفره إلا أن تلقاه وأنت تشرك به شيئًا.
تأمل هذا يا عبد الله ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾.
الخطبة الثانية
الحمد لله كم له سبحانه علينا من نعم وكم أفاض من جود وكرم ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾، ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
اللهم صل على محمد النبي وأزواجه وأمهات المؤمنين وذريته وآل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
من مقتضيات شهادة أن محمدًا رسول الله
أن تعتقد أنه عبد لله ﷻ ليس من شأنه أن يدعى، وليس من شأنه أن يعظم، وليس من شأنه أن يستغاث به إنما كما قال «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله﴾.
وهو معظم في قلوبنا وهو معظم في أوامره وفي كلامه وفي أمره ونهيه ﷺ.
النبي خاتم الأنبياء والمرسلين لا نبي بعده
من مقتضيات ذلك أن تعتقد أنه خاتم الأنبياء والمرسلين كما قال «لا نبي بعدي»، أن تعتقد أنه خاتمهم فلن يبعث الله ﷻ بعده نبيا.
من مقتضيات ذلك أن تصدقه فيما أخبر، في كل ما أخبر به تصدقه ﷺ، وأن تطيعه فيما أمر.
ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول: ما وجدتم في كتاب الله فأحلوه قال النبي ﷺ «ألا وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله».
يعني؛ لا تقل هذا لم يأتي تحريمه في كتاب الله، فالسنة مكملة للقرآن، ﴿وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾؛ الحكمة هي السنة.
﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾؛ الحكمة: السنة وهي مكملة لكتاب الله، كلاهما وحي من الله ﷻ ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى | إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾.
طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، والانتهاء عما عنه نهى وزجر «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم».
أحِب النبي ﷺ من كل قلبك
من مقتضيات ذلك يا عبد الله أن تحبه من كل قلبك «لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين».
والمحبة لها لوازم، ولها علامات نسأل الله ﷻ أن ييسر لها موضعا آخرا.
هذا رسول الله ﷺ سيد الخلق، وحبيب الحق نسأل الله ﷻ كما جعلنا من أمته أن ينفعنا بصحبته في الدنيا والآخرة، وأن يجمعنا به ﷺ وأن يسقينا من يده شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا إنه جواد كريم والحمد لله رب العالمين.
وهنا نجِد يا أكارِم: خطب عن المولد النبوي — 5 روائِع مكتوبة لتختار من بينها
الدعاء
- نسأل الله ﷻ أن يفرج الكرب عن إخواننا في كل مكان، وأن يرفع عنهم البلاء.
- اللهم يا أرحم الراحمين، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم صل على النبي محمد وآله وسلم تسليما كثيرا.
- اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، ثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
- اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، اجعل جمعنا هذا جمعًا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده معصوما، ولا تجعل فينا ولا منا ولا بيننا ولا حولنا شقيا ولا محروما.
- اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات.
- اشف مرضى المسلمين، وارحم موتى المسلمين، وفك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين.
- اللهم أنج المستضعفين وأغث المنكوبين.
- اللهم احفظنا بحفظك الذي لا يُرام، واكلأنا بعينك التي لا تنام، ورد عنا كيد الكائدين.
- اللهم احفظنا بما تحفظ به عبادك الصالحين، اللهم صب علينا الرزق صبا، ولا تجعل معيشتنا كدا.
- اللهم وسع على فقراء المسلمين، اللهم فرج كرب المكروبين ونفس هم المهمومين.
- ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
- اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا، وهيئ لنا من أمرنا مرفقا.
- ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
وصلى الله على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين وأقم الصلاة.
خطبة حياة النبي ﷺ من الميلاد إلى البعثة
- ألقاها: فضيلة الشيخ وليد فصيح -جزاه الله خيرا-.
- فحواها: تسليط الضوء على هذا الجانب الكبير من حياة الرسول محمد ﷺ منذ مولده إلى بعثته. وما تخلل ذلك الوقت من أحداث هامة ونقاط وتفاصيل يجدر بنا كمسلمين أن ننتبه إليها.
- مقترح: خطبة عن المولد النبوي الشريف مكتوبة — للخطباء الباحثون عن التميز