من أهم الجوانب في حياة المسلم وتفكيره وتعامله؛ هذا ما سنتحدَّث عنه اليوم عبر محتوانا المتمثل في خطبة عن حسن الظن بالله ﷻ وكيف حثَّنا مولانا ﷻ على ذلك في كتابه العزيز والأحاديث القدسية وأحاديث المصطفى ﷺ.
الآن؛ نسوق إليكم هذه الخطبة عبر ملتقى الخطباء وصوت الدعاة بصفحات موقع المزيد.
ستكون الخطبة مكتوبة؛ مقسَّمة -كالعادة- إلى مقدمة، ثم خطبة أولى وثانية، ثم الدعاء.. فلنبدأ على بركة الله.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله بلغ وأدى الأمانة ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلوات الله وسلامه عليه.
الخطبة الأولى
أما بعد فيا عباد الله ﴿اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
معاشر المسلمين احمدوا الله ﷻ واشكروه ﷻ على أن وفقكم للصيام والقيام، واسألوه ﷻ القبول فهو ﷻ يحب الشاكرين، ويزيد الشاكرين من فضله ﷻ.
يتنافس المسلمون في هذه الأيام الفاضلة بالأعمال الصالحة؛ من صلاة وصيام وقيام ودعاء وصدقة وغير ذلك من أعمال البر يرجون رحمة الله ويرجون مغفرته، يرجون رضاه ﷻ.
يسألونه جنته ويعوذون به من سخطه ومن النار، يعوذون به من عقوبته في الدنيا وفي الآخرة.
يجمعون بين الرجاء والخوف ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾.
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾.
يعظمون الله ويعلمون بأن الله يراهم، ومطلعٌ على أعمالهم، ويعلم ﷻ سرهم ونجواهم، ولا يخفى عليه شيء من أمرهم ﷻ، تقدست أسماؤه وصفاته.
حسن الظن بالله
قال الله الحليم ﷻ ﴿فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِين﴾. فعلى المسلم أن يحسن الظن بالله ﷻ فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «يقول الله ﷻ أنا عند ظن عبدي بي».
ويتأكد حسن الظن بالله ﷻ عندما يقوم المسلم بالطاعات، عندما يتقرب إلى ربه ﷻ بالأعمال الصالحة، إذا رفع يديه إلى الله وقال: يا الله يا سميع يا عليم يا غفور يا رحيم علم بأن الله ﷻ يسمع كلامه، ويعلم ما في قلبه ﷻ.
يعلم بأن الله ﷻ أمره بالدعاء ووعده بالإجابة ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً﴾، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾.
قال الله ﷻ ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾.
والنبي ﷺ قال «ثلاثة لا تُرد دعوتهم» وذكر منهم «الصائم حتى يفطر».
إن الله قريب مُجيب
أيها الصائم أحسن الظن بالله ﷻ وأنت تناجيه، أن الله جل ﷻ يُجيب دعائك، ويرفع عنك السوء والبلاء، ويحقق لك ما تريد ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾.
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، والنبي ﷺ يقول «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء» ويقول صلوات ربي وسلامه عليه «ن الله حييٌ كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه، أن يردهما صفرا»، ورسولنا ﷺ يقول «ادعوا وأنتم موقنون بالإجابة».
شروط إجابة الدعاء
من شروط إجابة الدعاء يا عباد الله؛ اليقين، فإذا تحققت شروط الإجابة وانتفت موانعها فإن الإجابة متحققة.
يحسن الظن المسلم بخالقه ﷻ أنه يكشفُ عنه السوء ويحقق له مراده، نعم.
وإذا تقرب إلى الله ﷻ بالطاعات يحسن الظن بأن الله يقبل عمله.
والله ﷻ من أسمائه؛ الشاكر، والشكور، يعطي على القليل الكثير، إليه يصعد الكلم الطيب، والعمل الصالح يرفعه.
أيها المتصدق، يا من بذلت لله ﷻ تذكر أن الله ﷻ يُظل المتصدقين بظله يوم القيامة «سبعة يظلهم الله في ظله» وذكر منهم «رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».
عينان لا تمسهم النار
يا من بذلت لله ابشر بأنك سوف تُظل بظل الله ﷻ، يا من ذرفت عيناه من محبة الله، من الخوف من الله، من الإجلال والتعظيم لله اعلم يا عبد الله أن العين التي بكت من خشية الله لا تمسها النار.
قال رسول الهُدى ﷺ «عينان لا تمسهم النار؛ عين بكت من خشية الله» فقد حرم الله ﷻ الجسد على النار.
العين التي بكت من أجل الله، من أجل تعظيم الله، وذكر النبي ﷺ «من السبعة الذين يظلهم الله في ظله؛ رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».
عندما يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد وعليهم من الكرب ما الله به عليم، هذا الذي بكى من خشية الله يُظل في ظل الله.
أيها الباكون من أجل الله، من محبته وتعظيمه، من الخوف منه ﷻ ابشروا برحمته ﷻ.
أيها التائبون.. أبشروا برحمة الله
أيها التائبون، أيها المنكسرون بين يدي الله ﷻ ابشروا برحمة الله ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ﴾.
تأملوا معي يا عباد الله بذلك الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، ونشد التوبة فأرشده العالم إلى أن الله يقبل توبته فتاب فقبل الله ﷻ توبته وادخله الجنة بل قال الله ﷻ للكافرين ﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ﴾ بل الذين عذبوا المؤمنين، إن الذين فتنوا المؤمنين كانوا يلقونهم في النار.
قال الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾. ولو تابوا لتاب الله عليهم.
أحسنوا الظن بالله
فأحسنوا الظن بالله ﷻ، وانكسروا بين يديه في هذه الأيام الفاضلة، اجتمع لكم شرف الزمان وشرف المكان وأنتم في أيام فاضلة ترجى فيها ليلة القدر.
يتحرى المسلم ليلة القدر، يرجو رحمته، وأنتم تستقبلونها في هذه الليلة عند جمعٌ أهل العلم فقد ذهب جمع من الصحابة منهم ابن عباس وأبي بن كعب يرون: أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين.
وقد ذكر ابن حجر خلاف أهل العلم في ذلك، وذكر أربعين قولا في هذه المسألة ولكن الذي تدل عليه الأدلة أنها في العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك، وأنها في الأوتار أكد، وأنها في ليلة سبعٍ وعشرين، أكد الليالي.
فانكسروا بين يدي الله ﷻ واسألوه من فضله، انكسروا بين يديه ﷻ فهو يراكم ويعلم سركم ونجواكم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول واستغفر الله العظيم لي ولكم المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وهنا نجِد: خطبة عن الاستغفار «مكتوبة جاهزة»
الخطبة الثانية
اللهم لك الحمد كله، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد فيا عباد الله ﴿اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
عجائب الاستغفار وفضائله العظيمة
عباد الله كان من هدي النبي ﷺ أنه يختم الأعمال الصالحة بالاستغفار فقد ثبت في صحيح مسلم أن المصطفى ﷺ إذا انتهى من صلاته استغفر ثلاثا.
وأثنى الله ﷻ على من يقومون الليل ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾، ثم يختمون هذا العمل الجليل بالاستغفار ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.، ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾.
وكان نبينا ﷺ يختم جلسته بكفارة المجلس يستغفر الله ﷻ، وتقول عائشة -رضي الله عنها- كما جاء في صحيح مسلم سمعت النبي سمعت النبي ﷺ يقول وهو مسند ظهره إليها، يقول في آخر حياته عند الموت «اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى».
وقد أمر الله ﷻ عباده بالاستغفار بعد الوقوف بعرفة ﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
قاموا بأعمال جليلة، بأعمال بدنية وبأعمال قلبية وبأعمال مالية وأمرهم الله ﷻ أن يختموا هذا العمل بالاستغفار.
وأمر ربنا رسوله ﷺ أن يختم حياته بذلك، قال الله ﷻ ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ | وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا | فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾.
فأكثروا من الاستغفار والانكسار بين يدي الله ﷻ، واحذروا يا عباد الله أن تتكاثر أعمالكم فلا تساوي عند الله شيئا ويعجب الإنسان بعمله.
فإن وفق إلى عمل صالح الذي وفقه هو الله ﷻ ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾.
﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾، يا عبد إن الذي شرح صدرك للإيمان، إن الذي شرح صدرك للقيام، إن الذي أعانك على الصيام، إن الذي أعانك على الأعمال هو الله ﷻ.
فاسأل الله ﷻ، فاسأل ربك القبول واسأل ربك المغفرة، أسأل الله أن يتقبل ما عملت وأن يتجاوز عن التقصير والتفريط.
كذلك؛ نقرأ هنا: خطبة المنجيات من عذاب القبر – مكتوبة
الدعاء
- يا كريم، يا شاكر، يا شكور، يا من ترانا وتسمع كلامنا وتعلم سرنا ونجوانا اختم لنا بالعمل الصالح، اختم لنا هذه الحياة برحمتك ومغفرتك وجنتك يا أرحم الراحمين.
- اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ودعائنا وسائر أعمالنا.
- اللهم تجاوز عنا يا أرحم الراحمين.
- اللهم ما كتبت في هذه الدنيا من فوز وفلاح ونجاة فاجعل لنا منها أوفر الحظ والنصيب، وما كتبت فيها من سوء وبلاء وفتنة فاصرفه عنا وعن المسلمين يا رب العالمين.
- يا رب تجاوز عن تقصيرنا وتفريطنا.
- اللهم تقبل القليل وتجاوز عن الكثير يا رب العالمين.
- اللهم يا لطيف الطف بنا.
- اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين.
- اللهم يا حي يا قيوم، يا أرحم الراحمين اجعلنا ممن يشفع له الصيام والقرآن يا رب العالمين.
- اللهم اجعلنا ممن يشفع له الصيام والقرآن يا رب العالمين.
- اللهم أعد علينا رمضان أعواما مديدة وأزمنة مديدة، ونحن بصحة وأمن وإيمان وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
- يا رب يا كريم فرج هم المهمومين، اللهم فرج هم المهمومين، واقض الدين عن المدينين، واشف يا الله مرضانا ومرضى المسلمين.
- يا رحيم يا رحمن يا ودود اجمعنا بأعلى الجنان مع سيد الأنام عليه الصلاة والسلام.
- اللهم اجمعنا بجنات النعيم يا رب العالمين.
- نسألك يا الله من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
- ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
- يا قوي يا عزيز يا جبار يا قهار اللهم انتصر للمظلومين في كل مكان، اللهم انتصر لهم في كل بلدان المسلمين.
- اللهم أصلح أحوال المسلمين واجمع قلوبهم على الكتاب والسنة يا رب العالمين.
- اللهم من أرادنا أو أحدا من المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، من أراد بلادنا بلاد الحرمين اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم أبطل كيده وافضحه على رؤوس الأشهاد.
- اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، سدد أقوالهم وبارك في جهودهم يا حي يا قيوم.
- اللهم إنا نسألك يا الله أن تجعلنا ممن يطول عمره ويحسن عمله وتحسن خاتمته ولا تجعلنا ممن يطول عمره ويسوء عمله، وتسوء خاتمته يا رب العالمين.
اللهم صل وسلم وبارك وتفضل وأنعم، على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وإليكم مقترنا التالي أيضًا: خطبة عن محبة الله ﷻ «قصيرة»
خطبة عن حسن الظن بالله ﷻ
- ألقاها: فضيلة الشيخ د. عبدالعزيز الفايز -جزاه الله خيرا-.
- موضوعها: حول هذا الجانب العظيم الذي ينبغي أن يكون حاضرًا دومًا في قلب وعقل كل مسلم؛ وهو حُسْن الظن بالله -سبحانه وتعالى-.
- مقترح: خطبة عن الرزق وأسبابه ومفاتيحه