عناصر الخطبة
- معنى دعاء “حسبي الله ونعم الوكيل”
- التوكل على الله وكفايته لعباده المؤمنين
- العلاقة بين “حسبي الله ونعم الوكيل” وتقوى الله
- فضل “حسبي الله ونعم الوكيل” فيما ورد بالأحاديث النبوية
- “حسبنا الله ونعم الوكيل” في قصص الأنبياء
- أثر اليقين بالله والتوكل عليه في الحياة اليومية
- دور الدعاء في مواجهة الشدائد والأعداء
- أهمية التوكل على الله في حياة المسلمين وخاصة في الأوقات العصيبة
- “حسبي الله ونعم الوكيل” كوِرد يومي للمسلمين
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي امتن علينا بالعقول والأبصار والأسماع، وأكرم المؤمنين بالإسلام والإيمان والإحسان، نحمده حمدا كثيرا، ونشكره شكرا مزيدا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ جعل ما أعطى بني آدم من النعم ابتلاء لهم، وحجة عليهم، فإن هم سخروها في طاعته رضي عنهم، وإن استعملوها في معصيته سخط عليهم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان ﷺ يذكر الله ﷻ في كل أحيانه، ويشكره في كل أحواله؛ إقرارا بنعمه، وأداء لحقه، وسعيا في شكره، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
الخطبة الأولى
حسبي الله ونعم الوكيل: دعاء معناه: أن الله ﷻ كاف عبده في كل أحواله بقدرته ﷻ وعظمته، وبها يفوض العبد ويسلّم أمره إلى الله ﷻ، ومن فوّض أمره إليه ﷻ، كفاه، وتولاه، يقول الله ﷻ: ﴿قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ الزمر: 38.
فهي كلمةٌ عظيمة، ذات معانٍ جليلة، تربط المؤمن بخالقه، وتتجلى فيها معاني العبادة الخالصة لله ﷻ، فالله ﷻ هو الذي يكفي عباده الهمّ والغمّ، وهو ﷻ نِعم الوكيل الذي به تحصل الكفاية عن كل مخلوق، ويُستجار به عند وقوع النوائب، ويُستغاث به في دفع الضُّر والبلاء، ويستنصر به في دفع الأعداء، ويتوسل به في استنزال الرحمات، يقول الله ﷻ: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ الطلاق: 3؛ أي: كافِيه أمورَ دينِه ودُنياه، الكافِي عبدَه هُمومَه وغُمومَه، وكان من دعاء النبي ﷺ: (اللهم رحمتَك أرجُو، فلا تكِلني إلى نفسِي طرفَةَ عينٍ) رواه أبو داود.
ومن فضائل “حسبنا الله ونعم الوكيل” أنها مرتبطة بتقوى الله ﷻ، فمن زاد تقواه زاد توكله، ومن ارتبط بخالقه قوي يقينه، ومن كان هذا حاله، كان الله في عونه وكان في نصرته وكفايته وملأ الله قلبه إيماناً واطمئناناً، وكشف عنه كلّ همٍ ووقاه من كل غمّ، يقول الله ﷻ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه﴾ الطلاق: 2، 3.
قال رسولُ الله ﷺ «من قال إذا أصبحَ وإذا أمسَى: حسبِيَ الله لا إله إلا هو عليه توكَّلتُ، وهو ربُّ العرش العظيم سبعَ مراتٍ؛ كفَاه الله ما أهمَّه» سنن أبي داود.
إن قول المؤمن (حسبنا الله ونعم الوكيل) دليل على ثبوت الإيمان واستقراره في القلوب وهذه الكلمات المباركة هي قول سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين ألقي في النار وقول سيدنا محمد ﷺ عندما أخبر باجتماع الأعداء. عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (حسبنا الله ونعم الوكيل): «قالها إبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النار، وقالها محمد ﷺ حين قالوا: {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} آل عمران: 173، صحيح البخاري.
فالوكيل هو الكفيل بنصرنا، فالله ﷻ هو المستعان، نعم المولى ونعم النصير.
قال الإمام الخطابي رحمه الله ﷻ في كتابه ” شأن الدعاء” عند شرح اسم (الوكيل) من أسماء الله الحسنى: “… ويقال معناه: أنه الكفيل بأرزاق العباد والقائم عليهم بمصالحهم، وحقيقته أنه الذي يستقلُّ بالأمر الموكول إليه، ومن هذا قول المسلمين: (حسبنا الله ونعم الوكيل)، أي نعم الكفيل بأمورنا والقائم بها.
وهي الكلمة التي أُمرَ رسولُ الله ﷺ أن يقولها إذا تولى الناس عنه في خواتيم سورة التوبة. يقول الله ﷻ: ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ التوبة 129.
ولئن قال سيدنا إبراهيم عليه السلام هذه الحسبلة حين ألقي في النار، فإن ما يواجه الأمة عامة والأهل في غزة وفلسطين خاصة يقتضي أن يقولوا ونقول معهم [حسبنا الله ونعم الوكيل]، يقول ﷺ: (من قال إذا أصبحَ وإذا أمسَى: حسبِيَ الله لا إله إلا هو عليه توكَّلتُ، وهو ربُّ العرش العظيم سبعَ مراتٍ؛ كفَاه الله ما أهمَّه). رواه أبو داود.
فعلينا المحافظة على هذا الدعاء سبع مرات وأن يصبح وِرْداً من أوراد أذكار الصباح والمساء لما تتضمنه هذه الكلمة من اليقين بنصر الله ﷻ الذي كتب النصر لرسله عليهم الصلاة والسلام في قوله ﷻ: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ سورة المجادلة: 21
وختم هذه الآية الكريمة بقوله ﷻ (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) يقين فوق اليقين في قولنا [حسبنا الله ونعم الوكيل].
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.
واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.
وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ.
فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله ﷻ في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله ﷻ يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173،174
والحمد لله ربّ العالمين…