إخواني الخُطباء في كُل بقاع الأرض؛ أُقدِّم لحضراتكم اليوم خطبة جمعة مكتوبة، موضوعها حب النبي لوطنه. بها الكثير من العِظات والدروس والعِبَر.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
الخطبة الأولى
أما بعد فاعلموا أن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
أيها الكرام أبناء الكرام اتباع النبي الكريم صاحب الخلق العظيم اتقوا الله واعتصموا بحبله حيث أمركم الله بذلك فقال جل جلاله وعز عزه (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) وأن من تقوى الله حق تقاته ما أتى بعدها (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله).
فعلينا أن نعتصم بحبل الله -عز وجل- ليس بحبل الشرقِ ولا بحبل الغرب. ليس بحبل الجاه ولا بحبل المال بينما بحبل الله سبحانه وتعالى فقط.
اللهم ارزقنا التقوى حق التقوى نحيا عليها ونموت عليها ونعتصم بحبلك العظيم.
أيها الكرام أبناء الكرام اتباع النبي الكريم من يتأمل سيرة الحبيب -صلى الله عليه وسلم- ويقرأ في سيرته يجد فيها جوانب الكمال البشرية في أبهى صورته -صلى الله عليه وسلم- فقد أوتي من الجمال والكمال في كل جوانب سيرته. نقف اليوم عند جانب من جوانب كماله في جميل فطرته في أجمل وأبهى صورها، وهي حبه لبلده، حبه لوطنه.
حب النبي ﷺ لبلده ووطنه مكة
أحب النبي -صلى الله عليه وسلم- البلد التي في ولد فيها ونشأ فيها ولما انتقل إلى المدينة أحب البلد التي انتقل إليها، أحب مكة وأحب جبالها وأوديتها، أحب رمالها وحصبائها وحجارتها؛ حتى قال يوم أن خرج منها وهو واقف بالحزورة (والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت).
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُخاطب البلد التي ولد فيها ونشأ، فكان يُخاطبها كأنه يخاطب كائنا حيا يسمع يقول لها: ما أطيبكِ من بلد وما أحبك إلي، ولولا أن قومي يا بلدي يا مكة أخرجوني منكِ ما سكنت غيرك.
وحقا لهذه الكائنات أن تسمع منه -صلى الله عليه وسلم- حتى قال -عليه الصلاة والسلام- بعد عشرات السنين (إني لأعرفُ حجراً بمكةَ كان يسلمُ عليَّ قبل أن أبعثَ إني لأعرفُهُ الآن) فعلم يعرف -عليه السلام- الجبال ولا المعالم الكبيرة في مكة فقط، بل كل حجر صغير كان يعرفه ويُسلم عليه.
وهذا يُبين مدى حبه -صلى الله عليه وسلم- لبلده ووطنه مكة.
وعندما انتقل إلى المدينة -عليه الصلاة والسلام- دعا الله فقال: اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، فأحب المدينة وأحبته المدينة، أحبته الجمادات والأشجار والكائنات التي كانت في المدينة، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا عاد من سفر أو غزوة فدنا من المدينة حث المطية لتسرع شوقاَ إلى المدينة، حتى إذا رأى أعلام المدينة ورأى جبل فقال: أحد يحبنا ونحبه -صلى الله عليه وسلم-.
وهذه هي مشاعره -صلى الله عليه وسلم- التي كان يكنها للبلد التي ولد فيها، البلد التي نشأ فيها.
النبي ﷺ يعود إلى مكة منتصراً فاتحاً
وعندما أكرمه الله فعاد إلى مكة بعد سنوات قليلة -صلى الله عليه وسلم- عاد إليها فاتحاً منتصراً بجيشٍ لم تعرف العرب مثله، فدفعه حبه لبلده وساكني بلده وخلقه العظيم للعفو عنهم رغم أنهم أهدروا دمه ومكروا ليفرقوا دمه بين القبائل حتى يضيع دمه.
فمن شدة إيذائهم له ومكرهم به وتآمرهم عليه وزعوا دمه بين القبائل، ومع ذلك حين قال سيد الأنصار سعد بن معاذ وهو يقود الأنصار في كتيبه من أعظم الكتائب قال: اليوم يوم الملحمة.
يقول سيد مكة أبو سفيان: اليوم يوم الملحمة؛ أم المقتلة فاليوم تُستباح الكعبة فلما سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كذب سعد؛ أي أخطأ.
فاليوم تُعظم الكعبة، اليوم يا سعد هو يوم المرحمة، ثم قال حباً لبلده وحباً لساكنيها مع ما فعلوه به قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
أيها الكرام أبناء الكرام اتباع النبي الكريم هكذا يكون الوفاء للأوطان، هكذا يكون الحب للأوطان، يقوم على التسامح والمرحمة وحفظ الأنفس والأرواح والثمرات. ليس حباً يقوم على الانتقام والتشفي والتخوين ونشر الأحقادِ والعداوات والبغضاء والفتن والحروب.
هؤلاء الذين يدّعون حب الأوطانِ وهم ينشرون الحروب والفتن والأحقاد فلينظروا لسيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ۚ إن الله يحب المتوكلين) اللهم ارزقنا اتباع هذا النبي العظيم، أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، ويا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله كما أمركم الله. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما.
اللهم اجعلنا ممن يطيعك ويُطيع رسولك -صلى الله عليه وسلم- ويفوز الفوز العظيم.
واعتصموا بحبل الله جميعاً
عباد الله الكرام أبناء الكرام اتباع النبي الكريم إن من نعمة الله علينا في هذا القرن الأخير أن وحد الله هذه البلاد على يد مؤسسها، فنعمة التوحد على راية التوحيد من نعم الله العظيم علينا في هذه الأزمنة المتأخرة، بل من نعمة الله على أمة الإسلام أن تتوحد، وقد توحّش أعداءها وسعوا في تمزيقها، ويذكرنا الله بهذه النعمة على نبيه وعلى أمة العرب حين بعثه الله -صلى الله عليه وسلم- فقال جل جلاله (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ۚ واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا).
هذا الاعتصام بالله وتذكر نعمة الله كان سبباً في عزة هذه الأمة في هذه الدنيا، وهو سبب لنجاتها يوم القيامة (فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون).
اللهم انقذنا من شفا حفرة التفرق والتحزب والتعادي والاختلاف والتنازع، وانقذنا من حفرة النار يا رب العالمين. اللهم اهدنا بهدايتك.
عباد الله مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- طائفة من أمته كما في الصحيح قال: (مِنْ أشَدِّ أُمَّتي لي حُبًّا، ناسٌ يَكونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بأَهْلِهِ ومالِهِ).
اللهم اجعلنا من أشد أمتك حباً لرسولك -صلى الله عليه وسلم-.
عباد الله أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله حيث أمركم الله بذلك فقال -جل جلاله- (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صل وسلم على الحبيب المصطفى وعلى آله وأصحابه واجعلنا ممن سار على دربه واقتفى يا رب العالمين.
الدعاء
- اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم، أعز الإسلام والمسلمين اللهم احفظ لهذه البلد وحدتها وتوحيدها وأمنها وإيمانها.
- اللهم من أراد هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين بكيد ومكر وتمزيق وفتنة فاجعل عاقبته مكره عليه ومزق شمله يا رب العالمين.
- اللهم خذ بنواصينا للبر والتقوى وأيدنا بالبطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.
- إلهنا يا إله الحق يا مولانا نسألك يا مولانا من خير ما أعطيت عبادك الصالحين من خير ما سألك منه حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- ونعوذ بك يا مولانا من شر ما عدت منه عبادك الصالحين، من شر ما استعاذك منه حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-.
- اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وذرياتنا وسائر قرباتنا وأصلح أحوالنا وأحوالهم يا رب العالمين.
- اللهم إلهنا إله الحق ردنا إلى دينك رداً جميلا واجمع كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين واجعلهم معتصمين بحبلك المتين.
- ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
تفاصيل الخطبة
- عنوان الخطبة: خطبة الجمعة عن حب النبي لوطنه.
- للشيخ: هاشم باصرة.
- فحواها: بين يديكُم خطبة جمعة عن حب النبي لوطنه؛ مشتملة على دروس وعبر؛ فضلا عن القصص، الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
لدينا هنا أيضًا خُطَب قد تنال استحسانك: