واحِدة أُخرى هنا؛ إنها خطبة جمعة مختصرة ومشكولة تأتيكم تحت عنوان: كلمات الله. تلك المنبريَّة التي نتحدَّث من خلالها عن مواعِظ عظيمة، بلُغة فصيحة بليغة. فنسأل الله ﷻ العلم النافِع دومًا.
مُقدمة الْخُطْبَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ، وَالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، أَحْكَمَ آيَاتِهِ، وَأَتَمَّ كَلِمَاتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا).
الْخُطْبَةُ الأوْلَى
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا)، فَكَلِمَاتُ اللَّهِ ﷻ: عِلْمُهُ عَزَّ وَجَلَّ، سُبْحَانَهُ: (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا)، وَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ خُبْرًا، وَمِنْ مَعَانِي كَلِمَاتِ اللَّهِ: أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ، وَآيَاتُهُ الدَّالَّةُ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِه، وَبَدِيعِ صُنْعِهِ، فلَوْ أَنَّ الْأَشْجَارَ كُلَّهَا كَانَتْ أَقْلَامًا، وَالْبِحَارَ كُلَّهَا كَانَتْ حِبْرًا وَمِدَادًا، وَالْخَلَائِقُ جَمِيعًا يَكْتُبُونَ، لَفَنِيَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتْ مِيَاهُ الْبِحَارِ، وَلَمْ تَنْفَدْ كَلِمَاتُ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، قَالَ ﷻ: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
وَمِنْ كَلِمَاتِ اللَّهِ ﷻ: رِسَالَاتُهُ الَّتِي آمَنَ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ، وَعِبَادُهُ الطَّائِعُونَ، قَالَ سُبْحَانَهُ مُثْنِيًا عَلَى مَرْيَمَ أُمِّ عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ).
وَكَلِمَاتُ اللَّهِ ﷻ صَادِقَةٌ فِي أَخْبَارِهَا، عَادِلَةٌ فِي أَحْكَامِهَا، قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، سُبْحَانَهُ يُبَرْهِنُ عَلَى صِدْقِ كَلَامِهِ، (وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
وَلِعَظَمَةِ كَلِمَاتِ اللَّهِ ﷻ وَجَلَالِهَا؛ كَانَ النَّبِيُّ يُسَبِّحُ رَبَّهُ بِقَدْرِ سَعَتِهَا وَكَثْرَتِهَا فَيَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ».
فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِكَلِمَاتِكَ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِكَ الْعُلَا، أَنْ تُيَسِّرَ لَنَا تَدَبُّرَ كَلَامِكَ، وَالْعَمَلَ بِمَرْضَاتِكَ، وَأَنْ تُوَفِّقَنَا لِطَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ، وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ عَمَلًا بِقَوْلِكَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
وهنا أيضًا: خطبة الجمعة مشكولة عن المسارعون والسابقون
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُجِيرُ مَنِ اسْتَعَاذَ بِكَلِمَاتِهِ، وَتَحَصَّنَ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَيُّهَا الْمُصَدِّقُونَ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ: كَانَ النَّبِيُّ يُحَصِّنُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَيَقُولُ: «إِنَّ أَبَاكُمَا -أَيْ: إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ».
وَأَمَرَنَا أَنْ نَتَحَصَّنَ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ، فَقَالَ: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ».
وَمَعْنَى أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ: أَتَحَصَّنُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ الْوَافِيَاتِ فِي مَعَانِيهَا، الْكَامِلَاتِ الَّتِي لَا نَقْصَ فِيهَا، الْحَافِظَةِ لِمَنْ تَحَصَّنَ بِهَا، النَّافِعَةِ لِمَنِ الْتَجَأَ إِلَيْهَا، الشَّافِيَةِ لِمَنْ أَخَذَ بِهَا.
فَمَا أَحْسَنَ أَنْ نَتَأَمَّلَ آيَاتِ رَبِّنَا، وَنُدْرِكَ عَظَمَةَ خَالِقِنَا، وَنُسَبِّحَهُ بِكَلِمَاتِهِ وَنَدْعُوَهُ بِهَا، وَنُحَصِّنَ بِهَا أَنْفُسَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا.
هَذَا وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الْأَكْرَمِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.