اليوم يبدأ الإعداد لإلقاء خطبة أول جمعة من العام الجديد؛ أليس كذلك؟ حسنًا، دعنا نُساعدك في ذلك؛ فقد أحضرنا لك خطبة مكتوبة ليوم الجمعة، تُلقيها لتفتح بها صدور المصلين وتوجههم إلى ما ينفعهم، وإلى ما يجب عليهم أن يتفكَّروا فيه عند استقبال سنة جديدة.
أطنِب ووجِّه كلماتك ودروسك ووعظك إلى الغافلين، وذَكِّر المؤمنين بحقيقة الدنيا والأيام والأعوام، وأخبرهم بالذي عليهم أن يعرفوه مع مرور الزمن والأعوام من حياتهم.
هذه خطبة أول جمعة من العام الجديد مكتوبة، نوفرها لكم في ملتقى الخطباء والدعاة بموقع المزيد، سائلين الله -سبحانه- أن ينتفع بها الجميع.
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وتبارك الذي جعل الليل والنهار خِلفة لمن أراد أن يَذَّكَّر أو أراد شكورا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كان بعباده خبيرا بصيرا.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمدًا رسول الله؛ أرسله ربه بالهدى ودين الحق بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
الخطبة الأولى
أما بعد، أيها المسلمون عباد الله، فإن ربنا جل جلاله جعل في تعاقب الليل والنهار آية من آياته، دالَّة على عظيم قدرته -سبحانه وتعالى-.
واقرأ في سورة الزمر {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى}.
والسَّعيد الموفق من استغل الليل والنهار في التقرب إلى العزيز الغفار، فإن لله -عز وجل- عملا بالليل لا يقبله بالنهار، وعملا بالنهار لا يقبله بالليل، وإن الله تعالى لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة.
المنطق السليم عند استقبال العام الجديد
أيها المسلمون عباد الله، عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي، فقال «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل».
وكان عبده عمر -رضي الله عنهما- يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح؛ وعُدّ نفسك من الموتى.
هذا هو المنطق السليم الذي يحيا به المؤمن، أنه لا يدري متى يفجأه الموت، في أي ساعة من ليل أو نهار؟ ولذلك لا يؤجل عملا أوجبه الله عليه.
إذا أصبحت فلا تنتظر المساء؛ قم بما أوجَب الله عليك في هذا الصباح. وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، قُم بما أوجَب الله عليك في هذا المساء. وعُدّ نفسك من الموت، عُدّ نفسك إذا كنت الصباح ألا تغرب عليك شمس ذلك اليوم، وإذا كنت في المساء ألا يطلع عليك فجر تلك الليلة.
عُد نفسك من الموتى بحيث تتأهَّب للقاء الله -عز وجل-.
ومن أعظم ما نتأهَّب بة للقاء ربنا توبة نصوح. «إِن الله تَعَالَى يبْسُطُ يدهُ بِاللَّيْلِ ليتُوب مُسيءُ النَّهَارِ، وَيبْسُطُ يَدهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مغْرِبِها»، هذا ما قاله النَّبي ﷺ، ورواه مسلم.
نُعَجِّل بالتوبة إلى الله -عز وجل-، بحيث إذا نزل بنا الموت في أي ساعةٍ من ليل أو نهار، نكون على عمل صالح.
أبو سفيان بن الحارث
كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب -وهو ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم– كان هذا الرجل يحارب الله ورسوله ٢٠ سنة، ما ترك حشدًا يُحْشَد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا كان في مقدمته، ما ترك شعرًا يهجو به النبي عليه الصلاة والسلام إلا أقْدع فيه وجدَّع.
لكن بعد ذلك تداركه الله -عز وجل- بتوبةٍ نصوح، أسلم وحسُن إسلامه وشهد يوم حنين، وكان آخِذا بلجام دابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإحدى يديه، ويذُبّ بالمشركين بسيفه باليد الأخرى.
فلما انجلى غُبار المعركة قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «أخي، أبو سفيان، إني لأرجو أن تكون خلفًا من حمزة»، فأكب -رضي الله عنه- على قدمي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلهما ويغسلهما بدموعه.
ثم بعد ذلك، بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، رثاه بتلك الكلمات العظيمات:
لقد عظمت مصيبتنا وجلت … عشية قيل قد قبض الرسول
وأضحت أرضنا مما عراها … تكاد بنا جوانبها تميل
فقدنا الوحي والتنزيل فينا … يروح به ويغدو جبرائيل
وذاك أحق ما سالت عليه … نفوس الناس أو كادت تسيل
نبي كان يجلو الشك عنا … بما يوحى إليه وما يقول
ويهدينا فلا نخشى ملاما … علينا والرسول لنا دليل
أفاطم إن جزعت فذاك عذر … وإن لم تجزعي فهو السبيل
فقبر أبيك سيد كل قبر … وفيه سيد الناس الرسول
هذا الرجل، هذا الصحابي، بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- عكف على عبادة ربه؛ كان يصلي إذا انتصف النهار حتى إذا جاء وقت الكراهة كَفّ. إذا صلى صلاة الظهر طفق يصلي ما بين الظهر والعصر.
ثم لما جاءت تلك الساعة، ساعة الموت، بكى أهله؛ فقال لهم: لا تبكوا فإني والله ما تلطَّخت بخطيئة منذ أسلمت.
الله أكبر! ما أعظم هذه الخاتمة، ما أعظم هذا الرجاء في الله -عز وجل- في تلك الساعة، ساعة الموت التي يعظُم فيها الجزع ويطيش فيها العقل. هذا الرجل المؤمن الذي قدَّم لتِلك السَّاعة، وكانت توبته توبة الصادقين.
وصدقت فيه بِشارة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ «أبو سفيان بن الحارث سيد فتيان أهل الجنة».
يا إخوتاه، مطلوبٌ مِنا أن نتهيّأ لتِلك الساعة؛ الساعة التي ينزِل بنا فيها ملكٌ شديد غليظ، يفرق بين روح أحدنا وجسده، حيث لا ينفعه هناك مال ولا جاه ولا سلطانٌ ولا قرابةٌ ولا أرحام.
يقول الله -عز وجل- في سورة الممتحنة {لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ}.
أسأل الله -عز وجل- أن يحسن خواتيمنا، وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أعمارنا أواخرها وخير أيامنا يوم نلقاه.
توبوا إلى الله واستغفروه.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة؛ أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وخاتم النبيين وإمام المتقين محمدا عبدك ورسولك، اللهم ابعثه مقامًا محمودا يغبطه به الأولون والآخرون.
حقيقة الدنيا
أما بعد أيها المسلمون، فاتقوا الله حق تقاته وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
واعلموا إخوتي في الله أن كثيرا من الناس يفرحون بيتصرُّم الأيام وانقضاء الليالي، وما ذاك إلا لجهلهم بحقيقة هذه الدنيا.
هذه الدنيا متاع كما وصفها ربنا -جل جلاله- وقد قال مؤمن آل فرعون واعِظًا قومه -في سورة غافر- {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ}.
ما هو المتاع؟ هو ما يحمله المسافر من زادٍ أو من ثيابٍ من أجل أن يتبلَّغ به في سفره. شيءٌ موقوت لمهمة محدودة.
هذا الطعام الذي نأكله ثم يصير إلى ما تعلمون يذكرنا إن الدنيا متاع، وهذه الشربة التي نشربها ثم نتبولها تذكرنا بأن الدنيا متاع.
وهذه الثياب التي نلبسها ثم نخلعها تذكرنا بأن الدنيا متاع.
وهذه الذرية التي نتمتع بها، ثم تفارقنا أو نفارقها، تذكرنا بأن الدنيا متاع.
السعيد الموفق من عمل للدار الباقية، الدار التي أهلها في نعيم مقيم، لا يبصقون، ولا يتمخطون، ولا يبولون، ولا يتغوطون؛ لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين، دار النعيم الأبدي السرمدي الذي لا يحول ولا يزول.
ولذلك، إخوتي في الله، ما ينبغي للعاقل أن يحتفل بأنَّ يومًا قد مَرّ، فإن كل يوم مر إنما يباعدنا من الدنيا ويقربنا إلى الآخرة، وإنما الموفَّق هو الذي ينظر ماذا قدم خلال اليوم الذي مضى؟ ماذا فعل في ما بينه وبين ربه؟
وإلا؛ فالدنيا مجبولةٌ على التغير، وأحوالها على التبدُّل. كم من عزيز ذل؟ وكم من ذليل عز؟ كم من غني افتقر؟ كم من فقير اغتنى؟ كم من صحيح اعتل؟ وكم من سقيم قد صَحّ؟
هكذا الدنيا تتبدل وتتغير.
يقول الله -تعالى- في سورة الرحمن {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}.
الذي لا يتغير هو الله -جل جلاله-.
ولذلك نوجه إليه نيّاتنا وقصدنا وقولنا وعملنا؛ ونُخلِص له في ذلك كله رجاء ما عنده من أجرٍ وثواب.
الدعاء
أسأل الله -عز وجل- أن يختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين، وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وأن يتوفَّانا راضٍ عنَّا غير غضبان.
اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغِنى. نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين.
اللهم إذا أردت بعبادك فِتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، يا وليّ الإسلام وأهله ثبتنا به حتى نلقاك.
اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية.
اللهم تولَّ أمر كل مؤمنٍ ومؤمنة، وتولَّ أمر كل مسلمٍ ومسلمة يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؛ فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا أجمعين، وفك أسر المأسورين، وفرج عن عبادك المسجونين، وسع على عبادك المقلين يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين يا خير المسئولين ويا خير الحافظين.
اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتلم بها شعثنا، وتصلح بها ديننا، وتبيض بها وجوهنا، وتدفع بها الفتن عنا، وتعصمني بها من كل سوء يا سميع الدعاء.
اللهم إنا ننزل بك حاجة وإن قََصُر رأينا وضعف عملنا وافتقرنا إلى رحمتك. نسألك يا قاضي الأمور ويا شافي الصدور كما تجير بين البحور أن تُجيرنا من دعوة الثبور ومن عذاب القبور يا عزيز يا غفور يا أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وارفع لهم الدرجات في الحياة وبعد الممات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. أقِم الصلاة.
خطبة أول جمعة من العام الجديد
ألقاها فضيلة الدكتور عبدالحي يوسف، بارك الله فيه وجزاه خير الجزاء.
فحواها: في وداع عامٍ منصرم واستقبال آخر جديد، يجدر بالخطيب والداعية أن تكون خطبته في أول جمعة في السنة الجديدة أن يُذَكِّر الناس بحقيقة الدنيا والأعمال، وما يجب الانتباه له والحذر منه والعمل عليه.
هذه واحِدة من خطب الجمعة التي تتحدَّث حول هذا الموضوع وتُسَلّط الضوء عليه عن كثْب.