الآن؛ الموعِد المتجدد مع الإخوة الخطباء والأئِمَّة والوُعَّاظ؛ ومع خطبة جمعة قصيرة جاهزة نتناول من خلالها فضل العلم والتعليم؛ وذلك بمناسبة دخول موسم المدارس والدراسة.
خطبتنا اليوم مكتوبة ومُنقَّحة لتكوين خطبة قوية للإلقاء من على المنبر من خطباء وأئِمَّة لطالما أرادوا التميّز.
مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين، جعل العلم أساس كل نهضة، والمعارف حلية كل أمة، والثقافة عنوان كل مجتمع، أحمده تعالى على عطائه المدرار، وأشكره جل شأنه على نعمه الغزار.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم الدين.
الخطبة الأولى
أما بعد – فيا عباد الله -، أوصيكم ونفسي بتقوى الله فإنها أحسن عدة وخير زاد؛ واقرأ قوله تعالى في الآية ٢٨٢ من سورة البقرة {وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، واعلموا أن للعلم والتعليم منزلتين ساميتين، بهما يحوز من أحرزهما الخيرية. ومن عظيم منزلة العلم وكريم مرتبته أن الله أمر نبيه ﷺ أن يستزيد منه، وما أمره أن يستزيد من غيره؛ فدل ذلك على أن العلم مقدم غاية التقديم، وأن للمشتغل به عند الله المقام الكريم.
وما أعذب قول الله جل جلاله في الآية ١١٤ من سورة طه {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، على قلوب العارفين! وما أحلاه في نفوس العالمين! يتذكرونه فتتحرك هممهم، ويسمعونه فتتواصل جهودهم، وتتوق نفوسهم إلى الثواب، والقربى من الكريم الوهاب؛ ولنقرأ في الآية ٩ من سورة الزمر {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}.
وقد جاء في المعلم عن رسول الله ﷺ: «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض ليصلون على معلم الناس الخير»، وجاء عنه في المتعلم: «من تعلم العلم لله عز وجل وعمل به حشره الله يوم القيامة آمنا، ويرزق الورود على الحوض».
هذا، وقد افتتحت الصروح العلمية أبوابها في شتى ربوع البلاد، محتضنة طلبتها ذكورا وإناثا، صغارا وكبارا، ولسان حالها: آن لصوت العلم أن يعلو في ساحاتي، ولأصداء المعرفة أن تصدح بين جنباتي. فاستقبلوا -يا رعاكم الله- الفصل الدراسي بعزيمة وثابة، ونفس تواقة، واجعلوا من قوله تعالى -في الآية ١٢ من سورة مريم- {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}، دافعا لكم، وحافزا لهممكم، وألقوا وراء ظهوركم الخمول والكسل، واصرفوا أسماعكم عن كل مثبط من القول الهزل.
حملة العلم
إنكم ورثة الأنبياء، وحاملو اللواء، وصانعو الأجيال، قد بوأكم الله منزلة عالية، فالله الله في أبناء مجتمعكم وبناته، كونوا عند حسن الظن، وأروا الله من أنفسكم تفانيا في التعليم، وأمانة في التدريس، وصبرا على الضعيف، وسندا للنبيه، وتقويما للمخطئ.
فالتعليم رسالة قبل أن يكون مهنة، والمعلم قدوة قبل أن يكون مصدرا للعلم والمعرفة، وأنتم إن شاء الله أهل لهذه الأمانة.
إن المعلم الناجح هو الذي يستطيع أن يجعل من المادة مرتعا خصبا يرتع فيه الطلبة، ومهوى لعقولهم، ولا يتأتى ذلك إلا إذا كان المدرس مطلعا على أحسن وسائل التدريس، متضلعا من المادة التي يلقيها على الطلبة، مبينا لهم قيمتها في حياتهم العملية، وشارحا لهم مجالات استعمالها، حتى ترسخ في عقولهم أهمية ما يدرسون، ويقدم إليهم عصارة خبراته، ويهديهم خلاصة مطالعاته، فيذلل لهم الصعب، ويقرب لهم البعيد، ويروي ظامئهم بأجوبة مقنعة.
وهو مع هذا كله يقف عند منتهى علمه، فلا يقول بغير علم، لئلا يظلم العلم والمتعلم، بل الاعتراف بعدم العلم، والوعد بالبحث عما لا يعلم، يزيد المعلم احتراما، ويعزز ثقته وأمانته عند طلابه؛ واقرأوا قوله تعالى في الآية ٢٠ من سورة المزمل {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}.
فاتقوا الله -عباد الله-؛ وابذلوا وسعكم للعلم والمتعلمين؛ ففي ذلك رقي مجتمعاتكم، وتقدم أوطانكم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فيا عباد الله: إن تحصيل العلم أمر طبيعي في النفس الإنسانية، لما ركب الله فيها من أسباب اكتساب العلم، قال سبحانه في الآية ٨٨ سورة النحل {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، فالسمع والبصر والفؤاد منافذ لتلقي العلم.
وبقدر تسخيرك لهذه الجوارح يكون تحصيلك للعلم، فاصرف نفسك للعلم النافع، وواصل القراءة والتحصيل، وليكن قلبك حاضرا عند الطلب من كل شاغل؛ فإن الله قد هيأ لك الظروف لطلب العلم، فالمعلمون بين يديك، قد تفرغوا لتعليمك، ومؤسسات التعليم مجهزة أحسن التجهيز، فماذا تريد بعد ذلك؟ أليس هذا كفيلا بأن يعلى همتك للعلم، ويخرج طاقاتك الكامنة بالجد والاجتهاد فيه، والوصول إلى أعلى المراتب.
إن من مكارم الأخلاق أن ترد الجميل إلى من أسدى إليك معروفا، وإن هذا الوطن العزيز بقيادته الحكيمة لدينا يحتم علينا أن نعمل على الوفاء به بجميع طاقاتنا، وأنت أيها الطالب المثابر، وأنت أيتها الطالبة المجدة أهل لهذه الثقة فكونوا عند حسن الظن.
هذا وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال في الآية ٥٦ من سورة الأحزاب {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.
الدعاء
اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز ولاة أمرنا وأيدهم بالحق وأيد بهم الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليهم نعمتك، وأيدهم بنور حكمتك، وسددهم بتوفيقك، واحفظهم بعين رعايتك.
اللهم ارحم أموات المسلمين، وأعطهم من الأجر والثواب ما ترجوه له النفوس، اللهم ضاعف لهم أجورهم صالح العمل، وتجاوز عنهم كل خطأ وزلل.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.
اللهم أعز الإسلام واهد المسلمين إلى الحق، وأجمع كلمتهم على الخير، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.
اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر لكل من آمن بك، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.